تعد القارة الإفريقية من بين أهم المناطق التي شهدت، علي مر السنين الماضية، أزمات وصراعات وحروبا كثيرة أرهقت كاهل الدولة الوطنية الناشئة، وقوضت جهود التنمية فيها. ولعل السنوات التي تلت استقلال الدول الإفريقية أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مسائل من قبيل الإرث الاستعماري، واستيراد نموذج الدولة بمفهومها وسياقها الغربي، فضلا عن أن الحدود المصطنعة الموروثة عن الاستعمار كان لها الأثر البالغ علي إضعاف الدولة في إفريقيا، وفشلها في تحقيق الاندماج الوطني، وتحقيق التنمية.
مثلت مسألة بروز تهديدات عابرة لحدود الدول، في ظل التحولات العميقة التي شهدتها مسائل السلم والأمن الدوليين بعد الحرب الباردة، قضايا رئيسية في مناقشات وأجندة المهتمين، سواء في الدوائر المعرفية أو السياسية. فقد كان الانشغال الرئيسي يكمن في كيفية مواجهة تهديدات، مثل الإرهاب، والجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية، ومافيا تجارة السلاح والمخدرات، وتهريب الأموال والبشر، والتلوث البيئي، والانتشار الوبائي، ومخاطر الدول الفاشلة، والحروب الأهلية، ومشكلات التنمية والفقر. وقد مثلت أيضا ميوعة واتساع الحدود، وضعف إمكانيات الدول في إفريقيا تحديا آخر علي قدرة الدول الوطنية في مواجهتها، وهو الأمر الذي جعل من مسألة التعاون والتكامل بين الدول ضرورة ملحة للتعامل مع طبيعة التهديدات الأمنية الجديدة المتسمة بالتشابك والتعقيد الشديدين. ويبدو أن توصيف أولريش بيك Ulrich Beck، في كتابه "مجتمع المخاطر العالمي: بحثا عن الأمان المفقود"، يعبر عما نعيشه اليوم في سياق عالم معولم.
رابط دائم: