عُقد منتدى شباب العالم الثاني في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 3 إلى6 نوفمبر 2018. وقد تمثلت محاور المؤتمر في ثلاثة محاور، هي السلام، والتنمية، والإبداع، قدم خلالها 32 جلسة وورشة عمل، تحدث فيها 141 متحدثا على مدار 70 ساعة عمل. وقد تم طرح العديد من التساؤلات، وأهمها عن تأثير عقد المنتدى فى علاقات مصر الخارجية.
بداية، لا بد من التنويه إلى أن هذا المنتدى شهد إقبالا كبيرا عن المنتدى الأول، حيث شارك فيه 5000 شاب وشابة من 160 دولة، في حين شارك في المنتدى الأول 3000 شاب وشابة من 113 دولة، مما يعنى أن المنتدى الأول قد حقق نجاحا كبيرا وهو ما انعكس أيضا في تقدم 55 ألف شاب وشابة للمشاركة، وأيضا في التفاعل الكبير من الشباب حول العالم، حيث تفاعل أكثر من 3 ملايين شاب على الصفحة الخاصة بالمنتدى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تابع البث الحي الخاص بالمؤتمر على صفحات التواصل الاجتماعي ما يزيد على 5 ملايين شخص من 148 دولة.
أولا- دوائر السياسة الخارجية المصرية في أجندة المنتدى:
1-نموذج المحاكاة عن العلاقات العربية- الإفريقية: وهما أهم دائرتين في السياسة الخارجية المصرية، وقد اعطى المنتدى الفرصة لـ 230 شابا وشابة من67 دولة للمشاركة في هذا النموذج للتحاور والتشاور حول التحديات المشتركة التي تعوق تفعيل العلاقات العربية الافريقية ومحاولة تقديم حلول لها وتعزيز سبل التعاون فيما بينهم.
2-اهتم المنتدى بتنظيم جلسة عن "أجندة افريقيا 2063: إفريقيا التي نريدها": وهو يتوافق مع توجهات السياسة الخارجية المصرية والتي وضعت استراتيجية لتنمية القارة من البحر المتوسط حتى جنوب افريقيا، واستراتيجية أخرى لتنمية البنية التحتية في دول حوض النيل. كما تزامن اطلاق الأجندة مع إطلاق مصر لرؤيتها التنموية 2030، ومن ثم تأخذ مصر في حسبانها فى أثناء رئاستها للاتحاد الإفريقي في يناير 2019 تكثيف الجهود لدعم الأجندة وتنفيذ مكوناتها في أوقاتها التي تم تحديدها وتدارك العثرات التي من الممكن أن تقع، ووضع أولويات لمواجهة التحديات التي تواجه القارة الإفريقية للتغلب عليها، ومنها تحقيق الاستقرار والأمن الداخلي من أجل تحقيق التنمية وجذب الاستثمار بالقارة، سواء الخارجي أو الداخلي، وأيضا الاستفادة من الثروات الهائلة التي تتمتع بها الدول الإفريقية ووضع الآليات المرتبطة بتأهيل الشباب على صناعة واتخاذ القرار تمهيدا لتوليهم القيادة في المستقبل.
3- اهتم المنتدى بتنظيم جلسة عن التعاون الأورو-متوسطي: شراكة استراتيجية: تناول فيها أهمية تفعيل العلاقات بين دول شمال وجنوب البحر المتوسط، وأهمية التبادل التجاري في الغاز الطبيعي في البحر المتوسط بين مصر وأوروبا لتحقيق الرخاء المشترك، وتطرق إلى ضرورة مكافحة الهجرة غير المشروعة، والإرهاب، وحل قضايا المنطقة، خاصة أن ألمانيا كانت من الدول المتحمسة عند وصول اللاجئين إليها وفتحت الحدود رغم بعض الاعتراضات الأمنية، ووسط ترحيب شعبي، ولكن تبدل الموقف بسبب تزايد معدلات الجريمة، فقامت ألمانيا بتحديد 43 مليار يورو لاستضافة اللاجئين ودمجهم وتعليمهم وإتاحة فرص عمل، وسيستمر ذلك حتى عام 2021، وهو ما يعد عامل ضغط على تحقيق التنمية الاقتصادية لديها. وقد تمت المطالبة ببناء جسور بين شباب دول البحر المتوسط، الأمر الذي من شأنه أن يخلق استقرارًا لأوروبا على العموم، ودول البحر المتوسط خاصة.
4- لم يقتصر المنتدى على قضايا السياسة الخارجية المصرية: ولكن اهتم بالقضايا ذات الاهتمام العالمي، والتي لها أولويتها على أجندة مصر الخارجية، ومنها القضايا الأمنية مثل قضية الأمن المائي عقب التغير المناخي وآليات بناء المجتمعات والدول بعد الحروب والنزاعات، ودور القوى الناعمة في مواجهة التطرف الفكري والإرهاب.
أما القضايا الاقتصادية، فتتمثل في الطاقة في ظل التغيرات المتسارعة وفرص العمل في ظل الذكاء الاصطناعي، ودور رواد الأعمال والشركات الناشئة في النمو الاقتصادي العالمي، وتقليص الفجوة بين الجنسين في سوق العمل.
أما القضايا الاجتماعية، فتتمثل في: المساعدات الإنسانية مسئولية دولية في مواجهة التحديات، وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة نحو عالم أكثر تكاملا، والعمل التطوعي: نحو مجتمع أكثر مسئولية، ودور الفن والسينما في تشكيل المجتمعات، والألعاب والرياضة الإليكترونية: لمحة من العالم الافتراضي لمجتمع الألعاب الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي تنقذ أم تستعبد مستخدميها؟، والعالم الرقمي كمجتمع مواز: كيف يفرض سيطرته على عالمنا الواقعى؟
5- ركز المنتدى على المستقبل القريب من خلال جلسة "دور قادة العالم في بناء واستدامة السلام"، وذلك ليضع القادة الحاليين أمام مسئولياتهم. وقد اشار السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته في هذه الجلسة إلى ان قدرة القيادات على قراءة الموقف قراءة حقيقية، سواء فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول الأخرى أو المواقف داخل الدولة نفسها، تختلف من حاكم لحاكم، حسب الخلفية الثقافية والفكرية والبناء العلمي الذى تم إعداده له، إضافة إلى التجربة التي يمتلكها، سواء تاريخية أو من خلال المساعدين الذين يعلمون معه. وتابع الرئيس السيسي قائلا "إن قدرات الحل داخل الدول التي تدخل في الصراعات ليست بيد صاحب القرار، لأن هناك عوامل أخرى قد تحد من قدرته على إيجاد حل للصراع الذى دخل به".
أيضا كان لجلسة "كيف نبني قادة المستقبل؟" أهمية خاصة، كما تمثل هدفا رئيسيا للمنتدى. وقد ركزت الجلسة على أن هناك دورا للحكومات والمؤسسات لدعم قادة المستقبل وتحقيق حلم الشباب في تحقيق الذات والتقدم في مناحي الحياة المختلفة، والحصول على الدورات التدريبية المناسبة التي تؤهلهم لتولي المناصب القيادية في المستقبل، مثل البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة. كما أن هناك حاجة لتطوير التعليم وصقل المهارات، ليتحول من مجرد الحفظ والتلقين الى مناهج تعلم التفكير الحر والإبداع والابتكار والقدرة على التحليل النقدي، مع الاهتمام ببناء الشخصية وهي الخطوة الأولى لتكوين القادة، وأيضا الانفتاح على التجارب العالمية في التعليم وفِي تلقي المعارف، وعدم الانعزال والانغلاق العلمي والمعرفي لأن تعرض الشباب للتجارب الخارجية يصقل قدراتهم العقلية والمعرفية. كما أن التنوع الثقافي مسألة حيوية جدا، وهذا كله يؤكد الأهمية القصوى للتعليم في إعداد قادة المستقبل، بالإضافة إلى دور المجتمع المدني في دعم الشباب وتطوير مهاراته وقدراته، مع تعاون المنظمات والجمعيات الشبابية.
ثانيا- ملاحظات مهمة حول المنتدى:
1-يقدم المنتدى مصر على أنها مستمرة في القيام بدورها التاريخي كمركز للتواصل بين الحضارات المختلفة وهو ما عكسه المحور الرئيسي لفعاليات المنتدى هذا العام والذي تمثل في الرؤية المستوحاة من كتاب "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" للدكتور ميلاد حنا، الذي يهدف إلى تأكيد وحدة النسيج المجتمعي المصري رغم تباينه واختلافه. ويقدم رؤية للمجتمع المصري الذي استطاع على مدى عصور طويلة أن يكون مركزا للتواصل بين الحضارات والمجتمعات المختلفة، نظرا للأعمدة السبعة التي تشكل الهوية المصرية من خلال انتمائها الفرعوني، واليوناني، والروماني، والقبطي، والإسلامي، والعربي، والإفريقي، والأورو-متوسطي.
أيضا أكد رسالة المنتدى الفيلم التسجيلي نقطة تلاق" الذي قدم مصر كمركز لتلاقي الحضارات العالمية، حيث عرض طبيعة الحياة التي يعيشها مختلف شعوب العالم، واختلاف الثقافات داخل الدولة الواحدة مثل مصر على سبيل المثال، واستعرض تاريخ الحضارة المصرية، خاصة في شبه جزيرة سيناء وما تزخر به من أماكن مقدسة. أيضا قدم الفيلم ثقافة المصريين في النوبة وعاداتهم وتقاليدهم واختلاف اللهجات فيما بينهم، وتاريخ الحضارة المصرية والمعابد الفرعونية القديمة والأهرامات، وعرض شرحا لمجمع الأديان في مصر القديمة، ثم ما تجمعه مدينة الإسكندرية من حضارات جنوب المتوسط خاصة الحضارة اليونانية والأرمينية. وقد كان أيضا لأغنية المنتدى "من كل مكان" رسالتها في هذا الصدد.
2- كما قدم المؤتمر رسالته في تحقيق السلام والتواصل بين الحضارات والثقافات من خلال تقديم نماذج شابة لهم تجارب ناجحة في هذه المجالات مثل: الشاب المصري محمد خيرت الذي يقطن في استراليا، وقد اختارته مجلة فوربس لأنه أسس منظمة "شوارع مصرية" التي تقود إلى تغيير طرق التواصل بين مختلف الحضارات والثقافات، والناشطة الإيزيدية نادية مراد، والحاصلة على جائزة نوبل للسلام والتي قدمها المنتدى الأول للعالم عندما ألقى الضوء على تجربتها، وجياثما ويكرامانايكي، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعنية بالشباب، وقد أطلقت الأمم المتحدة استراتيجية الشباب 2030.
3- كان حضور السيد الرئيس محمود عباس للمنتدى يبعث برسالة عن إصرار مصر في تحقيق السلام في المنطقة، خاصة أن المنتدى شهد لقاء بين الرئيسين على هامش المنتدى لبحث تطورات القضية الفلسطينية، وسبل تحقيق السلام وهي الرسالة التي يؤكدها المنتدى، وهي أن أرض مصر أرض السلام وأنها ماضية في دورها التاريخي لتحقيقه، وهو ما انعكس في تكريم السيد الرئيس الراحل محمد أنور السادات رجل السلام.
كما أن فكرة إقامة نصب تذكاري لإحياء الإنسانية تحمل رسالة إلى العالم كله، وهي رسالة سلام تؤكد دور مصر الرائد في نشر السلام والمحبة. وقد شارك في هذا العمل 78 نحاتًا من 78 دولة مختلفة عملوا لأكثر من 41 ألف ساعة عمل متواصلة.
4- أيضا كان حضور السيد الرئيس عمر البشير رئيس السودان رسالة على عمق العلاقات مع دولة السودان وحرص مصر على تحقيق السلام والأمن، خاصة الأمن المائي في القارة الإفريقية مع التغيرات المناخية المتوقعة في المستقبل.
5- حرص المنتدى على تقديم نماذج شابة ناجحة من إفريقيا مثل محمد محمود من الصومال مؤلف كتاب Somali Sideways والذي تحدث فيه عن القصص الملهمة الخاصة بالصوماليين، وديانا بادا من نيجيريا التي تقدم موسيقى الهيب هوب ذات الطابع الإفريقي، والموسيقي وامز مركلاسيك من الكاميرون، والذي يعرف بسفير الموسيقى الخضراء، والتي يستخدمها لإلهام الشباب وتغيير العالم، وكذلك فرقة بالية روندا القومية، وعازف الجيتار النيجيري "أوجسبور جهابيلا"، كما كرم الرئيس اسم الراحل نيلسون مانديلا، وتسلمها حفيده زوندوا مانديلا.
6- اتسقت محاور المنتدى مع رؤية مصر 2030 خاصة دوائر السياسة الخارجية المصرية تجاه الدوائر العربية والإفريقية والأورو-متوسطية، وكذلك برنامج الحكومة 2018-2022 الذي يقوم على محاور استراتيجية، منها حماية الأمن القومي، والأمن المائي، وكذلك أمن الطاقة، حيث خصص لهما جلستان، فضلا عن بناء الانسان المصري من خلال ترسيخ الهوية الثقافية والحضارية. أيضا، جاء المنتدى متسقا مع إعلان السيد الرئيس عام 2019: عام الإعاقة من خلال تقديم عرض موسيقى من أوركسترا النور والأمل، وتقديم عرض للراقص الأمريكي "أيفان روجيرو" ذى الساق الواحدة، وأيضا استضافة آمنة الساعي ورامز ماهر، اللذين أسسا مؤسسة "حلم" وهما من رواد الأعمال الاجتماعية التي تسعى لتحسين حياة المعاقين في مصر وتحقيق الدمج الكامل لهم في جميع جوانب الحياة، كما تم تكريم السباح إسلام أبو على، الذي حاز عددا من الميداليات في البطولات العالمية والمصرية لذوي القدرات الخاصة.
7- اهتم المنتدي بالتحديات التي تعكسها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تم تناولها في جلسة، وأكدها العرض المسرحي "الزائر" للمخرج خالد جلال، والذي عكس مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار استخدام الهواتف الذكية فى العلاقات الأسرية والإنسانية. كما عكس العرض دور الفن كوسيلة للتغيير والتأثير، ليس في الدوائر الاجتماعية المحدودة، وإنما رسالة عابرة للحدود والدول. وقد شارك فيها 32 موهبة شابة من 12 دولة: 5 دول عربية، هي مصر، والسعودية، والجزائر، ولبنان، وسوريا، و3 من قارة إفريقيا، هى الكونغو الديمقراطية، والكاميرون، ونيبال، و3 من قارة آسيا، هى: فيتنام، وإندونيسيا، وكازاخستان، ودولة من أمريكا اللاتينية هي بيرو.
ثالثا- ربط توصيات المنتدى بأهدافه:
1-على المستويين العربي والإفريقي: إعلان مدينة أسوان عاصمة للشباب الإفريقي لعام 2019، واعتماد إعلان شرم الشيخ للتكامل العربي- الإفريقي كوثيقة رسمية لدى جامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي، وإطلاق البرنامج الرئاسي لتدريب الشباب الإفريقي على القيادة، وتدريب 10 آلاف شاب مصر وإفريقي كمطوري العاب وتطبيقات اليكترونية، بالإضافة إلى دعم إنشاء 100 شركة متخصصة في هذه المجالات بمصر وإفريقيا.
2-على مستوى تحقيق السلام: تبنى مبدأ أن الحفاظ على الحياة ومكافحة الإرهاب كحق أساسى من حقوق الإنسان، وتشكيل مجموعة عمل مشتركة من الشباب لتقديم الدعم المادى والمعنوى لضحايا الإرهاب في العالم، وكذلك تأسيس مؤسسة دولية لإدارة النصب التذكاري لإحياء الإنسانية بمدينة شرم الشيخ تهدف إلى الحفاظ على مبادئ الإنسانية وتقديم الدعم لضحايا العنف الإرهاب.
3-على مستوى قضايا الشباب: تشكيل مجموعة بحثية لدراسة الإيجابيات والسلبيات الناجمة عن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي، وتنفيذ حملة دعائية لتوعية الرأي العام والشباب بخطورة قضية الأمن المائي، وإنشاء مركز إقليمي لريادة الأعمال بمصر لتقديم جميع سبل الدعم اللازمة للشركات الناشئة في مصر ودول المنطقة، وتشكيل لجنة لإعداد تصور شامل لتعديل القانون المنظم لعمل الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني لتشجيع الشباب على العمل التطوعي.
ختاما، نجح المنتدى في أن يضع أجندة متسقة مع رؤية مصر 2030 وبرنامج الحكومة، وكيفية تحقيق أهداف السياسة الخارجية المصرية في دوائرها المختلفة من خلال طرح القضايا المشتركة بين دول العالم المختلفة، وتوعية الشباب بها وإدماجهم في حل هذه المشكلات من خلال بناء قيادات للمستقبل قادرة على التعايش رغم التباين في الثقافات والحضارات لتحقيق السلام الهدف الذي تصبو إليه الإنسانية جميعا.