أوروبا وسياسة تركيا الشرق أوسطية 2-8-2011 د. مصطفي اللباد * عادت تركيا بقوة إلي معادلات الشرق الأوسط بعد طول غياب، عبر سياسة إقليمية متوازنة وصاعدة وضعت بلادها في بؤرة الأحداث، بعد أن حجزت لتركيا مكانة 'المرجعية الإقليمية' في المنطقة. كان الطريق شاقا أمام هذه العودة، إذ تضافرت الكوابح الداخلية التركية مع قيود الالتزامات الدولية في مزيج مدهش من العوائق. ولكن السياسة الإقليمية التركية، المدموغة بخاتم وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، خطت فوق العوائق السياسية والحساسيات التاريخية لتعيد تركيا إلي جوارها الجغرافي والحضاري بعد عقود من الغياب. ألغت السياسة الإقليمية التركية الجديدة تلك الثنائيات التي استقرت في الأذهان لفترات طويلة، وعلي الأخص ثنائية إما التوجه غربا أو التوجه شرقا، بحيث بدا في مراحل سابقة وكأن التوجه نحو أوروبا والغرب يتطلب تنازلا عن مد الروابط والجسور نحو الشرق. استعملت السياسة الخارجية التركية 'كسارة الثنائيات' بشكل عقلاني ومنهجي، مستندة إلي خيال سياسي استثنائي وطموح لا يعرف الكلل، ولكنها أسندت كل ذلك إلي أساس واقعي يعكس وعيا عميقا بتركيبة وهياكل المنطقة، فأحرزت لتركيا أقصي ما يمكن أن تحصل عليه في ظل التوازنات الدولية والإقليمية القائمة. قد يبدو للوهلة الأولي أن هناك تصادما بين توجه تركيا نحو الشرق الأوسط وتوجهها نحو الاتحاد الأوروبي في الغرب، وهو أمر غير صحيح لعدة اعتبارات. يتقدم هذه الاعتبارات حقيقة مفادها أن جانبا كبيرا من المقبولية الشعبية والنخبوية، التي تحظي بها تركيا في المنطقة، يعود إلي النموذج الذي تقدمه من حيث الانفتاح علي الغرب، والتناوب السلمي علي السلطة بين أحزابها السياسية، والتقدم الاقتصادي الذي أحرزته بحيث أصبحت الاقتصاد رقم 17 علي العالم، وكلها اعتبارات وعوامل ما كان لتركيا أن تحظي بها دون ارتباط عميق مع الغرب. وعلي الناحية الأخري، فمن شأن دور تركيا المتعاظم في الشرق الأوسط أن يضمن للاتحاد الأوروبي أدوارا في صراعات الشرق الأوسط الملتهبة بما يحفظ المصالح الأوروبية في تلك المنطقة فائقة الأهمية بمعادلات السياسة الدولية، ويجعل تركيا في الوقت ذاته 'دولة حاجزة' لوصول آثار الصراعات الشرق أوسطية إلي قلب الاتحاد الأوروبي. هنا دور مزدوج تلعبه تركيا حيال الشرق الأوسط من منظور المصالح الأوروبية، ولكن اختزال السياسة الخارجية لتركيا إلي الاختيار بين 'سياسة شرقية' أو 'سياسة غربية' يؤدي إلي العودة بالتحليل السياسي لمرحلة عصور تاريخية خلت، فيفقده رصانته والتنوع الواجب لطبقاته ومستويات تحليله...(ملخص) رابط دائم: