أدت حالة الفوضى فى الصومال، عقب انهيار جميع مؤسسات الدولة عام ١٩٩١، إلى تنامى حركات الإسلام السياسى التى تتبنى الفكر الجهادى والتكفيرى المتشدد، وذلك عوضا عن غياب الحكومات المسئولة عن فرض الأمن والاستقرار فى البلاد. واستطاعت تلك الجماعات فرض نوع من الاستقرار الأمنى فى المناطق الخاضعة لسيطرتها، مستغلة حالة الفراغ السياسى والأمني وعدم وجود سلطة مركزية قادرة على بسط نفوذها فى مختلف الأقاليم الصومالية. وقد ظهرت بالفعل حركات عديدة، كان أبرزها الاتحاد الإسلامى -المحاكم الإسلامية- تنظيم شباب المجاهدين الذى خرج من رحم الاتحاد الإسلامى والمحاكم الإسلامية، والذى ينتمى فكريا وتنظيميا إلى فكر تنظيم القاعدة، كما انشقت عنه أخيرا جماعة تنتمى لتنظيم الدولة "داعش".
أدى ظهور تلك الجماعات المتطرفة إلى خلق حالة من الفوضى، ليس فقط فى الصومال فحسب، ولكن فى منطقة شرق إفريقيا بالكامل. وقد ساعدت الحركات الصومالية المتشددة تنظيم القاعدة فى ضرب سفارتى الولايات المتحدة الأمريكية فى كل من نيروبى ودار السلام. وعندما بدأت الولايات المتحدة استعدادها لشن هجمات فى مناطق متعددة من العالم رداً على أحداث الحادى عشر من سبتمبر، تركز التفكير الأمريكى على ضرورة القضاء على الإرهاب فى إفريقيا حتى لا تصبح ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية، حيث رأت الإدارة الأمريكية أن إفريقيا بكل ما تعانيه من عوامل عدم الاستقرار والحروب يمكن أن تمثل ملاذاً آمناً للعناصر والتنظيمات الإرهابية، خاصة مع سابق تعرضها لهجمات إرهابية، تمثلت فى تفجير السفارتين الأمريكية بنيروبى ودار السلام عام 1998.
توافقت الرؤى الأمريكية حول محاربة الإرهاب فى إقليم شرق إفريقيا مع المصالح الأمريكية فى هذا الإقليم الذى يحتل موقعاً استراتيجياً، فدوله تطل على المحيط الهندى، وتتحكم فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب، مما يوفر سبيلاً يسمح لها بالتحكم فى طريق التجارة العالمى، خاصة تجارة النفط، كما يعد ممراً مهماً لأى تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة فى إتجاه منطقة الخليج العربى.
وقد حرصت دول شرق إفريقيا على نفى صحة الإرهاب عن إقليمها، خاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فقد تسابقت هذه الدول فى إعلان تضامنها مع الحملة الأمريكية على الإرهاب، وإستقبلت إدارة "بوش" فى ديسمبر 2002 كلاً من الرئيس الكينى السابق "اراب موى"، ورئيس الوزراء الإثيوبى السابق "مليس زيناوى"، ورئيس جيبوتى "إسماعيل عمر جيلة" فى يناير 2003، كما أعلن كل من الرئيس الإريترى "أسياسى أفورقى"، والرئيس الأوغندى "يورى موسيفينى" أن دولتيهما من أولى الدول التى عانت ويلات الإرهاب.
وقد تعددت آليات مكافحة الإرهاب فى شرق إفريقيا، منها سن تشريعات مكافحة الإرهاب، حيث أصدر كل من البرلمان التنزانى والأوغندى قوانين لمكافحة الإرهاب عام 2003، كما أصدرت الحكومة الكينية وثيقة مكافحة الجرائم الدولية عام 2003، وقانون حماية الشهود فى جرائم الإرهاب فى سبتمبر 2004، كما أنشأت كينيا المركز الوطنى لمكافحة الإرهاب.
وعلى مستوى التعاون الإفريقى – الأمريكى، تم الاعتماد على مجموعة من الإجراءات، من أهمها إنشاء مبادرة مكافحة الإرهاب فى شرق إفريقيا لعام 2003، وإقامة قاعدة عسكرية أمريكية فى جيبوتى، وقوة العمل المشتركة فى القرن الإفريقى، فضلاً عن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجانبين، وتجميد أرصدة بعض المؤسسات المتهمة بتمويل الإرهاب، مثل "مؤسسة التقوى"، و"مؤسسة البركة"، وإغلاق مكاتب "مؤسسة الحرمين"، مع مطالبة الولايات المتحدة بعض الدول بتقليص التعليم الدينى، ومشاركة القوات الأمريكية مع قوات من كينيا، وتنزانيا، وأوغندا خلال عام 2006 فى بعض المناورات.
انعكست عملية مكافحة الإرهاب فى شرق إفريقيا على أوضاع التنمية والاستقرار فى الإقليم، فقد وجهت معظم دول الإقليم جزءاً كبيراً من ميزانياتها إلى الجوانب الأمنية، كما زادت معاناة المسلمين فى شرق إفريقيا فى ظل عمليات مكافحة الإرهاب (يمثل المسلمون 49٪ من سكان الإقليم)، بجانب معاناتهم مشكلات سياسية، واقتصادية، خاصة فى الدول التى يمثلون فيها أقلية، واهتمت برلمانات دول شرق إفريقيا بسن قوانين مكافحة الإرهاب، والقبض على المتهمين، والقيام بانتهاكات لحقوق الإنسان تحت مظلة مكافحة الإرهاب.
تصاعد العداء الشعبى للولايات المتحدة الأمريكية، مما حمل تهديداً للمصالح الأمريكية فى الإقليم. فقد تجاهلت استراتيجيات مكافحة الإرهاب طبيعة التكوين الثقافى والدينى لسكان شرق إفريقيا، واعتمدت على الآليات العسكرية، والأمنية فى مقاومة الإرهاب، مما أدى إلى تصادم هذه الاستراتيجيات مع بعض القوى الوطنية، وظهر هذا بوضوح فى الصومال. ونظراً لأن مصطلح الإرهاب ليس له محتوى قانونى، وتعريف محدد، فإن كل طرف يلجأ لاستخدامه فى تصفية حساباته السياسية مع الطرف الآخر.
سمحت عملية مكافحة الإرهاب فى شرق إفريقيا بتزايد الوجود الإسرائيلى فى الإقليم، فقد اشتركت إسرائيل فى البحث عن العناصر الإرهابية فى الصومال، واستجوبت بعض المعتقلين، وذلك بالتعاون مع أجهزة الأمن الأمريكية.
حملت الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب فى طياتها العديد من الآثار السلبية على دول وشعوب شرق إفريقيا، فقد سعت دول الإقليم لنفى الإرهاب عنها، إلا أنها لم تأخذ فى الحسبان ضرورة الاهتمام بالعوامل المنتجة للإرهاب، مثل الانفلات الأمنى، وضعف السيطرة على الحدود، والفقر، والأمراض عدم وجود عدالة اجتماعية، وتهميش العديد من الأقليات ... إلخ.
لم تؤد إجراءات مقاومة الإرهاب فى شرق إفريقيا إلى القضاء على العناصر والجماعات المتهمة بالإرهاب، بل لا تزال توجد هذه الجماعات الإسلامية التكفيرية الجهادية فى الصومال، منها ما هو تابع لتنظيم القاعدة، والآخر تابع لتنظيم الدولة "داعش"، وهذا يؤكد أن المعايير الأمريكية لوصم جماعات بالإرهاب غير موضوعية، وإنما ترتبط بطبيعة المصالح الأمريكية فى المنطقة، والدليل على ذلك أن معظم الضربات الجوية الأمريكية تركز بالدرجة الأولى على جميع المتورطين فى عداءات ضد المصالح الأمريكية فقط، والبحث والتحرى وتصفية العناصر التى تورطت فى أحداث ضرب السفارة الأمريكية فى كل من دار السلام ونيروبي.
وفي إطار جهود الاتحاد الإفريقي لمواجهة الإرهاب في القارة الإفريقية، خاصة في الصومال، التى توجد بها جماعات إرهابية شديدة الخطورة قادرة علي نقل عملياتها إلي دول الجوار الإقليمى بما يهدد السلم والأمن في المنطقة، أرسل الاتحاد الإفريقي "قوات إفريقية إلي الصومال "أميصوم" عام 2007 واستمرت في التزايد نتيجة تشجع بعض الدول الإفريقية لإرسال قواتها حتى بلغ عددها 22 ألف جندى من دول "أوغندا - إثيوبيا - كينيا - بوروندى - رواندا - جيبوتى - نيجيريا - سيراليون" بهدف دعم الحكومات الصومالية في مواجهة حركة شباب المجاهدين الموالية لتنظيم القاعدة. وتم الاتفاق على أن تتولي الأمم المتحدة دعمها لوجيستيا، بينما يدعمها الاتحاد الأوربي مالياً وذلك لتغطية رواتب الجنود والموظفين وتحمل المصروفات التشغيلية لمكتب البعثة في نيروبي من خلال صندوق السلام الإفريقي- الأوروبي.
وقد أولى الاتحاد الإفريقي اهتماماً بالغاً بمكافحة الإرهاب منذ عام 2010 وأنشأ لجنة فرعية لمكافحة الإرهاب طبقاً للبروتوكول المؤسس لمجلس السلم والأمن الإفريقي. وأصبح الإرهاب يتصدر البنود الدائمة لجدول أعمال المجلس. وأكدت قمة "مالابو" في 2014 خطورة التهديدات الإرهابية التى تشهدها منطقتا الساحل والصحراء، ومنطقة القرن الإفريقي، بما في ذلك الصومال - كينيا - جيبوتى - منطقة وسط إفريقيا .
وفي السياق نفسه، عُقدت قمة خاصة لمواجهة الإرهاب في نيروبي في سبتمبر 2014 لبحث آلية مكافحته في القارة، وسبل تجفيف منابع تمويله، وإنشاء صندوق إفريقي لمكافحة الإرهاب، وآلية للتعاون بين قوات الأمن الإفريقية "آفريبول". وانتهت القمة إلى إصدار إعلان يؤكد أن أى إعتداء إرهابي يستهدف بلداً إفريقياً يعد اعتداء على القارة بأكملها .
وقد تصدرت قضايا الإرهاب جدول أعمال القمة الإفريقية الخامسة والعشرين في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا عام 2015، وذلك نظراً لارتفاع العمليات الإرهابية في جميع ربوع القارة في ذلك العام .
كما احتل أيضاً ملف الإرهاب جدول أعمال الجلسة الخاصة بلجنة السلم والأمن الإفريقي في إفريقيا في أعمال القمة الإفريقية السادسة والعشرين في أديس أبابا يومى 30 و31 يناير 2016، وكذلك أعمال القمة الثلاثين التى عقدت في أديس أبابا في 30 و 31 يناير 2018 ، ونوقش خلالهما استعداد القارة للتعامل بقوة مع عودة المقاتلين الأفارقة الذين يقدر عددهم بنحو ستة الآف في صفوف المقاتلين الأجانب داخل تنظيم "داعش" الإرهابي، مع الأخذ في الحسبان أن عودة هذه العناصر إلى إفريقيا ستشكل تهديداً خطيراً على أمن القارة.
كما خصصت قمة مجلس السلم والأمن الإفريقي موضوعا عن "المقاربة الشاملة لمكافحة التهديد العابر للحدود فى إفريقيا"، وركزت على مكافحة الإرهاب في القارة، وكيفية التعامل مع الجماعات المتشددة والعمل علي تجفيف منابع التمويل.
وعلى الرغم من النجاحات التى حققتها بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، فإنها تواجه تحديات قد تكون أكبر من قدرتها على الاستمرار ومواجهة التحديات، ولذلك قرر مجلس السلم والأمن الإفريقي في يوليو 2016 وضع خطة لسحب "أميصوم" بحيث يتم بسط السيطرة علي إقليم الدولة خلال عام 2018 والترتيب لنقل صلاحيات البعثة إلى الجيش الصومالي بحلول ديسمبر 2020.
وفى التقدير أن الارهاب فى الصومال لن ينتهى إلا إذا أخلص المجتمع الدولى نياته تجاه فرض الأمن والاستقرار الحقيقي فى جميع ربوع البلاد، وتقديم الدعم المناسب للحكومة الصومالية، بحيث تستطيع إعادة بناء الدولة وجميع مؤسساتها، ورفع معدلات التنمية وإعادة بناء الإنسان الصومالي نفسيا وبدنيا وصحيا، فضلا عن تمكين الجيش وقوات الأمن الصومالية من إحكام سيطرتها على مختلف الأقاليم والمناطق، وحتى لا تجعل من أراضيها مأوى وملاذا للجماعات الإرهابية.