تبشرنا الدراسات والأبحاث الدولية عن عالم 2050 بأنه سيكون عالما بلا حكومات، تستحوذ فيه الشركات العالمية أو الشركات متعددة الجنسيات علي مقادير الناس، عالما يستبدل فيه الجميع انتماءاته الرقمية بانتماءاته الوطنية والاجتماعية والمهنية، وتصبح جنسيته هي فيسبوك أو أبل، بدلا من الجنسية الأمريكية أو الصينية، جنسية افتراضية تمنح حاملها الامتيازات المعتادة نفسها، تأمينا صحيا وعلاجيا، وبرامج تعليم عن بُعد تكفلها هذه الشركات، حيث لا جامعات أو شهادات، عالما تمنحك فيه فيسبوك الإنترنت مجانا عبر طائراتها، ولا تحتاج فيه إلي رخصة قيادة لأن جوجل ستوفر لك سيارة بدون سائق.
هذه الصورة لمستقبل قريب نوعا ما هي انعكاس للمأزق الذي تعيشه الدولة الوطنية، ما بين حاجتها للحداثة والاستثمارات الأجنبية من جهة، والحفاظ علي هويتها وعاداتها وتقاليدها من جهة أخري، وأن تحافظ علي سيادتها الوطنية في عالم بلا سيادة سوي للشركات الكبري، ومن ورائها القوي العظمي.
أولا- الشركات متعددة الجنسيات بديلا للوبي:
تغير الشكل التقليدي للشركات متعددة الجنسيات في العالم، وابتعد عن أنماطه التقليدية التي تمحورت حول ثلاثة أشكال هي:
1. النمط الأول: شركات أفقية الوجود، بمعني أن الشركة تكون قائمة علي إنتاج السلعة أو الخدمة بشكل متكامل.
2. النمط الثاني: شركات رأسية الوجود، بمعني أن الشركة تكون قائمة لإنتاج مرحلة فقط من المنتج النهائي لاستخدامه في فرع آخر للشركة في مكان آخر من العالم. 3. النمط الثالث والأخير: شركات تجمع ما بين الاثنين معا، بمعني أن الشركة تكون قائمة لإنتاج السلعة أو الخدمة بشكل كامل، وبشكل جزئي، أي أنها تجمع بين المصالح المتبادلة والانعكاسات الاقتصادية المحلية. وقد انتشرت هذه الأنماط في ثمانينيات القرن الماضي، وأصبح اليوم هناك أكثر من40 ألف شركة عابرة للقارات من جميع الأحجام، تقود عمليات الاستثمار العالمي دون منازع، وتتوزع استثماراتها علي قارات العالم، وتسيطر علي ثلثي التجارة العالمية البالغة 8730 مليار دولار عام 2007، وتستخدم الشركات الصناعية العملاقة جميع الوسائل، كي تخرج السلع من مصانعها المنتشرة في البلدان النامية والفقيرة بأقل تكلفة للحصول علي وضع تنافسي عالميا. علي مدي العقود الأربعة الماضية، درجت شركات كبيرة علي ممارسة اللعبة السياسية في واشنطن، وتحولت، مع الوقت، إلي لوبي ضغط قوي يسمح بالتأثير في اختيار الرؤساء، وإصدار القوانين التي تناسب تلك الشركات، أو استخدام نفوذ القوي العظمي في الدول النامية.
وبدأت مئات الشركات لأول مرة في استئجار جماعات ضغط، كما بدأت تنخرط في الأنشطة السياسية، وتمخض عن أسلوبها في الضغط رد فعل مؤثر. فقد كانت الشركات تحاول الحد من سيطرة الجانب التنظيمي في الدولة، وكانت تقاتل وكالة حماية المستهلك المقترحة، وتسعي لوقف إصلاح قانون العمل، وخلق شعور عام بأن قيم المشروعات الحرة قد تم تجاهلها، وأن التنظيم الحكومي سيدمر الاقتصاد. ولم تكتف تلك الشركات بالضغط المباشر فقط، بل لجأت لاستخدام مراكز البحث والأبحاث الأكاديمية، ومقالات الرأي، ومناقشات اللجان البرلمانية، وشركات المحاماة، من أجل تشكيل البيئة الفكرية في واشنطن، لتتساهل أكثر مع تحركاتها الداخلية والخارجية بحسبانها جزءا من الحياة الأمريكية أو النمط الأمريكي الواجب تعميمه علي العالم، وأنها جزء من فكرة الأسواق المفتوحة المسيطرة علي العقلية الأمريكية.
ثانيا- إمبراطوريات اقتصادية أقوي من الدول:
تتمتع الشركات متعددة الجنسيات، خاصة شركات التواصل الاجتماعي، بسلطة سياسية كبيرة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، في ظل عالم يودع الصناعات التقليدية، ويتجه أكثر نحو الرقمنة، وفي ظل آفاق جديدة يعاد فيها تعريف صناعات كاملة، وإدخال لاعبين جدد إلي ساحة المنافسة، اعتمادا علي تقنيات مبتكرة، مثل إنترنت الأشياء Internet of Things، والبيانات الضخمة Big Data، وآليات الحشد Mobility، وغيرها من المسميات التي لم تكن موجودة أو متداولة منذ عشر سنوات فقط. بل إن بعض هذه التغيرات جاء نتيجة لنماذج عمل مبتكرة Business Models مثل تلك التي تعتمد علي حشد المواردCrowd Sourcing ، ومنها أوبر، وويكيبيديا، و"إي باي"، أو التي تعتمد علي العضوية الافتراضية داخل عالم تحكمه قواعد المالك، مثل دولة الفيسبوك التي وصل عدد سكانها إلي مليار و300 مليون، ويتحكم فيها قانون يملكه مارك زوكربيرج، بينما تتواري قوانين الدول التي يعمل فيها موقعه الإلكتروني. وتتفوق ميزانيات تلك المواقع الإلكترونية علي ميزانيات أكثر من مئة وأربعين دولة في العالم، فيما وصلت القيمة السوقية لشركة أبل في نوفمبر 2017 إلي 900 مليار دولار، وإيرادات حجمها إلي 234 مليار دولار، لتغدو منافسا قويا للدول الصناعية السبع الكبري، وتصنف رقميا كإحدي دول العشرين، مسجلة فائضا في الأرباح في عام 2015 يقدر بأكثر من خمسين مليار دولار، لتحل في المركز الثاني عالميا بعد دولة الكويت بفائض 60 مليار دولار. وقامت شركة جوجل منذ عام 2001 وحتي المرحلة الحالية بمئة وتسعين عملية استحواذ، أهمها يوتيوب 2006 مليار ونصف مليار دولار، وموتورولا 2011 - 12 مليار ونصف مليار دولار، ونيست 2014 نحو ثلاثة مليارات دولار، في الوقت الذي قامت فيه مايكروسوفت بنحو 200 عملية استحواذ، أهمها فيزيو 2000 مليار دولار، وجريت بلاين 2001 مليار دولار، وسكايب 2011 ثمانية مليار دولار، ويامر 2012 مليار دولار، ونوكيا 2013 سبعة مليارات دولار، وآخرها لينكد إن في عملية تخطت قيمتها 26 مليار دولار .
ثالثا- أثر شركات التواصل الاجتماعي علي مفهوم الأمن القومي:
يعرِّف هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي الامريكي الأسبق، الأمن القومي بأنه يعني أية تصرفات يسعي المجتمع عن طريقها إلي حفظ حقه في البقاء. أما روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، فيري أن الأمن هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التي لا تنمو في الواقع لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة. وقد عرف الدكتور زكريا حسين، الرئيس السابق لأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، الأمن القومي العربي بأنه قدرة الأمة العربية علي الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها علي أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، مستندة إلي القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الحسبان الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية، والإقليمية، والدولية، والتي تؤثر في الأمن القومي العربي. لقد تطور مفهوم الأمن القومي من كونه يعني قدرة الدولة علي التصدي لخطر عسكري إلي أن وصل، في ظل العولمة، إلي أنه يعني أنه علي الدولة أن تؤمن مواطنيها سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا ضد أخطار متعددة فرضتها طبيعة الانفتاح الواسع علي العصر الحديث. لذلك، وقع التعارض بين هذا المفهوم وحركة الشركات متعددة الجنسيات، التي لا تكون فيها الدولة هي الفاعل الوحيد في نطاق العلاقات الدولية. وقد ترتب علي هذا الأثر تقلص نسبي في مفهوم السيادة الوطنية حيث سمحت الضخامة الاقتصادية لتلك الشركات بممارسة المزيد من الضغوط علي الحكومات، خاصة في دول العالم الثالث، ومن ثم التأثير في سياساتها وقراراتها السيادية. ولهذا، فإن أهم القضايا التي تواجه الدول، في ظل النظام العالمي الجديد، هو القوة المتنامية لمثل هذه الشركات علي حساب سيادة الدولة القومية. مع الوقت، تطور الأمر إلي أن وصل إلي تهديد هذه الشركات لوجود الدول بسماح ما توفره من منصات اجتماعية للجماعات الإرهابية والتنظيمات الفوضوية بالوجود واستخدام أدواتها لهدم الدول، وهو ما عرف بحروب الجيل الرابع، أو الحرب الهجين التي تسعي لتفكيك الدول بهدم الدولة، وشيوع الفوضي في أركانها، بغية إسقاطها والقضاء عليها. كما مكنت وسائل التواصل الاجتماعي بعض التجمعات، القائمة علي روابط طائفية، أو جماعات معادية للدولة، من تعميق الشقاق بين مكونات المجتمع الواحد والدولة الواحدة، خاصة في الدول التي تعاني أزمات اقتصادية، وتعليمية، وثقافية مزمنة، مما يجعلها غير محصنة ضد الحساسيات والتوترات الطائفية، والدينية، والقبلية، وهو ما يهدد تماسكها الوطني، ويتسبب في انهيار المجتمع ومن ثم الدولة في مرحلة لاحقة.
1. مغردو" التنظيمات الإرهابية: يعتمد الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية علي وسائل التواصل الاجتماعي في التجنيد والتواصل بين القيادات والقواعد. ظهر ذلك جليا في عمليات الذئاب المنفردة في أوروبا حيث كان يتم تجنيد تلك الذئاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا موقع تويتر، بنسبة تقدر -وفق تقديرات بعض المتخصصين- بـ 90٪ من وسائل التواصل المستخدمة، لاسيما في ظل الانتشار الجغرافي الواسع لهذه التنظيمات، وتوزُّع الأفراد المستهدفين بالتجنيد عبر أنحاء العالم. فقد أصبح شائعا وجود حسابات لتنظيمات إرهابية علي موقع تويتر، مثل "داعش"، وجبهة النصرة، فضلا عن حسابات تتحكم فيها جماعة الإخوان الإرهابية. كما استخدمت التنظيمات الإرهابية صفحات الفيسبوك كمنصة لتبادل الخطط والمعلومات حول تصنيع القنابل والمتفجرات ومهاجمة المواقع المستهدفة. وباتت المراحل الأولية للتجنيد تتم من خلال "التغريدات" علي تويتر، والحوارات، عبر نظام جوجل بلس، وكان من المثير للسخرية اعتماد الفيسبوك علي نظام الإبلاغ لحظر تلك الصفحات، وأغلبها باللغة العربية، لأنها سرعان ما كانت تعود للعمل بعد الحظر المؤقت. وحتي اللحظة هناك تنظيمات إرهابية تستخدم الفيس بوك إما لنقل التعليمات أو لإطلاق الشائعات.
2. التأثير في العملية السياسية: اعترف مارك زوكربيرج، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة فيسبوك، بالتقصير، خلال شهادته أمام الكونجرس الأمريكي، بعد فضيحة تسريب البيانات الخاصة بأكثر من 87 مليون مستخدم للفيسبوك، وهو ما أسهم في استهداف الأمريكيين، خلال فترة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية بدعاية سياسية تم تصميمها خصيصا للتأثير فيهم لمصلحة الرئيس الحالي دونالد ترامب، وكان ذلك ضمن التحقيقات الخاصة باستخدام روسيا لشركة بريطانية تدعي "كامبريدج أنالتيكا" للتأثير في الانتخابات الأمريكية. وأضاف زوكربيرج أنه "من الواضح الآن أننا لم نفعل ما يكفي لمنع استخدام هذه الأدوات للضرر أيضا، وهذا ينطبق علي الأخبار الزائفة، والتدخل الأجنبي في الانتخابات، وخطاب الكراهية، وكذلك المطورين وخصوصية البيانات. لم نتخذ رؤية شاملة كافية لمسؤوليتنا، وكان ذلك خطأ كبيرا، لقد كان خطئي، وأنا آسف، لقد بدأت في فيسبوك وأديره، وأنا مسئول عما يحدث هنا". الأمر نفسه تكرر في دول أخري، حيث ظهرت حملات تشويه ممنهجة تتم عبر الفيسبوك ضد سياسيين آخرين. إلا أنها لم تحظ حتي اللحظة باهتمام مؤسس الفيسبوك الذي انصاع لكل مطالب الإدارة الأمريكية بحذف حسابات روسية وإيرانية من تلقاء نفسه. وحذا موقع "تويتر" حذوه ليكشف عن فضيحة الحسابات الوهمية التي تتابع مشاهير الفن والسياسة في الشرق الأوسط والعالم.
3. شركات التواصل تربح و تتهرب من الضرائب: لم تهدد شركات التواصل الاجتماعي الأمن القومي من النواحي السابقة فحسب، بل امتدت أيضا للتأثير الاقتصادي الضار بالتهرب من الضرائب في أرباحها الهائلة الناتجة من الإعلانات التي ترتفع قيمتها بالدولار الأمريكي عاما بعد آخر، ثم تقوم بتحويل تلك الأرباح القادمة التي يتم تحصيلها من قِبل مواطني الدول المضيفة إلي دولة الشركة الأم. يصاحب نشاط هذه الشركات أيضا تدمير صناعة الأخبار الوطنية، وتعريض المؤسسات الصحفية للخطر، لاستخدامها محتواها الإعلامي مجانا إلي جانب إعلاناتها التي تظهر للمستخدمين في صفحاتهم الخاصة، وهو ما يسهم في نشر مواقع تلك الشركات والجهات المعلنة علي حساب المواقع الوطنية. كما تلعب هذه الشركات دورا في ترسيخ القيم الاستهلاكية، وليست الإنتاجية، والترويج لاستهلاك السلع الكمالية، وليست الضرورية، وفقا لما تقدمه من أنشطة إعلامية وتسويقية لترويج منتجاتها من تلك السلع، مما يؤدي إلي ظهور أنماط استهلاكية جديدة لا تلاءم احتياجات الدول النامية. في الوقت نفسه، لا توفر تلك الشركات بصيغتها الحالية أي فرصة عمل في الدول المضيفة، وتعتمد فقط علي عمالة مؤهلة يتم استقطابها من شركات منافسة أخري، وبالتالي من يربح هو هذه الشركات فقط، ولا تقدم أي حلول للبطالة الموجودة في الدول المضيفة. وعلي أثر هذه التأثيرات الضارة، تحاول كثير من دول العالم البحث عن حقوقها الضائعة وإخضاع فيسبوك، وتويتر، وجوجل، وغيرها من شركات التواصل الاجتماعي للمحاسبة الضريبية القانونية علي أرباحها في تلك الدول. وقد نجحت بريطانيا أخيرا في اتخاذ هذا الإجراء، وذلك بعدما تم اكتشاف أن شركة فيسبوك في بريطانيا لا تدفع حجم الضرائب التي يتعين عليها دفعها، خاصة أن "فيسبوك" تعتمد في الأساس علي جني الأرباح الهائلة من الإعلانات، حيث تغطي فيسبوك دول العالم كافة، وهو ما يمكِّنها من الاستفادة القصوى من هذه الإعلانات دون دفع أي ضريبة توازي ما تحققه من أرباح، كما أنها تتهرب من ذلك بطرق ملتوية، منها تحويل الأموال إلي بلدان تتميز بانخفاض الضرائب لديها. وقد بدأ العديد من الدول، بالفعل، حربها ضد "فيسبوك" عن طريق وضع التشريعات الملائمة، والتي تكشف الطرق الملتوية التي تتبعها هذه الشركات وغيرها للتهرب من الضرائب. وتعد الصحف ووكالات الأنباء الوطنية هي أول القطاعات المتضررة من أرباح شركات التواصل الاجتماعي. فالمحتوي الإخباري لها يشق طريقه للمتلقي عبر حسابات شخصية علي مواقع التواصل، مما يكبدها خسائر ضخمة. وفي الفترة الأخيرة، تحركت تسع وكالات أنباء أوروبية لفرض بدل مالي علي شركات الإنترنت العملاقة مقابل حقوق الملكية لاستخدامها المحتوي الإخباري الخاص بها، والذي تجني منه تلك الشركات أرباحا طائلة، خاصة في الوقت الذي بدأ فيه الاتحاد الأوروبي التحرك لمناقشة تشريع يفرض علي فيسبوك، وجوجل، وتويتر، وغيرها من الشركات العملاقة دفع بدل مالي مقابل ملايين المقالات الصحفية التي تستخدمها أو تنشر روابط لها. وقالت الوكالات في بيان نشر بالفرنسية في صحيفة "لوموند" إن فيسبوك أصبحت أكبر وسيلة إعلامية في العالم، لكنها لا تمتلك قاعة أخبار أو صحفيين في مناطق الأحداث يجازفون بحياتهم، ولا محررين يتحققون من صحة الأخبار التي يرسلها المراسلون علي الأرض. وأضاف: "إن الحصول علي الأخبار مجانا يفترض أن يكون من إنجازات الإنترنت الكبري، لكنه مجرد وهم في نهاية الأمر". فإيصال الأنباء إلي الجمهور يكلف الكثير من المال. وأشار البيان إلي أن "الأخبار هي السبب الثاني بعد التواصل مع العائلة والأصدقاء الذي يجعل الناس يستخدمون فيسبوك التي تضاعفت أرباحها ثلاث مرات إلي عشرة مليارات دولار في السنة الماضية".
ومع هذا، فإن عمالقة الإنترنت هم الذين يجنون الأرباح من "عمل الآخرين"، من خلال حصولهم علي نسبة تتراوح بين 60 إلي 70٪ من عائد الإعلانات، علما بأن أرباح جوجل تزداد بمعدل 20٪ كل عام. كما اتخذت وزارة العدل الأمريكية قرارا بإجبار الشبكة الاجتماعية، فيسبوك، علي توفير المزيد من التفاصيل المتعلقة بنقل بعض الأصول العالمية إلي شركة أيرلندية تابعة لشركة فيسبوك، وتقديم جميع الأوراق المتعلقة بذلك لدائرة الإيرادات الداخلية الأمريكية IRS، حيث قررت مطالبة الشركة بتقديم جميع الوثائق حول ضريبة الدخل والسجلات المالية والتجارية علي مدي سنوات طويلة سابقة، خاصة في عام 2010، الذي يعتقد أن عملاق التواصل أنشأ فيه شركة تابعة له في أيرلندا للتهرب من الضرائب. فيما فرضت روسيا علي شركة فيسبوك دفع ضريبة قيمة مضافة تبلغ 18٪، وذلك بعدما تمت إضافة فيسبوك إلي قائمة الشركات المسجلة لدي مصلحة الضرائب الاتحادية الروسية كشركة أجنبية تبيع محتوي إلكترونيا في روسيا، وهو الأمر الذي تفرضه روسيا علي العديد من الشركات المختلفة الأخرى، مثل جوجل، وأبل، وغيرها. ونجحت استراليا في فرض ضريبة علي الشركات متعددة الجنسيات، والتي تشمل فيسبوك، عن أرباحها التي تحققها هناك، بدلا من تحويل العائد إلي الخارج، وهو الأمر الذي أسهم في جمع ملياري دولار استرالي خلال العام الضريبي، وتم إبلاغ الشركات المعنية بأنه إذا لم يتم دفع المبالغ المستحقة، فسوف تخضع للضريبة بنسبة 40٪، والتي كشفت تقارير أنها وصلت إلي خمسة مليارات دولار. بالتوازي مع التحرك الأمريكي والأوروبي أعلن عبد الله حمدوك، سكرتير تنفيذي في اللجنة الاقتصادية للشئون الإفريقية بالأمم المتحدة، أن الاتحاد الإفريقي شكَّل تحالفا للتوصل إلي حلول تواجه فساد الشركات متعددة الجنسيات في إفريقيا، والذي يكلف القارة نحو 80 مليار دولار سنويا، 65٪ منها تكون في صورة تهرب ضريبي. وأضاف حمدوك أن الاتحاد الإفريقي كان قد شكَّل لجنة في عام 2012 بقيادة الرئيس السابق لدولة جنوب إفريقيا، تابون أمبيكس، لدراسة فساد الشركات العابرة للقارات في إفريقيا، وقدمت تقريرا في عام 2015 أشارت فيه إلي أن حجم نهب هذه الشركات للقارة يصل إلي 50 مليار دولار في هذا الوقت، وزاد إلي 80 مليار دولار حتي الآن، وهذا المبلغ يساوي حجم التجارة الإفريقية البينية. ويعد انتباه الاتحاد الإفريقي لهذا الخطر مؤشرا جيدا. فالدول الإفريقية وقعت في ظلم بين لقرون بسبب عمليات النهب والسرقة لثرواتها الطبيعية والتأثير في قرارها الداخلي من جانب الشركات متعددة الجنسيات، وأخيرا شركات التواصل الاجتماعي، حيث تحتاج للاستثمار الذي يفتح أمامها آفاق التقدم، ويساعدها في حل أزماتها الاقتصادية المتراكمة، وليس العمل علي تفاقمها أو تهديد حكوماتها الوطنية. وهنا، تأتي ضرورة الاستفادة من تلك الشركات في عملية التنمية، ونقل الخبرات التكنولوجية، علي أن يتم ذلك وفقا لقواعد جديدة من القوانين والشروط التي تسمح للدول النامية بأن تحقق لنفسها قدرا من المكاسب الاقتصادية الحقيقية، والحد من الاستغلال لثرواتها، بالإضافة لتعديل وتحسين بيئة الاستثمار، بالتوازي مع العمل الجاد لغلق باب الأطماع أمام الشركات المستغلة، ووضع التشريعات والقوانين التي تسمح لها بالحفاظ علي أمنها القومي، وسيادتها الوطنية.