تحديات الديموجرافيا ومشاكل المهاجرين في أوروبا 2-8-2011 د. إليساندرو فيجس * سوف تواجه أوروبا في القرن الحادي والعشرين عدة تحديات محورية، منها تداعيات العولمة، وتأمين الطاقة في ظل تصاعد المنافسة حول مواردها، وقضايا البيئة، والمشكلة الديموجرافية، وتبرز الأخيرة من حيث أثرها الكبير في مستقبل أوروبا ومستوي معيشة الأجيال القادمة. تتمثل مشكلة أوروبا الديموجرافية في تراجع معدلات النمو السكاني، وارتفاع نسبة كبار السن، أي أن المجتمع الأوروبي يشيخ ويتناقص عدده في آن واحد. يرتبط ذلك بتحسن الأحوال المعيشية، والخدمات الصحية التي أدت إلي ارتفاع سن الوفيات، وأيضا لانخفاض معدل الخصوبة، الذي يرجعه البعض إلي خروج المرأة الأوروبية للعمل، وعدم وجود دعم أسري لها فيما يتعلق بتربية الأطفال. ولهذا الوضع تداعيات مهمة بالنسبة لرسم السياسات في مجالات الرعاية الصحية، والتعليم، والتوظيف، وسن التقاعد. فمن أجل أن تستطيع أوروبا المنافسة في الاقتصاد العالمي، يحتاج أصحاب الأعمال إلي عمالة بتكلفة منخفضة، وسوف يحتاج كبار السن إلي مزيد من الخدمات الاجتماعية والصحية. والواقع يشير إلي أن أوروبا لا تملك الإمكانيات السكانية اللازمة لتقديم مثل هذه الخدمات. ويعد رفع سن التقاعد إحدي المقاربات المهمة لمواجهة هذه المشكلة وهي سياسة تبدو حتمية، كما أن لها ميزة تحقيق الاستفادة القصوي من إمكانيات وخبرة قوة العمل الحالية. ولكن إذا أرادت أوروبا أن تحتفظ بقوتها الاقتصادية ومستويات معيشتها المرتفعة، فيجب عليها أن تأخذ خطوات أشمل وأكثر إيجابية. ولا شك في أن العمالة المهاجرة، خاصة من الأجيال الجديدة ذات الكفاءة العالية في مجالات استخدام التكنولوجيا الحديثة، يمكن أن تلعب دورا محوريا في هذا الصدد. لقد دعمت الجماعة الأوروبية بقوة تشجيع الهجرة، ولكن هناك حاجة إلي بلورة استراتيجية سياسية، اجتماعية، تعليمية شاملة. فسوف يتعين علي أوروبا أن تجتذب أفضل المواهب من الدول الأخري للعمل لديها. وسوف يتطلب ذلك اعتماد سياسات أقل بيروقراطية وأكثر مرونة، بالإضافة إلي تبسيط القوانين الخاصة بالعمالة. تتطلب الاستفادة من العمالة المهاجرة في تحقيق رخاء أوروبا الاقتصادي أيضا خلق مجتمعات متعددة الثقافات، حيث يكون هناك قبول واحترام للثقافات المختلفة، وتقدير للمواهب والإمكانات. ويجب أن تشيع ثقافة التسامح، وأن يبدأ ذلك من السياسة التعليمية، التي يجب أن تكون بلغات متعددة. وبينما لا توجد لغة أوروبية موحدة، فإن هناك لغات لها انتشار كبير مثل الإنجليزية، التي أصبحت لغة عالمية، واللغة العربية التي تستخدمها أعداد كبيرة من المهاجرين من شمال إفريقيا. وفي هذا الصدد، قد تستفيد أوروبا من دراسة النموذج الأمريكي، حيث يتم استخدام كل من اللغتين الإنجليزية والإسبانية علي نطاق واسع. من ناحية أخري، تبرز قضية تمثيل الأقليات المهاجرة في الحكومات المحلية ومجالس المدن. وقد رأينا في الولايات المتحدة تقلد مواطنين من أصل لاتيني وإفريقي المناصب، مثل عمودية المدن. فهل يمكن أن يحدث ذلك قريبا في أوروبا؟، وهل ستظفر الأقليات، خاصة من شمال إفريقيا وأوروبا الشرقية، بتمثيل أكبر علي هذا المستوي؟. إن المشاركة في فعاليات الحكم المحلي من أهم الوسائل التي يمكن أن تسهم بها الأقليات في عملية رسم السياسات. ليست أوروبا وحدها التي تواجه تحديات الديموجرافيا ومشاكل الهجرة. إن كلا من روسيا والصين تواجه مشاكل الشيخوخة السكانية، والنقص المتوقع في الأيدي العاملة، لأسباب وبأشكال مختلفة. وبينما لعبت الهجرة دورا كبير في التنمية الاقتصادية لكل من كندا واستراليا، فإن كلا منهما تراجع الآن سياسات الهجرة. أما في الولايات المتحدة، فإن تزايد نسبة السكان ذوي الأصل اللاتيني يشكل فرصا اقتصادية، وتحديا ثقافيا في آن واحد. وكذلك الحال بالنسبة لأوروبا، فلا شك في أن تزايد أعداد المهاجرين، بزعم أنه ضرورة اقتصادية، سوف يمثل تحديات ثقافية وسياسية مختلفة، ليس أقلها احتدام الجدل حول العلمانية والدين، وهل تسير أوروبا في اتجاه مزيد من العلمانية أم مزيد من التدين. اليوم، تنشغل الحكومات في أوروبا بمعالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية، ولكن يجب ألا يشتت ذلك انتباهها عن القضية الديموجرافية بتداعياتها طويلة الأجل. رابط دائم: