اليابان والصين .. دفء اقتصادي وبرود سياسي 6-7-2011 السيد صدقي عابدين * باحث في العلوم السياسية، متخصص في الشئون الأسيوية. السياسة اليابانية تجاه الصين هي جزء من سياستها تجاه منطقة شرقي آسيا، التي بدورها جزء مهم وأساسي من سياستها الخارجية، ومن ثم فإنها تهدف إلي تحقيق المصلحة الوطنية اليابانية، وتستخدم فيها الأدوات ذاتها التي تستخدم في مجمل السياسة الخارجية اليابانية، وتتأثر بذات المحددات التي علي أساسها تتحدد تلك السياسة(1). وفي الوقت نفسه، فإن للسياسة اليابانية تجاه الصين ما يميزها بحكم الجوار الجغرافي، الذي وإن خلق فرصا لليابان تمثلت في أسواق ضخمة للصادرات اليابانية بالقرب منها، فإنها في الوقت ذاته مصدر قريب للمواد الخام. كما أنها تمثل إحدي الوجهات التي يقصدها المستثمر الياباني، والتي تتوافر فيها بعض عناصر الجذب. أضف إلي ذلك أن معظم تجارة اليابان الخارجية تمر عبر مضايق ومسارات بحرية تتحكم فيها الصين، إما كليا أو جزئيا. في مقابل ذلك، فإن هذا الجوار الجغرافي قد خلق مجموعة من المشاكل لليابان، من بينها الخلافات الحدودية، خاصة ما يتعلق منها بالحدود البحرية، والخلاف حول مناطق متنازع عليها ظهرت فيها مصادر للطاقة، وكذلك المحاجة بخصوص ملكية بعض الجزر. فجزر سينكاكو كما تطلق عليها اليابان، أو ديايو كما تطلق عليها الصين، تعتبرها اليابان جزءا لا يتجزأ من أراضيها، وأنها تخضع للسيادة اليابانية، وأنها كذلك منذ عام 1895، وأنها بعد الحرب العالمية الثانية خضعت للإدارة الأمريكية، شأنها شأن كل الأراضي اليابانية، وأن الصين لم تعترض علي أي من هذه الممارسات السيادية اليابانية. وحتي عندما تم تطبيع العلاقات بين البلدين في عام 1972، لم تثر هذه القضية، وإنما بدأت في إثارتها، بعدما ظهر أن المنطقة المحيطة بها غنية بالنفط. ومن ثم، فإن اليابان تشكك في حجية الطرح الصيني، سواء في جوانبه التاريخية أو الجغرافية أو الجيولوجية أو القانونية، معتبرة أن الجزر ليست جزءا من تايوان(2). وإلي جانب الجزر، توجد خلافات حول تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري، حيث بدأت الصين في السنوات الأخيرة في القيام ببعض التصرفات الاستفزازية من قبيل دخول سفن أبحاث إلي مناطق متنازع عليها، أو دخول طائرات أو قطع بحرية إلي مناطق خاضعة للسيادة اليابانية، أو دخول قوارب صيد للجزر المشار إليها كما حدث أخيرا في سبتمبر 2010 . وفي تلك المرة، تم اعتقال طاقم قارب الصيد الصيني، وأصرت اليابان علي أنها تطبق قانونها الداخلي علي هذه المخالفة من قبل هذا القارب، وأن المسألة لا يمكن أن تكون من قريب أو من بعيد ذات علاقة بمسألة السيادة علي الجزر لأنه حقها الذي لا تقبل نقاشا فيه(3). ورغم انتقاد اليابان لرد الفعل الصيني المتشدد، فقد اضطرت للإفراج عن كل أفراد الطاقم، مما أثار انتقادات داخلية واسعة اتهمت الحكومة بالتراجع أمام الصين، وأن قرار إطلاق قائد السفينة الصينية قد أخذ في الاعتبار المحافظة علي العلاقات مع الصين، وقد كان نتيجة كل ذلك تراجع شعبية رئيس الوزراء ناوتو كان وحكومته بشكل كبير. ومن ناحية آخري، فإن اليابان وإن كانت قد حازت علي نصيب مهم من السوق الصيني الواسع، الذي يزداد استهلاكه باستمرار، وتحصل منه علي الكثير مما تحتاج إليه، ليس فقط علي صعيد المواد الخام، ولا السلع كثيفة العمالة، وإنما باتت السلع كثيفة التكنولوجيا ورأس المال من بين المكونات الأساسية للواردات اليابانية من الصين، بما يعنيه ذلك من زيادة الاعتماد المتبادل اقتصاديا بين البلدين(4)، وبما يحمله في الوقت ذاته من عنصر تهديد في حال التأثر بالخلافات السياسية. وقد حدث في الأزمة الأخيرة أن الصين استخدمت ورقة المعادن النادرة التي تصدرها لليابان للضغط عليها، كورقة اقتصادية إلي جانب الأوراق السياسية الأخري، ومن بينها إلغاء الاجتماعات والزيارات التي كانت مقررة علي المستوي الثنائي(5). وتشعر اليابان بتهديد آخر جراء القرب الجغرافي، يتمثل في إمكانية تأثر الملاحة في مضيق تايوان، في حال التوتر أو اندلاع مواجهة عسكرية بسبب قضية تايوان، وهي من القضايا التي تعلن الصين صراحة أنها يمكن أن تستخدم فيها القوة العسكرية، في حال سارت الأمور عكس ما تريد من عودة تايوان إليها، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أراضيها. وقد توترت الأجواء في المنطقة أكثر من مرة، ومن ذلك عام 1996 . ومن المعروف أن هذه القضية من بين القضايا التي تحرص الصين علي الحصول علي اعتراف دولي بخصوصها، ومن ذلك ما حصل مع كل من الولايات المتحدة واليابان عند تطبيع العلاقات معها. ومن هنا، كان اعتراضها علي دعوة كبار المسؤولين التايوانيين لزيارة اليابان، حتي وإن كان ذلك في مناسبات رياضية، أو لأسباب علاجية، كما أنها عارضت بشدة توسيع نطاق التحالف الأمريكي - الياباني ليشمل المناطق المحيطة، بما يعني شموله تايوان. رابط دائم: