كشف حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمرة الأولى، منذ بداية التحقيقات التي يجريها روبرت مولر، المحقق الخاص المكلف من وزارة العدل للتحقيق في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أجريت في الثامن من نوفمبر 2016، عن تداعيات عزله، وما ستئول إليه الأمور في الولايات المتحدة، وإصابة الكثير من الأمريكيين بالفقر، وانتقاداته المستمرة لوزير العدل جيف سيشينز لنأيه بنفسه عن تلك التحقيقات، وأن ترامب بدأ يستشعر أن مستقبله السياسي في خطر، بعد نجاح مولر في تضييق الخناق عليه.
وتثير محاولات كثير من قادة حزب الرئيس (الحزب الجمهوري) مع قرب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر لها في السادس من نوفمبر المقبل بالنأي عنه، والانفكاك من حوله بعد الفوضى القضائية التي أحاطت به خلال الأيام الماضية، التساؤل حول ما إذا قاربت فترة ترامب الرئاسية من نهايتها، أو أن أيامه في البيت الأبيض أضحت معدودة؟.
تضييق الخناق
بدأت دائرة الخطر تقترب من الرئيس الأمريكي خلال الأيام الماضية بعد إدانة رئيس حملته للانتخابات الرئاسية لعام 2016 السابق بول مانافورت بالاحتيال الضريبي والمصرفي. وتلك التهمة قد تجعله يقضي بقية حياته خلف القضبان. ولذا، تعتقد أوساط سياسية وقانونية أنه ربما يحاول الحصول على صفقة تخفف عنه العقوبة عبر التعاون مع فريق مولر، والكشف عن الكثير من الأسرار حول علاقة ترامب وأفراد أسرته والمقربين منه بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وقد زادت دائرة الخناق حول الرئيس بعد إقرار محاميه السابق مايكل كوهين بارتكاب انتهاكات تتعلق بتمويل الحملة الانتخابية لترامب، بتورطه في دفع مبلغي 130 و150 ألف دولار، قبل الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٦، لامرأتين تقولان إنهما أقامتا علاقة جنسية مع ترامب مقابل التزامهما الصمت. وأكد كوهين أن ذلك قد تم بطلب من ترامب، بهدف تفادي انتشار معلومات كانت ستسئ لفرص فوزه في انتخابات الثامن من نوفمبر 2016. وأضاف أنه شارك في هذا العمل بهدف التأثير فى نتائج الانتخابات.
وستزداد تلك الدائرة اتساعا حال تعاون كوهين مع مولر، والكشف عن كل ما يعرفه حول تهم التواطؤ مع روسيا للتأثير في الانتخابات الرئاسية، حيث سيسعى المحقق الخاص للحصول على مزيد من التفاصيل بشأن علاقة الرئيس بقضية التدخل الروسي. وإذا تمكن كوهين من إثبات أن ترامب كان على علم باللقاء، الذي عقده ابنه دونالد ترامب جونيور في برج والده في نيويورك مع محامية روسية لديها معلومات تهدد فرص فوز المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون" في الثامن من نوفمبر 2016، فإن دائرة الاتهام ستقترب بشكل كبير من الرئيس الأمريكي.
ويتأزم وضع ترامب بعد أن منح المدعون الفيدراليون حصانة لآلن وايسلبرج، المدير المالي لمؤسسة ترامب التجارية، لتقديم معلومات بشأن تقديم كوهين مبالغ مالية لامرأتين بغية إسكاتهما قبل الانتخابات. ومنح أيضا حصانة لاثنين من المدراء التنفيذيين لدى صحيفة ناشونال انكوايرر، (ديفيد بيكر، المدير التنفيذي للصحيفة والصديق القديم لترامب، والمسئول عن المحتوى في الصحيفة ديلان هاورد) مقابل شهادتهما بشأن تورط كوهين في الدفعتين.
ثلاثة سيناريوهات
سيؤثر قرب التحقيقات القضائية حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 من المقربين ومعاوني الرئيس، خلال حملته الانتخابية، وأفراد أسرته، بل والرئيس ذاته، فى مستقبل السياسي للأخير، والذي سيدور حول ثلاثة سيناريوهات رئيسية ترتبط بتطورات التحقيقات، وانتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل، وبشعبية الرئيس لدى قاعدته الانتخابية، ومدى تماسكه مع اشتداد الضغوط القانونية والسياسية ضده، وهي:
السيناريو الأول- عزل الرئيس ترامب من خلال الكونجرس: تملك المؤسسة التشريعية الأمريكية دستوريا حق عزل الرئيس بعد موافقة مجلس النواب بالأغلبية (50+1) على مشروع قانون عزل الرئيس. وبعد تمريره من المجلس، يذهب إلى مجلس الشيوخ الذي يحتاج تمريره إلى موافقة ثلثي أعضائه (67 سيناتورا).
هذا السيناريو من الصعب تحقيقه قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر لها في السادس من نوفمبر المقبل في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونجرس (النواب والشيوخ). ومن المستبعد أن يقدم الجمهوريون سابقة قانونية بأن يشرعوا في إجراءات عزل رئيس ينتمي إلى حزبهم، فضلا عن أنهم ليسوا على الاستعداد لعزل الرئيس قبل انتخابات التجديد النصفي الكونجرس، الأمر الذي سيهدد بكل تأكيد أغلبيتهم بالكونجرس.
عقب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، واحتمالات سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب وتمكنهم من تمرير مشروع قانون العزل بالمجلس، فإنه سيعرقل بمجلس الشيوخ لحاجة الديمقراطيين إلى 17 صوتا جمهوريا لتمرير قانون العزل. ومن الصعب أن ينجح الديمقراطيون فى توفير الأصوات المطلوبة للمضي قدما في إجراءات عزل الرئيس.
وتاريخيا، تم تنفيذ إجراءات عزل الرئيس الأمريكي ثلاث مرات. الأولى ضد أندرو جونسون في عام 1869، والثانية ضد الرئيس بيل كلينتون في عام 1998، لكنها فشلت لعدم استكمال الأصوات المطلوبة بمجلس الشيوخ، وأكملا الرئيسان فترتيهما الرئاسيتين المقررة. أما الثالثة، فقد كانت ضد ريتشارد نيكسون في عام 1974، ولكنها لم تكتمل باستقالته.
السيناريو الثاني- خيار نيكسون: مع اشتداد دائرة الخناق حول الرئيس في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وقربها من الرئيس ذاته، وبدء مجلس النواب إجراءات عزل الرئيس، قد يقدم ترامب استقالته طواعية. لكن هذا السيناريو مستبعد لقدرة الرئيس على الصمود أمام العواصف التي تهدد فترته الرئاسية، وعلى الهجوم على منتقديه، وتمتعه بشعبية بين قواعده الانتخابية، حيث إن أداءه الرئاسي يتمتع بنسبة رضا بين الأمريكيين تصل في المتوسط إلى 43%.
السيناريو الثالث- استمرار ترامب في الحكم حتى عام 2020: خاصة أن الاتهامات التي توجه للرئيس حتى الآن ليس لدى مولر دلائل رصينة عليها تدين الرئيس جنائيا. وحتى في حال ثبوت تلك الاتهامات على الرئيس، فإن عملية محاكمته بعد تمرير قانون العزل ضده ستأخذ فترة طويلة لن تقل عن عامين، كما حدث من الرئيسين السابقين اللذين حُركت ضدهما إجراءات العزل من المنصب. ولهذا، يتوقع أن يستمر ترامب في منصبه حتى نهاية فترته الرئاسية.
خلاصة القول: رغم أهمية التطورات القضائية الأخيرة لتحقيقات مولر في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، والاهتمام البالغ بها في الأعلام والأوساط السياسية والحزبية، فإن تأثيرها الفعلي فى عدم استكمال الرئيس دونالد ترامب فترته الرئاسية ضعيف، حيث تشير التطورات الحالية، والخبرة التاريخية إلى احتمال كبير لاستمرار ترامب في الحكم حتى 2020. لكن قد يكون لها تأثير كبير بلا شك فى فرص ترشحه أو فوزه بفترة رئاسية ثانية.
ولا يستبعد مع تضييق مولر الخناق حول ترامب في قضية التدخل الروسي، وقرب مساءلة الرئيس أن يحول أنظار الأمريكيين عن أزمته الداخلية بالزج بالولايات المتحدة في حرب أو صراع خارجي، فضلا عن زيادة هجومه على المؤسسات السياسية والقضائية والأمنية الأمريكية في وقت لم تتأثر فيه شعبيته بين قاعدته الانتخابية، وذلك بهدف تغيير النقاش وقضية الاهتمام داخل الأوساط الإعلامية والسياسية والتشريعية الأمريكية.