عرض: رضوى عمار (باحثة دكتوراة في العلوم السياسية - جامعة القاهرة)
Philip Seib & Dana M. Janbek, Global Terrorism and New Media: The Post-Al Qaeda Generation, London: Routledge, 2011.
تأتي أهمية الكتاب الذي نحن بصدد قراءته لموضوعه الذي يدور حول تفسير الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الجديد، وبشكل رئيسي الإنترنت، في نشر ظاهرة الإرهاب خلال فصوله السبعة، ولكون الكاتبين من الخبراء في الدراسات الإعلامية. وقد أكد الكاتبان في البداية أن كتابهما لا يعد أولي المحاولات المبذولة في هذا الصدد، فضلا عن أنه لن يكون الأخير. وهو ما يعكس أهمية هذا الموضوع واتساع أبعاده التي تحتاج للمزيد من الرصد والدراسة والتحليل.
أكد الكتاب أهمية تحري الدقة عند التعامل مع مفاهيم مثل الإرهاب الذي يهدف إلي القتل، والتطرف الذي يهدف إلي التغيير الراديكالي، وإلي الاختلاف بين الأفراد المسلحين الذين يواجهون قوات محتلة، والإرهاب الذي يقتل المدنيين بشكل عشوائي. فإطلاق صفة "الإرهابية" علي المنظمات هو أمر غير دقيق قد يتجاوز محددات الواقع، ومن ثم يتحري الكتاب الدقة عند إطلاق المسميات. فعلي سبيل المثال، القائمة التي وضعتها الإدارة الأمريكية، والخاصة بأسماء المنظمات الإرهابية الأجنبية في يناير 2010، شملت 45 منظمة، من بينها حزب الله وحماس. ولو افترضنا أنه يمكن وصف أحد أعضاء حزب الله بالإرهابي، فذلك لا يعني أن تشمل الصفة كل أعضاء حزب الله. كذلك الحال فيما يتعلق بحماس وغيرها، فهي تلعب أدوارا سياسية رئيسية في أوطانها، وتضم أطباء ومعلمين وفئات أخري لا تؤيد العمليات الإرهابية.
أثر الإعلام الجديد علي انتشار ظاهرة الإرهاب :
تناول الكتاب في الفصلين الأول والثاني الاستراتيجيات الإعلامية التي اعتمدها زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن" قبل رحيله، حيث أنشأ إدارة إعلام القاعدة في عام 1988، كجزء من الهيكل التنظيمي للتنظيم، وذلك بغرض الاحتفاء بالمجاهدين في أفغانستان الذين كانوا يحاربون الاتحاد السوفيتي. غير أن الرسالة الإعلامية تحولت إلي الهجوم علي إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية. وقد عرض الكتاب العديد من الأمثلة الدالة علي استراتيجية القاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية في استخدام وسائل الإعلام كوسيلة للتأثير في الرأي العام، ومنها مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي، والجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية، فضلا عن شركة الكتائب الخاصة بحركة شباب المجاهدين في الصومال، والتي أنشئت في أواخر عام 9002.
علي الجانب الآخر، استكملت أعمال مؤسسة السحاب بقناة الفجر التي قامت بتوزيع إنتاجها عبر الإنترنت علي جميع المواقع في أنحاء العالم. وعادة ما تتم ترجمة المواد الإعلامية إلي العديد من اللغات. كذلك، دشنت القاعدة موقع "النداء" علي الإنترنت في أوائل عام 2002، لنشر أفكارها حول عملياتها إبان الحرب في أفغانستان والعراق.
وقد عرض الفصل الثالث لنوعين من التهديدات التي يصنعها الإرهاب عبر الإنترنت، أولهما: إرهاب الإنترنت ، الذي يهدف إلي إلحاق الضرر بالأفراد أو بالممتلكات، وهو ما يتم عبر نشر الفيروسات، والتلاعب بالمعلومات عبر الإنترنت. أما الآخر، فهو يخص استخدام الإنترنت كوسيط للاتصال، وهو ما وصفه بال- "الشبكة السوداء" .وتجدر الإشارة إلي أن الكتاب قد عرض بعض الأرقام التي لها دلالتها في هذا السياق بشأن عدد هذه الشبكات، والتي بلغت 12 شبكة عام 1997، و4.350 في أوائل عام 2005، و4.800 عام 2006، وأخيرا تجاوزت أكثر من ستة آلاف شبكة في نهاية عام 2008، حيث أصبحت معظم التنظيمات الإرهابية لها وجود علي الإنترنت، و كان لتنظيم القاعدة السبق.
الإعلام الجديد كوسيلة للتجنيد والدعاية :
في الفصل الرابع، ركز الكاتبان علي ألعاب الإنترنت، بحيث أضحت نوعا من الدعاية الصريحة لعمليات التنظيمات الإرهابية، مثل لعبة "القوة الخاصة" التي أنتجها حزب الله، والتي تقوم علي محاكاة الغارات التي شنها حزب الله اللبناني علي إسرائيل لخطف الجنود في عام 2006، والهجوم علي الدبابات الإسرائيلية في جنوب لبنان، وإطلاق صواريخ كاتيوشا علي المدن الإسرائيلية.
من ناحية أخري، عرض الكتاب في فصله الخامس المعنون ب-"المرأة والإرهاب" لإشكالية الصور التي تعرضها وسائل الإعلام ومنها الإنترنت بشأن مشاركة الفتيات في تلك العمليات، وبخاصة المسلمات المحجبات، حيث تسبب الصدمة في كثير من أنحاء العالم، وتثير التساؤل حول ما الذي تفكر فيه هؤلاء، عندما يقدمن علي التضحية بحياتهن بهذا الشكل "المأساوي". وعرض الكتاب لآراء تعترض علي مشاركة المرأة في هذه العمليات باعتبارها خروجا عن قواعد الشريعة الإسلامية.
مستقبل الإرهاب عبر الإنترنت :
في الفصل السادس، ناقش الكتاب مستقبل الإرهاب في عصر الإنترنت. ورأي الكاتبان في هذا الفصل أن الإنترنت يعد إحدي أدوات القوة الناعمة، والجهود المبذولة في مواجهة الإرهاب علي شبكة الإنترنت هي حرب أفكار يمكن التعامل معها من خلال الدبلوماسية العامة التي تهدف إلي كسب قلوب وعقول الشعوب. وذكر الكتاب أن الاحتلال الأجنبي سبب رئيسي للإرهاب الانتحاري، وهو ما أعطي تنظيمات إرهابية مثل تنظيم القاعدة شرعية سياسية، باعتبارها واحدة من القلائل الذين يقفون في مواجهة إسرائيل في فلسطين ولبنان، والولايات المتحدة الأمريكية في العراق وأفغانستان.
ويخلص الكاتبان إلي أن الغرض الرئيسي لتنظيم القاعدة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 هو إثارة الخوف. ورغم ذلك، لا تحقق العمليات الإرهابية التغيير السياسي المنشود من ورائها. وقد دللا علي ذلك بسلسلة التفجيرات الإرهابية التي قتلت فيها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أكثر من 60 إسرائيليا خلال أيام، والتي لم يترتب عليها تراجع إسرائيل، وإنما رد فعل عنيف انعكس في انتخاب "بينامين نتنياهو" رئيسا للوزراء، الذي تبني سياسات تعوق التوصل إلي عملية السلام.
ويشير الكتاب إلي أن القاعدة أفرزت حركات أخري وصفها بال-"بن لادنية" نسبة إلي بن لادن، وهي تعتمد إلي حد كبير في الاستمرار والبقاء علي مدي قدرتها علي أن تجد شركاء محليين، الأمر الذي يعتمد علي ما تقدمه من تدريب وخبرة عسكرية ومساعدات مالية، فضلا عن الدور الذي يلعبه الإعلام في هذا الصدد.
رابط دائم: