استطاعت مصر استعادة دورها الريادي إقليمياً ودولياً من حيث التأثير الفعٍّال في القرارات السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية. ويتجلى ذلك واضحاً في إسهام مصر في إنجاح المفاوضات المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، بما في ذلك التعاون البنّاء والمثمر مع جميع الدول الإفريقية بالإضافة إلى توفير الخبرات اللازمة لاستكمال مفاوضات عقد وصياغة الاتفاقية، والتغلب على كل العقبات التي تعترض مسيرة عملية المفاوضات، إذ تظل مصر حاضنة للشعوب الإفريقية قلباً وقالباً منذ ستينيات القرن.
- تعزيز التنمية:
وفي هذا الصدد، وقعت مصر مع 44 دولة إفريقية أخرى مؤخراً اتفاقية منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية (AFCFTA)، والتي تعد خطوة حاسمة نحو إنشاء سوق إفريقية مشتركة، ومن المتوقع أن يسهم التكامل الاقتصادي الإفريقي في تعزيز التنمية المستدامة وزيادة معدلات النمو الاقتصادي لجميع الاقتصادات الإفريقية، وفقاً لبرنامج رؤية إفريقيا 2063 الذي أقره الاتحاد الإفريقي. وقد جاء التوقيع خلال قمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت فى العاصمة الرواندية كيجالى فى مارس الماضي. ومن المتوقع أن يتم تفعيل الاتفاقية بعد تصديق برلمانات 44 دولة خلال 120 يومًا في عام 2019.
وجاء توقيع الاتفاقية إثر الإرادة القوية للدول الإفريقية والجهود المبذولة على مدى السنوات السابقة لوضع اللمسات الأخيرة على المفاوضات منذ صدور القرار المُتخذ لإنشاء المنطقة الحرة القارية خلال القمة الإفريقية الثامنة عشرة في أديس أبابا عام 2012.
- فرص استثمارية:
تجدر الإشارة إلى أن المنطقة الحرة القارية سوف تجمع بين خمسة وخمسين دولة إفريقية، يبلغ عدد سكانها مجتمعة أكثر من مليار شخص، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي أكثر من أربعة تريليونات دولار، وبالتالي فإنها سوف تسهم في خلق سوق واسعة لتبادل السلع والخدمات، مستفيدة في ذلك من اقتصادات النطاق وتنافسية الهياكل الإنتاجية، مما يضاعف من تدفقات حركة التجارة البينية الإفريقية من يناير 2012 وحتى يناير 2022، بالإضافة إلى تعزيز فرص الاستثمار، حيث تضمن أهداف المنطقة الحرة القارية تأسيس سوق قارية واحدة، تضمن حرية تبادل السلع والخدمات، وانتقال رءوس الأموال ورجال الأعمال والفنيين والمتخصصين لتسهيل نقل المعرفة التقنية والخدمات المتعلقة بالتجارة في عدد من مجالات القطاعات الحيوية. ولذلك، فإن AFCFTA ستسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز التنمية الصناعية، وكذلك تطوير البنية التحتية في البلدان الإفريقية، فضلاً عن تمهيد الطريق لإنشاء الإتحاد الجمركي القاري والتكامل الاقتصادي الكامل. إذ يتطلب التكامل الاقتصادي التنسيق بين البلدان لإزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي تحد من حرية حركة التجارة في السلع والخدمات، وكذلك رءوس الأموال. وبناءً على ذلك، يتعين شمول عملية التكامل تنسيق السياسات النقدية والمالية فيما بين الدول بحيث يتم التكامل عبر خمس مراحل تدريجياً وهي: إقامة منطقة التجارة الحرة (FTA)، الاتحاد الجمركي (CU)، والسوق المشتركة، والاتحاد النقدي، وأخيراً التكامل الاقتصادي الكامل الذي تكون فيه جميع الدول كدولة واحدة ذات سياسات اقتصادية موحدة.
في هذا السياق، أصبحت CFTA واحدة من أهم الأولويات الرئيسية لتعزيز الاقتصاد المصري بفضل المزايا الاقتصادية الإيجابية التي سيتم تحقيقها، من خلال الاستفادة من وجود سوق رحب لتبادل السلع والخدمات المتقاربة والتحركات الحرة لرؤوس الأموال، مما يؤدي إلى توسيع نطاق الفرص الاستثمارية، إذ تدعم مصر على نطاق واسع انضمام الاتحاد الإفريقي إلى اتفاقية التجارة الحرة، من خلال ضمان تطبيق اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية المتعلقة بقطاع النقل التي تُعد حجر الزاوية لمضاعفة التجارة البينية الإفريقية لتصل إلى 22٪ من إجمالي التجارة بحلول عام 2022.
ومن بين الثمار الاقتصادية المتوقعة من توقيع الاتفاقية، زيادة التجارة البينية الإفريقية، من خلال تنسيق أفضل لتحرير التجارة في السلع والخدمات والسياسات الاقتصادية، والقضاء على تداخل العضوية بين الكتل الاقتصادية الإفريقية، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المصدرة، وزيادة القدرة الإنتاجية، بالإضافة إلى تعزيز كفاءة سلاسل التوريد، من خلال توسيع نطاق الإنتاج، وإعادة توزيع الموارد بكفاءة.
- فوائد متعددة:
من ناحية أخرى، سيؤدي إنشاء اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الإفريقية إلى تحسين قدراتها التنافسية في السوق الدولية، من خلال الاستفادة من الاقتصادات ذات النطاق الواسع، والوصول إلى الأسواق القارية والدولية، وزيادة القدرة الاستيعابية، وتوسيع الفرص الاستثمارية التي ستساعد إلى حد كبير في تخفيض معدلات البطالة، فضلاً عن تعميق وتنويع الهياكل الإنتاجية والتخصص بين الاقتصادات التي من شأنها سد الفجوة مع الكتل الاقتصادية الدولية الأكبر، وتعزيز الموارد البشرية للبلدان الإفريقية للاندماج في نظام التجارة الدولية.
بشكل عام، تعتبر اتفاقية التجارة الحرة القارية بمنزلة حجر الزاوية وبداية انطلاق للتكامل الاقتصادي الإفريقي الذي يعد ضروريًا لتحقيق التنمية المستدامة لجميع الدول الإفريقية، ومن ثم القضاء على الفقر، ورفع مستوى معيشة الشعوب، حيث يصعب على دولة واحدة تحقيق نمو اقتصادي سريع. وتطور اجتماعي في خضم التقدم التكنولوجي المطرد في الأسواق الدولية. ولذلك، يعزز التكامل الاقتصادي الإفريقي موقف إفريقيا كقوة فاعلة في الساحة الدولية اقتصادياً وسياسياً واجتماعيا.
رابط دائم: