ما هي حدود صحة التوقعات بشأن الضربة الأمريكية ضد سوريا؟
11-4-2018

د. منى سليمان
* باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية
يترقب الشرق الأوسط والعالم أجمع بدء الضربة العسكرية الأمريكية ضد سوريا للرد على الهجوم الكيماوي على مدينة دوما السورية التي تعرضت له يوم 8 أبريل 2018 بغاز الأعصاب السام، وراح ضحيته عشرات القتلى، وذلك بعد فشل مجلس الأمن الدولي في تبني قرار ينهي الأزمة المتصاعدة، هذا في ظل توتر غير مسبوق بين موسكو وواشنطن أعاد للأذهان أجواء الحرب الباردة بكافة تفاصيلها، حيث نفت روسيا وسوريا وقوع هجوم كيماوي على أي مدينة سورية مؤخرًا، واتهمتا واشنطن بافتعال الأزمة لتبرير التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، وتعهدت موسكو بالرد على أى هجوم عسكري أمريكي ضد قواعدها العسكرية بسوريا، مما ينذر بحدوث مواجهة عسكرية أمريكية- روسية على الأراضي السورية، سيترتب على نتائجها إعادة لترتيب توازنات القوى بالشرق الأوسط وربما العالم أجمع.
دلالات المشهد السوري: 
ضاعفت الاتهامات الأمريكية للحكومة السورية باستخدام غاز الأعصاب السام في دوما، يوم 7 أبريل 2018، من تعقيد المشهد السوري المعقد الذي يتسم بالتداخل والتشابك بين التحركات الميدانية والقوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتثبيت نفوذها داخل سوريا خاصة وفي الشرق الأوسط عامة، حيث نجد أن هذه الادعاءات جاءت في خضم عدد كبير من التطورات التي ستصيغ مستقبل الأزمة السورية ومنها: 
*تكثيف الوجود العسكري الأجنبي: أصبحت سوريا ساحة تتسابق الدول عليها لبناء قواعد عسكرية فيها، حيث توجد تركيا شمالا باحتلالها لعفرين ومدينة الباب وحديثها عن التوسع لتحتل شمال سوريا والعراق، وتملك روسيا قاعدتين عسكريتين في حميميم وطرطوس، وهناك مئات الميليشيات المسلحة التابعة لإيران، فضلا عن قرار فرنسا الدفع بـ100 جندي إضافي لمدينة منبج شمال سوريا لمواجهة أى تصعيد تركي محتمل بتلك المدينة. بينما أعلن الرئيس الأمريكي مطلع أبريل 2018 عن رغبته في سحب قوات بلاده من سوريا لانتهاء مهمتها، في مؤشر على تراجع الدور الأمريكي بسوريا وملفات الشرق الاوسط مقابل تصاعد الدور الروسي بعدما حققت موسكو أهدافها من الوجود العسكري بسوريا من خلال تحرير معظم الأراضي السورية من سيطرة الميليشيات والجماعات المسلحة. 
*القصف الإسرائيلي: غداة الإعلان عن استخدام غاز الأعصاب السام بدوما وقبل تصعيد الأزمة وبدء الحديث عن توجيه واشنطن ضربة عسكرية لمعاقبة سوريا، قام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ ضربة جوية لقصف القاعدة العسكرية بمطار "التيفور" السورية يوم 9 أبريل 2018، وذلك بعدما قامت طائراته بخرق الأجواء اللبنانية حتى تصل لسوريا، وقتل في القصف 7 إيرانيين هم خبراء عسكريون بينهم خبير في الطائرات بدون طيار (الدرون) كانوا موجودين بالقاعدة السورية، وتوعدت إيران بالرد في التوقيت المناسب على تل أبيب، مما يوحي بأن الضربة العسكرية لسوريا جاءت للتغطية على العدوان الاسرائيلي المتكرر لسيادة سوريا ولبنان، ولمنع إيران من توجيه أى عمل عدائي ضد إسرائيلي للرد عليها.  
*الوضع الميداني بدوما: توصلت الحكومة السورية برعاية روسيا في نهاية مارس 2018 لاتفاق مع الجماعات المسلحة في مدينة دوما يقضي بإخراج المسلحين وعائلاتهم من المدينة. وقد أعلنت دمشق خروج أكثر من 3600 مسلح وعائلاتهم من المدينة وتحريرها بالكامل يوم 8 أبريل 2018 وهي كانت آخر معاقل الجماعات المسلحة. وبالتزامن مع ذلك، اتهمت المعارضة السورية دمشق بشن هجومين كيماويين في دوما باستخدام غاز الأعصاب السام مما أسقط أكثر من 60 قتيلا ومئة مصاب. وهنا، يتبادر للذهن سؤال مهم: لماذا تلجأ الحكومة السورية لشن هجوم كيماوي بينما هي حققت هدفها بتحرير المدينة باتفاق مع المسلحين؟ مما يثير الشكوك حول الجهة المنفذة للهجوم الكيماوي، هل هي الحكومة السورية أم المعارضة المسلحة التي تريد الانتقام من الحكومة؟ وفي الحالتين، يجب أن تخضع الجهة المنفذة لذلك الهجوم لإدانة دولية بعد إتاحة الفرصة لتحقيق دولي يكشف عن حقيقة ما حدث. 
 
ردود الفعل: 
نفت الحكومة السورية الاتهامات الموجهة لها باستخدام غاز الأعصاب السام في هجوم كيماوي بدوما وطالبت بإجراء تحقيق دولي عاجل للوقوف على حقيقة الأمر. واتهمت وزارة الخارجية السورية يوم 11 أبريل 2018 واشنطن باستخدام الفبركات والأكاذيب كذريعة لاستهداف سوريا. بينما أعلنت منظمة حظر السلاح الكيماوي أنها بصدد إرسال بعثة لتقصي الحقائق إلى دوما بأسرع وقت للتحقيق في استخدام أسلحة كيماوية. هذا بينما تصاعدت الأزمة بين موسكو وواشنطن وتحولت لسجال دبلوماسي وسياسي بمجلس الأمن الدولي الذي عقد 3 جلسات فشلت جميعا في التوصل لقرار دولي بشأن الأزمة مما يرجح اللجوء للحل العسكري. 
*فشل مجلس الأمن:عقد مجلس الأمن الدولي ثلاث جلسات حول الهجوم الكيماوي بسوريا. كانت الأولى جلسة طارئة عقدت في 9 أبريل 2018  وشهدت سجالاً دبلوماسيًا بين المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة "فاسيلي نيبينزيا" ونظيرته الأمريكية "نيكي هايلي"، حيث أكد السفير الروسي أن الخبراء العسكريين الروس الموجودين فى سوريا لم يجدوا أى دليل على استخدام غاز السارين أو غاز الكلور في دوما، وجدد مطالبة موسكو ودمشق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بإرسال محققين إلى دوما وتعهد بتسهيل عملهم للتوصل لحقيقة الأمر. بينما طالبت "هايلى" خلال الجلسة بضرورة "تحقيق العدالة" فى سوريا.
وعقدت الجلستان الثانية والثالثة لمجلس الأمن يوم 10 أبريل 2018 بناء على دعوة موسكو وواشنطن حيث قدمت كل منهما مشروع قرار بشأن سوريا، وقد فشلت الجلستان في تبني أى مشروع قرار حيث استخدمت واشنطن حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار الروسي حول التحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية بسوريا وكان ينص على توجيه بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى سوريا لإجراء تحقيق في الهجوم المزعوم بدوما، وكذلك استخدمت موسكو "الفيتو" ضد مشروع القرار الأمريكي لإدانة الهجوم الكيماوي بدوما كما كان ينص مشروع القرار الامريكي على تشكيل آلية خاصة تعمل وفقا للإطار الأمريكي لإجراء تحقيق أولي في حقيقة استخدام الأسلحة الكيميائية بدوما. وسبق لموسكو استخدام "الفيتو" 11 مرة في مجلس الأمن الدولي لعرقلة قرارات تستهدف حليفتها سوريا. وهذا الفشل المتكرر لمجلس الامن في تبني أى قرار بشأن الازمة السورية يعكس توازن القوى داخل المجلس بين موسكو وواشنطن ويؤكد أن العالم يمر بمرحلة جديدة من الحرب الباردة بين القوتين، فكل منهما قادرة على إحباط مشروعات الأخرى، ولا سبيل لإصدار قرار أممي بشأن قضية ما سوى عبر الاتفاق بينهما.
*تنسيق أمريكي- أوروبي: أعلنت المصادر الدبلوماسية الغربية أن واشنطن ولندن وباريس تجرى مشاورات موسعة للتنسيق فيما بينها حول إمكانية توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا قبل نهاية الأسبوع الجاري، حيث طلبت رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" المزيد من الأدلة على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا لتنضم للضربة العسكرية المرتقبة، بينما يدرس الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" احتمالات وتداعيات توجيه الضربة العسكرية لسوريا والمدى الزمني لها. هذا بينما بدأت بالفعل المقاتلات الأمريكية والفرنسية بالتوجه للبحر المتوسط وأعلنت حالة التأهب القصوى في انتظار قرار توجيه ضربات جوية ضد مواقع عسكرية سورية. والضربات تستهدف منع الرئيس السوري "بشار الأسد" من إمكانية تنفيذ هجمات كيميائية جديدة.
*تعهد روسي بالرد: حذر الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" يوم 9 أبريل 2018 فى مكالمة هاتفية مع المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" من "استفزاز" روسيا بشأن ما يحدث بدوما وذلك بعدما اتهم "ترامب" "بوتين" بالمسئولية عن الهجوم الكيماوى فى سوريا. هذا بينما تعهد سفير روسيا بلبنان "ألكسندر زاسبيكين" يوم 11 أبريل 2018 من أن روسيا ستسقط أى صاروخ أمريكي يستهدف سوريا أو القواعد العسكرية الروسية بسوريا بل وستستهدف مراكز إطلاقها أيضا، لأن الحملة الأمريكية الغربية ضد بلاده تأخذ طابعا استراتيجيا، وأكد أن لدى موسكو كل الوسائل اللازمة للصمود والمواجهة. وقد تحركت بالفعل بعض القطع البحرية الروسية لتستقر بالبحر المتوسط قبالة السواحل السورية لمواجهة أي ضربة جوية أمريكية محتملة ضد سوريا. هذا بينما حذرت الصين من عواقب أى عمل عسكرى للرد على الهجوم الكيماوى المفترض فى سوريا وبالطبع ستنحاز بكين لحليفها الروسي في القضية السورية مقابل دعم موسكو لها في قضايا أخرى بجنوب شرق آسيا.
 
السيناريوهات المستقبلية: 
أصبح من شبه المؤكد عزم واشنطن توجيه ضربة عسكرية لسوريا خلال الساعات القادمة، بيد أن الخلاف على توقيت وحدود تلك الضربة وتداعيات لاسيما رد الفعل الروسي الذي يتوعد بالرد عليها، وهنا نجد عدة سيناريوهات مطروحة، ومنها: 
*السيناريو الأول- مواجهة عسكرية شاملة: الملاحظ أن تصعيد أزمة الهجوم الكيماوي بدوما يأتي في ظل توتر في العلاقات الروسية- الغربية بعد أزمة الجاسوس البريطاني الروسي المزدوج "سكريبال" وما تبعه من طرد الدبلوماسيين الروس من 14 دولة أوروبية وتقليص عددهم بالولايات المتحدة الأمريكية وإغلاق القنصلية الروسية بستايل، مما يؤكد أن واشنطن وبريطانيا وألمانيا وفرنسا أصبحت تستشعر الخطر من تصاعد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وشرق أوروبا وتريد تقليصه عبر توجيه ضربة عسكرية لحليف روسيا الأبرز سوريا، وربما تشمل الضربة القواعد العسكرية الروسية في سوريا لجر روسيا لمواجهة عسكرية شاملة تستنزف قوتها العسكرية بالتوازي مع استنزاف قوتها الاقتصادية بفرض المزيد من العقوبات على موسكو. وهنا، ستكون المواجهة العسكرية شاملة تشارك فيها واشنطن وقوات "الناتو" بقوات جوية وبرية وبحرية، وستتم دون غطاء سياسي أممي بعد فشل مجلس الأمن في إصدار أى قرار يتعلق بالأزمة، وربما تشارك إسرائيل أيضا حيث ستستغل تلك الفوضى لقصف المواقع الايرانية بجنوب سوريا التي تمثل خطرا عليها. وهنا، ستتدخل إيران بالضرورة لنصرة حليفها السوري والدفاع عن قواتها وميليشياتها المسلحة الموجودة بسوريا. وحال تنفيذ هذا السيناريو، ستتحول الأزمة لحرب عالمية ثالثة لا تحمد عقباها وهو ما تتجنبه كافة تلك الأطراف حتى الآن. ولذا فإن هذا السيناريو مستبعد الحدوث.
*السيناريو الثاني-ضربات أمريكية استباقية: وهذا السيناريو هو المتوقع والمنتظر حيث ستقوم واشنطن بشن ضربات جوية استباقية ضد عدة مواقع سورية يتم تحديدها بدقة بغية منع الرئيس السوري "بشار الأسد" من أستخدام الاسلحة الكيماوية مرة أخرى، مثلما فعلت في أبريل 2017 عندما قصفت مطار وقاعدة "الشعيرات" السورية بحمص. وربما تشارك في تلك الضربات قوات جوية من حلف "الناتو" وكذلك ربما تشارك قوات فرنسية وبريطانية. وهذا السيناريو سيحقق لواشنطن عدة أهداف، أبرزها تقليل الخسائر المادية والبشرية من حدوث مواجهة شاملة، وأيضا سيظهر أنها قادرة على مواجهة النفوذ الروسي المتصاعد، كذلك سيظهر الرئيس "ترامب" بمظهر الرئيس المهتم بحقوق الإنسان والرافض لاستخدام الأسلحة الكيماوية. والهدف الأبرز والأهم هو استمرار وجود القوات الأمريكية بسوريا، بل ومضاعفة عددها والتراجع عن سحبها كما أعلن "ترامب" مؤخرًا وهذا هدف يسعى لتنفيذه عدد من الجماعات المسلحة السورية التي تتلقى دعما من واشنطن وحلفائها بالمنطقة. 
وهناك العديد من المؤشرات على قرب تنفيذ هذا السيناريو خلال الساعات القليلة القادمة وقبل نهاية الاسبوع الحالي، ومنها بدء واشنطن وموسكو في تحريك عدد من القطع العسكرية، حيث تحركت المدمرة الأمريكية "دونالدكوك" من ميناء لارنكا القبرصي وزودت بـ60 صاروخاً من طراز "توماهوك". في المقابل، حلقت أربع مقاتلات روسية فوق المدمرة، التي رست على بعد 100 كم من سواحل طرطوس السورية والتي تستضيف قاعدة عسكرية روسية. ومن أبرز المواقع العسكرية السورية التي ستكون هدفا للضربة الأمريكية المنتظرة "قاعدة الضمير"الجوية السورية التي تتمركز بها الطائرات الهليكوبتر السورية من طراز(مي-8) روسية الصنع، تلك الطائرات رجحت مصادر بالمعارضة السورية أنها استخدمت في قصف دوما بالأسلحة الكيماوية، وكذلك بعض القواعد الجوية حول العاصمة دمشق والقواعد المرتبطة بالبرنامج الكيماوي السوري، ومنها قاعدتا "مرجرحيل"، و"المزة".
*السيناريو الثالث- توافق سياسي: وهذا السيناريو يقضي باحتواء الأزمة سياسيًا عبر قبول واشنطن والدول الأوروبية بالأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية كوسطاء لحل الأزمة، والقبول بالنتائج التي ستظهر من خلال التحقيق الميداني الذي سيجريه فريق عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي سيتوجه قريبا لمدينة دوما بالغوطة الشرقية. ومن المؤشرات التي ربما ترجح هذا السيناريو رفض وزارة الدفاع الامريكية يوم 11 أبريل 2018 التعليق على ما نشره "ترامب" على موقع التواصل الإجتماعي الالكتروني "تويتر" حيث كتب "هناك صواريخ أمريكية ذكية في طريقها  لسوريا وعلى روسيا أن تستعد"، كما أكد المتحدث باسم القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية (المعنية بتغطية منطقة الشرق الأوسط) اللفتنانت الكولونيل "داميا نبيكارت" يوم 11 أبريل 2018 أن خط تسوية الخلافات في مركز العمليات الجوية المتحدة لا يزال يستخدم، ولا يزال آلية بناءة لتحييد المخاطر والحسابات الخاطئة، في مؤشر على استمرار دراسة القرار الأمريكي بتوجيه ضربة لسوريا، وأن قرار التدخل العسكري لم يتخذ بشكل نهائي حتى اليوم. وكذلك أكدت مصادر روسية أنه من الأفضل تجنب الحل العسكري كسبيل لحل الأزمة. 
 
خلاصة القول إن الاعتماد على الحل السياسي لمواجهة أزمة استخدام السلاح الكيماوي بدوما سيأتي في مرحلة لاحقة، لأن واشنطن تتجه بالفعل لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا وربما تكون استباقية وخاطفة حتى لا تستفز روسيا، ولتجنب أى مواجهة عسكرية مباشرة بين موسكو وواشنطن. ولذا، سيبقى حل الأزمة السورية بشكل نهائي رهنا بتوازن القوى الإقليمي والدولي.
 

رابط دائم: