شهد العقد الأخير تقدما كبيرا في النشاط الفضائي في دول جنوب وشرق آسيا، سواء في إنتاج الأقمار الصناعية وخدماتها، أو في إطلاق المركبات الفضائية، وهو ما يرشح تلك المنطقة لتصبح قوة فضائية عالمية منافسة للولايات المتحدة. تمثل الصين واليابان والهند قوي فضائية صاعدة ومتنافسة علي نحو يعبر عن تحول للقوة الاقتصادية والجيوسياسية باتجاه آسيا، وبروز توجهات عسكرية واستراتيجية لاستخدام الفضاء الخارجي. وقد ينعكس ذلك علي نمط علاقات هذه الدول إقليميا ودوليا، وعلي طبيعة دورها في مستقبل النظام الدولي .
جاذبية الاستحواذ علي القوة في الفضاء الخارجي:
بدأ عصر الفضاء منذ إطلاق الاتحاد السوفيتي السابق أول أقماره الصناعية لاستكشاف الفضاء 'سبوتنيك'، أول سفينة فضاء تدور حول الأرض عام 1957 . دخل الاتحاد السوفيتي بعد ذلك في سباق 'فضائي' مع الولايات المتحدة، كان من ملامحه إطلاق المركبة الأمريكية 'أبولو' عام 1969 للهبوط علي القمر. وتميز هذا السباق بالقدرات التكنولوجية الهائلة والميزانيات الضخمة المخصصة لتلك البرامج، والتي بلغت ذروتها بعد إطلاق الولايات المتحدة برنامج حرب النجوم الذي كان له دور في استنزاف الاتحاد السوفيتي السابق وانهياره.
أصبح الفضاء الخارجي منذ ذلك الحين مجالا للتنافس بين الدول للحصول علي عناصر القوة الفضائية التي ارتكزت علي نظرية عالم الفضاء الأمريكي جيمس أوبرج في كتابه 'نظرية قوة الفضاء'. تضع هذه النظرية نظاما متماسكا يعظم من القوة الفضائية، يتمثل في 'حاصل جمع القدرة التكنولوجية، والسكان، والاقتصاد، والصناعة، والقوة العسكرية، وإرادة الدولة وغيرها من العوامل التي تسهم في دعم إمكانيات الدولة علي ممارسة الإكراه، أو الإقناع أو ممارسة التأثير السياسي علي أعمال الدول الأخري، أو علي الحكام في العالم بغرض الوصول للأهداف الوطنية من خلال القدرات الفضائية'(1).
وحظي الاستخدام العسكري للأقمار الصناعية باهتمام كبير من جانب العديد من الدول بالنظر إلي دورها في الحروب وكشف ميادين القتال، ووضعية القوات، والتجسس، وكشف الأماكن الاستراتيجية، وتأمين نظام الملاحة الجوية، والإنذار المبكر حول التهديدات العسكرية المختلفة .
كما أصبح للأقمار الصناعية أهمية قصوي في الاستخدام السلمي في مجال التنمية التكنولوجية، ودعم النمو الاقتصادي، وفي مجال الاتصالات، والبث الإذاعي والتليفزيوني، والاستشعار عن بعد، والأرصاد الجوية، والملاحة، عبر نظام تحديد المواقع العالمي. وقد أصبح ذلك كله يعد ضمن أولويات الأمن القومي وأداة من أدوات السياسة الخارجية(2).
وقامت الدول في سبيل ذلك ببناء مشروعات وطنية للفضاء الخارجي، أو بالتعاون مع الدول الأخري الرائدة، كروسيا والولايات المتحدة ،للعمل علي توفير عناصر الجاهزية الفضائية من المنشآت والمعدات والمعرفة الفنية لدي الكوادر البشرية والتمويل اللازم .
ومن أبرز البرامج الفضائية تقدما في آسيا برامج الصين واليابان والهند، التي امتلكت أقمارا صناعية للاستشعار عن بعد، وقدرات خاصة بالبنية التحتية للنشاط الفضائي، وتكنولوجيا الفضاء، وتصنيع الأقمار الصناعية، والصورايخ، والملاحة الفضائية. وقد أصبح لدي تلك الدول القدرة علي تفسير واستقبال المعلومات من الأقمار الصناعية الأوروبية والأمريكية. تحاول كوريا الجنوبية اللحاق بهذا التقدم، كما توجد برامج فضائية لدي نيبال وباكستان وبنجلاديش، وعلي نحو أقل تقدما لدي كل من تايلاند وماليزيا وسنغافورة .
يمثل بذلك الفضاء الخارجي أهمية استراتيجية وساحة للصراع والتنافس لتعظيم القوة الاقتصادية والعلمية، والحفاظ علي أمن الدولة وطموحها في احتلال مكانة لها في النظام الدولي في عصر الثورة العلمية والتكنولوجية.
البيئة الأمنية تدفع بالسباق الفضائي :
تعد منطقة جنوب وشرق آسيا من المناطق الأكثر تفاعلا بين كتل بشرية ضخمة وقيادات طموح تحاول البحث عن مكانة دولية تحافظ علي مصالحها وذلك في مجالات متحولة من النفوذ، وبما يفضي بالتالي لخلق احتكاكات فيما بينها. ولا يزال القرب الجغرافي واحدا من العوامل الرئيسية التي تتسبب في اندلاع نزاعات بين القوي الكبري في المحيط الآسيوي، وهو ما يجعل أي نوع من الزيادة، التي تطرأ علي نفوذ بلد في دولة حدودية، ذا أثر ملموس لدي الدول المجاورة، التي تفسره علي أنه خسارة في نفوذها.
وعلي الرغم من حرص دول المنطقة علي بقاء النزاعات الثنائية أو المتعددة الأطراف حول قضايا السيادة تحت السيطرة، وعدم تحولها لعامل تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي، فإن ذلك لم يمنع من وجود أطر أخري للتنافس الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، فانتزعت الصين مركز اليابان كثاني أكبر اقتصادات في العالم، ومن المتوقع أن تنافس الولايات المتحدة علي مركزها الأول عام 2025، كما تتنافس مع عملاق اقتصادي آخر هو الهند.
وقد أثرت طبيعة الخلاف الاستراتيجي والجغرافي والتجاري، وشبكة التحالفات الدولية والإقليمية في حجم التعاون في النشاط الفضائي. تدعم الولايات المتحدة النشاط الفضائي لليابان، الحليف التقليدي، والهند، إلي جانب تايوان وكوريا الجنوبية، بينما تتعاون الصين مع باكستان وروسيا وكوريا الشمالية والدول الصغري في جنوب شرق آسيا التي تضم أقليات صينية .
كما تقدمت خطي التعاون بين اليابان والهند بعقد اتفاقية التعاون في إدارة الأزمات في النشاط الفضائي. وتري الولايات المتحدة دورا للهند واليابان في تحقيق التوازن الاستراتيجي مع الصين، وهو ما أثار بالتبعية مخاوف الصين من سعي الولايات المتحدة لتشكيل تحالف فضائي آسيوي ضدها(3).
وترغب الهند من جانبها في زيادة قدرتها الفضائية في مجال مراقبة الأنشطة العسكرية الصينية علي خط الحدود الهندية. ويجذب اليابان للتعاون مع الهند النمو السريع لقدرات الصين الفضائية. ودفع تقدم الهند في الفضاء باكستان إلي أن طلبت من الولايات المتحدة وروسيا تجنب التعاون مع الهند في مجال الفضاء والصورايخ الباليستية(4). وفي إطار مواجتها مع الهند، تمتلك باكستان برنامج صواريخ باليستية ومتوسطة المدي قادرة علي إطلاق منظومات تتصدي للأقمار الصناعية .
يمتد الاهتمام بالفضاء في الصين واليابان والهند من البعد التكنولوجي إلي اعتبارات الحفاظ علي النمو الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي والسياسي والعسكري، حيث تري فيه هذه الدول دفعة قوية للكرامة الوطنية والمشاركة في تقدم الإنسانية، ووسيلة أيضا لاكتساب الشعبية في الداخل، والمكانة الدولية، حيث تسعي اليابان والهند للحصول علي مقعد دائم بمجلس الأمن.
وقد مكن معدل النمو الاقتصادي المرتفع بالصين واليابان والهند، وتدفق الاستثمارات الأجنبية واندماجها في السوق العالمي هذه البلاد من استيراد ما تريده من تكنولوجيا فضائية لخدمة برامجها الوطنية. وأفرز ذلك تنافسا ذا أبعاد اقتصادية وتكنولوجية فيما بين هذه الدول من جهة، وبين الولايات المتحدة والصين من جهة أخري، مع تقدم الاخيرة بوتيرة متسارعة في نشاطها الفضائي. هذا، وقد ارتبط تطور تكنولوجيا الفضاء في آسيا بظهور الأقمار الصناعية الصغيرة منخفضة التكلفة، ونمو مبيعات سوق إطلاق الأقمار التجارية التي تقدر خلال السنوات العشر القادمة بنحو 125 مليار دولار. ويأتي هذا مع انخفاض نصيب الولايات المتحدة في سوق الفضاء الدولي من 73% في عام 1995 إلي 23% عام 2005، ولكنها لا تزال تمتلك أكثر من نصف الأقمار الاصطناعية الموجودة في الفضاء.
تحتفظ كل من الصين واليابان والهند بمشروعها الوطني الخاص، بالإضافة إلي وجود أطر للتعاون الدولي في برامجها الفضائية، وإن كانت الصين أقلها انفتاحا. ومثلت تلك الدول أسواقا صاعدة في مجال المنتجات الفضائية وتطبيقاتها في النواحي التجارية، والعلمية، والاتصالات، وتوقعات الأرصاد الجوية، والكشف عن الموارد الطبيعية، ومراقبة التغيرات المناخية، ورصد الكوارث الطبيعية كالزلازل، والبراكين، وحرائق الغابات، وموجات التسونامي البحرية، واستخدام خرائط الفضائية، والتخطيط للتنمية المستدامة، وفي تطبيقات الطب والتعليم عن بعد، ومكافحة الجريمة كالقرصنة في أعالي البحار، وحماية الأمن الغذائي، و يعد الفضاء مصدرا للطاقة البديلة في دول تعاني نقصا في إمدادات الطاقة(5).
وقد انعكس التنافس بين الصين واليابان والهند علي تطور برامجها الفضائية، والتقدم في الصواريخ الباليستية، وعدد الأقمار الصناعية التي يتم إطلاقها، وتنوع أغراضها بين الطابع السلمي والعسكري، وكذلك في عدد العلماء المدربين، وفي تخصيص الميزانيات، وفي السعي للتعاون الدولي مع غيرها في النشاط الفضائي، والإسهام في محطة الفضاء الدولية، بالإضافة لنصيب تلك الدول في السوق الدولي للمنتجات الفضائية ودورها في النمو الاقتصادي بها.
الصين قوة فضائية جامحة :
أكدت الصين في وثيقة أصدرتها عام 2002 أن الهدف من برنامجها الفضائي هو الحفاظ علي مصالحها القومية، وتنفيذ استراتيجيتها في التنمية، وتنفيذ سياسة دفاعية قوية، واستكشاف الفضاء لتوظيفه لخدمة الأغراض السلمية، والخوف من تمكن الولايات المتحدة من الاستعداد لحروب الفضاء في المستقبل .
وقد أثار قيام الصين في عام 2007 بتدمير القمر الصناعي الصيني 'فنج يون 1سي' المخصص لأبحاث الأحوال الجوية في الفضاء الخارجي - حيث ضربته بصاروخ مضاد للأقمار الصناعية - مخاوف اليابان والولايات المتحدة وتايوان وروسيا والاتحاد الأوربي من خطر تطوير تلك القدرات وتوجيهها ضد الأقمار الصناعية الأمريكية في الفضاء. وبالرغم من تأكيد الصين الالتزام بالتجارب السلمية لتطوير أبحاث الفضاء الخارجي، فإن برنامج الفضاء يقع تحت سيطرة جيش التحرير الصيني، ويوفر له خبرة في الاتصالات وتكنولوجيا الصواريخ، وقدرات الحرب ضد الأقمار الصناعية. ولم تكن هذه التطبيقات العسكرية للبرنامج الصيني خافية عن أعين اليابان والهند اللتين عبرتا عن قلقهما البالغ من هذا الوضع. وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية أنه نظرا للتطور الصيني من ناحية، والاعتماد العسكري الأمريكي علي الفضاء من ناحية أخري، فإنه قد يندلع مستقبلا صراع في الفضاء بين الدولتين، وقد تكون شرارته الخلاف حول جزيرة تايوان.
تعتزم الصين إقامة قاعدة لها دائمة علي سطح القمر، والقيام بتطوير أنظمة التشويش والتعطيل لأنظمة تحديد المواقع، وبناء وتصميم مركبات تعمل كجسم طفيلي لتدمير تكنولوجيا الأقمار الصناعية، فصلا عن تدعيم إمكاناتها في مجال إطلاق الأقمار الصناعية المختلفة(6).
وتعد الصين ثالث بلد في العالم يبعث بالإنسان خارج الكوكب بعد الولايات المتحدة وروسيا، ويقدر أنها من الممكن أن تصبح قادرة علي إرسال رواد فضاء للقمر، بحلول عام 2025، واستكشاف كوكب المريخ بحلول عام 2013، وكوكب الزهرة بحلول عام 20150 الهند قوة فضائية في الطريق :
يشهد برنامج الفضاء في الهند تقدما ملموسا بما يجعلها في مصاف الدول الرائدة كالبرازيل وروسيا والصين، وتتمتع بمزية عقد اتفاق استراتيجي مع الولايات المتحدة في المجالات النووية والفضائية والصاروخية، إلي جانب تعاونها مع روسيا وإسرائيل المتقدمة في النشاط الفضائي(7).
حققت الهند نجاحات في تطبيقات الفضاء بما جعلها تقارب الصين باستثناء مجالات المركبات المأهولة واستكشاف الفضاء. وعلي الرغم من تأكيد الهند أن تقدمها في مجال الصواريخ وتكنولوجيا الأقمار الصناعية لن يتم توظيفة عسكريا، فإنها تقدمت في التطبيقات العسكرية كمهام الاستطلاع، والتحكم، والسيطرة، ودعم برنامج الصورايخ الباليستية متوسطة المدي، فضلا عن ارتباط منظمة الفضاء بوزارة الدفاع الهندية.
وتهدف الهند من برنامجها الفضائي إلي الحفاظ علي أمنها القومي الإقليمي، خاصة في إطار توتر علاقاتها مع باكستان، ومواجهة الصين ببناء قدرات ذاتية في مجال الصواريخ الدفاعية، وذلك خوفا من ضرب باكستان أو الصين الأقمار الصناعية للهند. وتتخوف الهند من نقل تكنولوجيا الصين في مجال قصف الأقمار الصناعية في الفضاء إلي باكستان لموازنة المساندة الأمريكية للهند. ويعزز من هذه المخاوف وجود اتفاق بين الصين وباكستان للتعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة، قدرت قيمته بنحو 222 مليون دولار عام 2009، إلي جانب سعي باكستان لإطلاق أول أقمارها الصناعية عام 2011 .
وتسعي الهند لتطوير سادس برنامج فضائي للوصول إلي القمر بعد روسيا والولايات المتحدة واليابان والصين ووكالة الفضاء الأوروبية. وتخطط لإرسال أول رحلة مأهولة للفضاء بحلول 2015، وبعثة مأهولة للقمر بحلول 2020، وذلك بعد نجاحها في 2008 في إطلاق أول مركبة فضائية آلية لتصبح خامس دولة تصل إلي المدار القمري بمساعدة أمريكية وأوروبية. وقد سمح ذلك للهند بمجاراة الصين واليابان وفتح في الوقت ذاته مجال التنافس بينها(8).
وتتميز الهند بوجود طلب عالمي علي خدماتها الفضائية لرخص تكلفتها عن أسعار السوق بنحو 35 %، وتوافر الكوادر البشرية الماهرة، وامتلاكها شبكة واسعة من الأقمار الصناعية التجارية، مقارنة بأي دولة أخري في العالم. وتعد العمود الفقري لنمو أسواق الهواتف الذكية والقنوات الفضائية والتنبؤ والتجسس العسكري. اليابان قوة فضائية بدعم أمريكي :
تم إنشاء برنامج الفضاء الياباني في عام 2003، وتبلغ ميزانيته السنوية 2.5 مليار دولار أمريكي. وقد أدانت اليابان بشدة تجربة الصين في تدمير قمر صناعي عام 2007، وهو ما دفعها لإطلاق أربعة أقمار صناعية للتجسس في منطقة آسيا والمحيط الهادي لمدة أربع وعشرين ساعة في اليوم، بعد فترة لا تتعدي شهرا من التجربة الصينية(9).
في 21 مايو 2008، وافق مجلس الشيوخ الياباني علي قانون لائحة الفضاء الأساسية :(The Basic Space Bill) والتي تدعو للعمل علي دعم أمن اليابان بتنمية استخدام الفضاء الخارجي، ومساندة كل أنشطة البحث والتطوير المتعلقة به، ودعم تنمية الصناعات الفضائية، وتحديد السياسة الفضائية، ومنع عسكرة الفضاء الخارجي(10). وتعكس هذه اللائحة قدرا من التحرر من القيود القانونية علي تسليح اليابان، كما فتحت الباب لتطوير أقمار صناعية لأغراض الأمن العسكري والوطني لمواجهة التهديدات التي يمثلها تقدم الصين في برنامجها الفضائي، والطموحات النووية لكوريا الشمالية(11).
هذا، وقد سمح القانون للجيش الياباني بإطلاق أقمار صناعية للتجسس والتحذير من إطلاق صواريخ، لكنه لم يسمح بوضع أسلحة هجومية في الفضاء .وجاءت تلك السياسة الجديدة بعد انتقادات لعملية فصل تطوير برنامج الفضاء عن الجيش منذ عام 1969، لأنها تعرقل النمو التكنولوجي، والمطالبة بألا يتم التركيز علي الأبحاث والتطوير فقط، بل أيضا علي تحقيق التوازن بين الصناعة والأمن (12).
وتؤكد اليابان كغيرها أهمية منع عسكرة الفضاء الخارجي ومواجهه الصواريخ الباليستية عابرة القارات. وتولي وزارة الدفاع اليابانية اهتماما خاصا للتطور في الجيش الصيني لإدراكها أن التوتر بشأن تايوان سيضع الولايات المتحدة ومعها اليابان في مواجهة أو صراع مع الصين.
وسوف تصبح مسألة خلق توازن مع الصين هدفا استراتيجيا ملحا إذا ما انسحبت الولايات المتحدة من قواعدها في اليابان وكوريا الجنوبية. وتتطلع اليابان لبناء محطة فضائية ملائمة للبشر والهبوط علي القمر بحلول عام 2020، وبناء قاعدة علي سطحة بحلول عام 2030(13). ويتميز برنامج الفضاء في اليابان بالتقدم عن غيره من البرامج في الاستخدامات السلمية، مثل إطلاق مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية من الفضاء الخارجي بحلول عام 2030، وافتتاح أول فندق فضائي عام 2012.
التداعيات الأمنية للتقدم الصيني في الفضاء الآسيوي :
يمثل برنامج الفضاء الصيني تحديا للولايات المتحدة والهند واليابان. ورغم أن الصين تتخلف عن مواكبة التقدم الأمريكي في الفضاء بما يزيد علي أربعة عقود، فإنها تسير بخطي سريعة للحاق بالتفوق الأمريكي، وسد الفجوة بينها وبين روسيا. وتدرك الصين أن وضعها في القرن ال- 21 يتطلب قدرة هائلة علي امتلاك القوة الفضائية التي تؤهلها لأن تصبح قوة عظمي في المستقبل، حيث سيصبح التفوق في مجال الفضاء معيار التفوق في القرن الجديد، كما كانت القوة البحرية هي معيار القوة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، والقوة الجوية في القرن العشرين.
وقد سعت الولايات المتحدة لفرض هيمنتها علي الفضاء الخارجي، وهو ما عبر عنه تبني الرئيس السابق 'بوش' استراتيجية فضائية تدعو لحرية تحرك' الولايات المتحدة، وحقها في منع الأنشطة الفضائية لأي دولة مناهضة لمصالحها إذا لزم الأمر. كما تمسكت الولايات المتحدة بمشروع مظلة الصواريخ الدفاعية، التي لا تعني سوي تحييد وشل الأسلحة النووية لجميع الدول الأخري، وحماية أجوائها بإسقاط أي صواريخ باليستية تحمل رءوسا نووية.
كما سعت الإدارة الأمريكية لإنشاء قيادة عسكرية فضائية جديدة تكون مسئولة عن القوات والقواعد العسكرية الفضائية، ونشر الأسلحة الهجومية والدفاعية في الفضاء الخارجي. وقد توجت تلك السياسة بانسحاب الولايات المتحدة من طرف واحد من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في 2002 .
وفي يونيو 2010، تبني الرئيس 'أوباما' استراتيجيه جديدة تجاه الفضاء الخارجي، ركزت علي أهمية التعاون الدولي في مجال الفضاء الخارجي، وعبرت عن رغبة الولايات المتحدة الملحة في البدء في معاهدة للحد من الأسلحة الفضائية، ولاقت تلك السياسة الجديدة ترحيبا من الصين ووضعتها تحت التقييم والاهتمام(14).
ونظرت اليابان والهند لتلك السياسة نظرة إيجابية لاعتمادهما في برنامجيهما الفضائي علي التعاون الدولي، خاصة مع الولايات المتحدة، بخلاف الصين التي تتعاون مع الخارج في أضيق الحدود، وتحاول الحفاظ علي سرية برنامجها الفضائي.
وهناك اتجاهات داخل الإدارة الأمريكية تدعو إلي تعزيز التعاون الفضائي مع الصين للحفاظ علي الطابع السلمي لبرنامجها من ناحية، ولمواجهة العجز المالي في وكالة ناسا الفضائية البالغ ميزانيتها 18 مليار دولار بما يهدد تفوقها في الفضاء لصالح الصين من ناحية أخري. كما تري أن من شأن ذلك دعم التعاون الدولي في استكشاف الفضاء الخارجي.
في المقابل، يري آخرون في الإدارة الأمريكية أن التعاون مع الصين يواجه عقبات متعددة، منها سجل الصين في مجال حقوق الإنسان، وأن التعاون معها قد يساعد في انكشاف القدرات الأمريكية في مجال الفضاء الخارجي أمام الصين، مما قد يزيد من مناخ الشك المتبادل بين الدولتين. ويري هؤلاء أن ذلك التعاون يجب أن يحظي بموافقة اليابان، الحليف الاستراتيجي، وكذلك الهند.
ويترتب علي تفوق برنامج الفضاء الصيني تداعيات أمنية بالنسبة لدول الجوار والولايات المتحدة، ومستقبل التنافس في الفضاء الخارجي. يزيد التفوق الصيني من قابلية تعرض المصالح الحيوية العسكرية الأمريكية للخطر، خاصة ما يتعلق بالصواريخ الباليستية وصورايخ كروز التي تستمد معلوماتها من الأقمار الصناعية، وهو ما يعظم من الخطر الذي يمكن أن تواجهه الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. كما يجعل ذلك الانتصار الأمريكي في أي معركة عسكرية محتملة مع الصين باهظ التكاليف، مما يشكل قيدا في مسألة اللجوء للقوة العسكرية، ويعزز من مركز الصين التفاوضي في أي صراع قادم.
من ناحية أخري، من شأن توسع البرنامج الفضائي الصيني أن يمد ميدان المعركة والمواجهة مع الولايات المتحدة من الأرض إلي الفضاء الخارجي، وذلك لارتباط النصر في العمليات القتالية التقليدية بتكنولوجيا الفضاء.
كما يمثل هذا البرنامج تحديا استراتيجيا للهيمنة التقليدية للولايات المتحدة علي الفضاء الخارجي، وتحديا لحلفائها في جنوب وشرق آسيا التي تتعاون مع الولايات المتحدة في المجال الفضائي كاليابان والهند. وسيؤدي التفوق الصيني في مجال الفضاء أيضا إلي تغيير موازين القوي الإقليمية، مما سيزيد العبء الأمني علي الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تعاني من عدم وجود أنظمة دفاعية علي أي من الأقمار الصناعية الخاصة بها، في الوقت الذي تتمتع فيه الصين - وربما روسيا - بالقدرة علي تدمير أقمار صناعية في المدار الأرضي المنخفض، وهو ما يشكل خطرا علي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها وأمن الفضاء بصفة عامة.
مستقبل عسكرة الفضاء الخارجي :
علي الرغم من أن الفضاء الخارجي لم يشهد بعد حربا بالمعني التقليدي، فإن هناك اتجاها متزايدا 'لعسكرة' الفضاء، بما يهدد بتحوله لساحة حرب في المستقبل. لم يعد الهدف من سباق الفضاء مجرد السيطرة علي القمر أو استكشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية، كما لم يعد مقصورا علي دولتين فقط - الولايات المتحدة وروسيا - بل تشترك فيه العديد من الدول في آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. ويشهد الفضاء الخارجي تزايد عدد الأقمار الصناعية لدرجة غير مسبوقة، فضلا عن اعتماد البرامج الفضائية علي السرية في شقيها المدني والعسكري، وعلي التقدم في مجال أجهزة الكمبيوتر الفائقة. ويشكل تنامي الاستخدامات العسكرية في مجال الفضاء ضررا علي دول العالم بشكل عام، بالإضافة إلي 'القوي الفضائية'.
إن الدول ذات القدرات الفضائية سوف تتعرض - في حالات النزاع - إلي هجوم يمتد إلي كافة أنظمتها الفضائية، بما فيها الاستخدامات ذات الطابع المدني، مما ستكون له تأثيرات تمس الأمن الجماعي الدولي، حيث إن تعاظم الاعتماد علي الفضاء الخارجي في الاستخدامات السلمية يمثل مصلحة استراتيجية دولية. إن زيادة عدد الدول المالكة للأقمار الصناعية تطرح إشكالية التوظيف الفعلي لهذه الأقمار، وأثر استخداماتها العسكرية علي المنشآت المدنية والحيوية في العالم.
يضع ذلك العالم أمام ضرورة البحث عن حلول وبدائل لمنع عسكرة الفضاء. وتلعب الدول الكبري، كروسيا والولايات المتحدة، دورا مهما في هذا الصدد، حيث يمكنها أن تعمل علي ضبط سباق التسلح في الفضاء الآسيوي لعلاقتها القوية مع اليابان والهند وباكستان، بالإضافة إلي الصين.
علي المستوي العملي، تركز الولايات المتحدة علي تخفيض قابلية استهداف أسطولها من الأقمار الصناعية. أما أغلب الدول الأخري ذات القدرات الفضائية، فتبحث بدلا من ذلك عن إجراءات دبلوماسية وقانونية متعددة الأطراف.
تشمل الخيارات المتاحة في هذا الصدد معاهدات لمنع مضادات الأقمار الصناعية، والأسلحة المنشورة في الفضاء، والإجراءات الطوعية التي قد تساعد علي بناء شفافية وثقة متبادلتين.
ويمثل التوصل لاتفاقية لمنع التسلح في الفضاء الخارجي، إلي جانب تفعيل اتفاقية الفضاء الخارجي والأجرام السماوية لعام 1976، خطوة مهمة في سبيل الحفاظ علي أمن الفضاء. تنبع صعوبة التوصل لآليات لمنع تسلح الفضاء من أن تكنولوجيا الفضاء يمكن أن تستخدم عسكريا أو مدنيا علي حد سواء. ولذلك، يتطلب تحقيق هذا الهدف وجود دور قوي للأمم المتحدة في الحفاظ علي الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، بالإضافة إلي الدور الذي يمكن أن يلعبه الرأي العام العالمي، والمجتمع المدني العالمي في العمل علي فرض حظر علي نشر واختبار واستخدام الأسلحة في الفضاء الخارجي، ضمن اتفاقيات الحد من التسلح، وفي مواجهة تلوث الفضاء بالمخلفات والشظايا التي تمثل خطرا علي الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض.
الهوامش :
1- Brent D. Ziarnick ،' The Space Campaign: Space-Power Theory Applied to Counter space Operations, Air & Space Power Journal - Summer 2004.
-http://www.airpower.maxwell.af.mil/airchronicles/apj/apj04/sum04/ziarnick.html#ziarnick
وانظر أيضا موقع عالم الفضاء الأمريكي جيمس أبوج (Jawes Oberg) http://www.jamesoberg.com 2- Grace V. Jean، زSpace Programs Poised for Major Expansion in Asiaس، National Defense Magazine، November .2008.
- http://www.nationaldefensemagazine.org/archive/2008/November/Pages/SpaceProgramsPoisedforMajor ExpansioninAsia.aspx
3- Peter J Brown، China fears India-Japan space alliance، Asia Times، Nov. 12، 2008.
- http://www.atimes.com/atimes/South_Asia/JK12Df.02html
4- Stuart Wiggin، Asian space race more about prestige than power، Global Times, October 24، 2010.
- http://opinion.globaltimes.cn/foreign-view/2010-10/.585161html.
5- David Soo، زAsian Spaceس، International Institute for Asian Studies. Iiasnewsletter، Issue 30،
March 2003، www.iias.nl/iiasn/30/IIASNL30_.46pdf
6- Jonathan Adams، China is on path to militarization of space،' The Christian Science Monitor،
October 28، 2010 http://www.csmonitor.com/layout/set/print/content/view/print/332521
7- Ashley J. Tellis، زChina's Space Capabilities and U.S. Security Interests, CARNEGIEENDOWMENT، October 2008
- http://www.carnegieendowment.org/publications/index.cfm?fa=view&id=22595
8- Jeff Foust،زThe other Rising Asian Sspace Powerس The Space Review، December 18،، 2006
http://www.thespacereview.com/article/1/768
9- Gordon Turner، زChina and Japan in new space race?س، www.geek.com. Nov. 1، 2007
- http://www.geek.com/articles/news/china-and-japan-in-new-space-race-2007111/
10- Manuel Manriquez، James Martin، Japan's Space Law Revision: the Next Step Toward Re-
Militarization?, Center for Nonproliferation Studies، January 2008 - http://www.nti.org/e_research/e3_japan_remilitarization.0108html
11- Staff WritersTokyo،زChina's space development can pose military threat to Japan،س Space Daily, March 26، 2008
http://www.spacedaily.com/reports/Chinas_space_development_can_pose_military_threat_Japan_.999.html
12- Devin Montgomery، Japan upper house approves bill militarizing space program، May 21، 2008.
- http://jurist.law.pitt.edu/paperchase/05/2008/japan-upper-house-approves-bill.php
13- JAPANESE SPACE PROGRAM - Japan | Facts and Details - http://factsanddetails.com/japan.php?itemid=876&catid=26&subcatid=163
14- Peter J Brown، Asia takes stock of new US space policy، Asia times، South Asia، July 16، 2010
- http://www.atimes.com/atimes/South_Asia/LG16Df.02html
رابط دائم: