قمة ثلاثية تدشن لحل أزمة "سد النهضة" وتعزز التعاون والشراكة
30-1-2018

د. منى سليمان
* باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية
عقد الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" قمة ثلاثية مع نظيره السوداني "عمر البشير"، ورئيس الوزراء الإثيوبي "هايلي مريام ديسالين" يوم 29 يناير 2018، على هامش فعاليات اجتماعات الدورة الـ 30 لقمة الاتحاد الإفريقي، التي عقدت في أديس أبابا تحت شعار "الانتصار في معركة مكافحة الفساد- نهج مستدام نحو تحوّل إفريقيا" بغية بحث أزمة جمود المفاوضات الثلاثية حول "سد النهضة". وقد أكد الرئيس "السيسي"، فور انتهاء القمة التي عقدت في إجواء إيجابية، التوافق بين الدول الثلاث، وتبنيها رؤية واحدة قائمة على الحفاظ على مصالح كل دولة، وعدم الإضرار بأمنها المائي أو القومي. كما سبق هذه القمة عقد قمة ثنائية بين "السيسي والبشير"، أكدت أهمية العلاقات التاريخية بين البلدين. 
 
نتائج القمة الثلاثية:
أجواء إيجابية: عقدت القمة الثلاثية بين الرئيس "السيسي" و"البشير" و"ديسالين" بمقر إقامة الرئيس "السيسي" بأديس أبابا، واستمرت اللقاءات لساعات طويلة، تخللتها مناقشات لكافة العناصر الفنية محل الخلاف بين الدول الثلاث حول بناء "سد النهضة" الإثيوبي وتأثيره فى حصة مصر من مياه النيل. ثم خرجت القيادات السياسية من الاجتماع لتأكيد حل الأزمة عبر التفاهم بينهم للحفاظ على مصالح كل دولة، كما حرصت القيادة الإثيوبية على الترحيب بالرئيس "السيسي" والوفد المصري، وكذلك احتفت وسائل الإعلام السودانية والإثيوبية بالقمة الثلاثية وبنتائجها. تلك الأجواء الإيجابية نقلت رسالة مهمة للرأى العام في الدول الثلاث، مفادها عدم الإضرار بمصالح أى دولة، وأكدت استمرار العمل لحل الأزمة، ويمكن أن نطلق على القمة الثلاثية "قمة انفراج الأزمة" بعد 8 أشهر من جمود المفاوضات الثلاثية حول "سد النهضة"، لاسيما بعد رفض إثيوبيا المقترح المصري بوجود وسيط دولي محايد ممثل في "البنك الدولي". 
مواقف موحدة: من خلال قراءة مضمون التصريحات بعد القمة الثلاثية، نجد أن القيادات الثلاث قد تبنوا موقفًا موحدًا ممثلًا في تأكيد إنهاء الأزمة والحفاظ على مصالح كل دولة، حيث نفي الرئيس "السيسي" وكذلك "البشير" وجود أزمة حول "سد النهضة"، واستخدم الرئيس "السيسي" أكثر من مرة تعبير "اطمنوا" لتأكيد "انفراج الأزمة" وكذلك أكد أن "مصلحة الدول الثلاث واحدة، وصوتها واحد، وقادة مصر والسودان واثيوبيا يد واحدة"، مما يؤكد أن الدول الثلاث توصلت لتفاهمات تقضي بالعمل وفق رؤية توافقية تصون حقوق كل الأطراف دون إضرار بأحد. وكذلك أكد "ديسالين" عدم الإضرار بمصالح مصر المائية. 
توقيت زمني: كشف وزير الخارجية المصري "سامح شكري" أنه سيتم حل كافة القضايا الفنية العالقة للسد خلال شهر واحد، ونفى وجود طرف وسيط فى المفاوضات، حيث سيتم عقد لقاءات مشتركة ومباحثات موسعة وشاملة بين خبراء وفنيين بالبلدان الثلاثة للعمل وفق رؤية توافقية تصون حقوق كل الأطراف دون إضرار بأحد. وكذلك أصدر القادة الثلاثة تعليماتهم لوزراء المياه والطاقة بوضع تقرير خلال شهر واحد يحدد السبل الكفيلة بحل كل الخلافات المتعلقة بالسد، وتحديد التفاوض بين الدول الثلاث بجدول زمني كان مطلبًا مصريًا. وقد نجحت الدبلوماسية المصرية في إلزام الخرطوم وأديس أبابا به لتجنب تكرار حالة الجمود في المفاوضات التي استمرت لأكثر من 8 أشهر ماضية. 
مرجعية موحدة: تبنت القيادات الثلاث موقفًا موحدًا من "سد النهضة" قائما على أساس تفعيل اتفاق إعلان المبادئ الموقع في الخرطوم في مارس 2015 المكون من عشر نقاط، تتضمن إعلاء مبدأ عدم الإضرار بمصالح الدول الثلاث في إطار المنفعة المشتركة، وعدم الاضرار بحصة دول المنبع والمصب لحوض النيل، وعدم التأثير سلباً فى مصالح مصر والسودان المائية.
تعزيز التعاون الثلاثي: اتفق الرؤساء الثلاثة على آليات لتعزيز التعاون بينهم في مختلف المجالات والأصعدة لتحقيق المصالح المشتركة لهم، مما يؤكد حرص القيادة المصرية على تعزيز التعاون بين دول حوض النيل، خاصة السودان وإثيوبيا، ويشكل نواة لتدشين تحالف ثلاثي يمثل عمقًا استراتيجيًا لمصر، تكرر به نجاحها في تدشين تحالف مماثل هو (التحالف المصري- اليوناني- القبرصي). ومن بين الآليات لتعزيز التعاون الثلاثي:
- عقد قمة ثلاثية سنوية دورية بين القيادات السياسية لمصر والسودان وإثيوبيا لبحث تعزيز العلاقات بين الدول الثلاث.
- إنشاء لجنة سياسية عليا دائمة تتألف من وزراء الخارجية ورؤساء الاستخبارات للنهوض بالعلاقات بين البلدان الثلاثة، وتعقد اجتماعاتها بشكل دوري، وإنشاء لجنة سياسية فنية تشمل وزراء المياه والطاقة في البلدان الثلاثة من أجل معالجة القضايا العالقة بشأن "سد النهضة". 
- إنشاء صندوق مشترك من الدول الثلاث بمشاركة متساوية فى صندوق لتنمية البلدان الثلاثة، لاسيما ما يتعلق بالبنية التحتية، وإنشاء الطرق والسكك الحديدية والجسور، وهي مجالات حققت فيها مصر نقلة نوعية خلال السنوات الأربع الماضية ويمكنها ان تنقل خبراتها المتميزة فيها للخرطوم وأديس أبابا للاستفادة منها.
 
نتائج القمة المصرية- السودانية:
عقد الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" يوم 27 يناير 2018 لقاء مع نظيره السوداني "عمر البشير" على هامش فعاليات اجتماعات قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، وأكد الرئيسان أنهما اتفقا على تشكيل لجنة وزارية للتعامل مع كل القضايا الثنائية، وتجاوز جميع العقبات التي قد تواجهها. كما التقى وزير الخارجية المصري "سامح شكري" نظيره السوداني"إبراهيم غندور" بأديس أبابا واتفقا على ضرورة الحفاظ على العلاقات الثنائية بين البلدين، مؤكدين الاحترام الكامل للقيادة السياسية في البلدين. وهذه القمة أنهت التوتر القائم بين البلدين بعد قرار الخرطوم سحب سفيرها بالقاهرة في 4 يناير 2018. 
احتواء الأزمة: توقع السفير السوداني بالقاهرة "عبد المحمود عبد الحليم" عودته قريباً لممارسة عمله في القاهرة، في مؤشر على إنهاء حالة "التوتر" التي سادت بين البلدين بسبب ادعاء مسئولين سودانيين أحقية بلادهم في مثلث "حلايب وشلاتين وأبو رماد" المصري وموقف الخرطوم من "سد النهضة" الإثيوبي، إضافة إلى اتهامات سودانية للقاهرة بدعم متمردين مناهضين لنظام الرئيس "عمر البشير"، وهو ما نفته مصر جملة وتفصيلاً.
آليات التعاون: أكدت مصادر دبلوماسية مصرية وسودانية أن القمة المصرية- السودانية كانت إيجابية ومهمة للغاية، سادتها "روح تفاهم" بين الرئيسين "السيسي" و"البشير"، سيتم استغلالها لبدء مرحلة جديدة قائمة على المصالح المشتركة بين البلدين والشفافية والاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة. حيث تم الاتفاق بين الرئيسين على تشكيل لجنة تضم وزيري الخارجية ورئيسي المخابرات والأمن القومي في البلدين لوضع خريطة طريق تحدد كيفية معالجة القضايا العالقة بين القاهرة والخرطوم، وهذه اللجنة ستجتمع قريباً لوضع خريطة الطريق المتوافق عليها حيز التنفيذ.
تحديات مشتركة: أكد الرئيس "السيسي" ونظيره السوداني "عمر البشير" أن الدولتين ستواصلان تعزيز التعاون بينهما عبر التشاور والتنسيق المستمر حيال مختلف الموضوعات والملفات، لمواجهة التحديات المشتركة التي يفرضها الوضع الإقليمي الراهن بما يسهم في تحقيق مصالحهما المشتركة.
 
خطوات مستقبلية:
من الواضح أن الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" قد بذل جهدًا سياسيًا ودبلوماسيًا لاحتواء أزمة "سد النهضة" وكذلك التوتر في العلاقات بين القاهرة والخرطوم، ولذا يجب على مؤسسات الدولة اتخاذ عدة خطوات مستقبلية لضمان استمرار التعاون بين (القاهرة، وأديس أبابا، والخرطوم) القائم على المصالح الاقتصادية لتجنب تكرار تلك الأزمات مرة أخرى، ولاستثمار النجاح السياسي الذي حققته الدبلوماسية المصرية أخيرا في التقارب مع الدولتين، ولضمان الأمن المائي المصري. وتتمثل هذه الخطوات في:
- الالتزام بجدول زمني: ثمة ضرورة لإلزام الخرطوم وأديس أبابا بالجدول الزمني المحدد لإنهاء عمل اللجان المشتركة الخاصة بسد النهضة وبالتعاون الثلاثي، بغية تجنب إهدار المزيد من الوقت دون تقدم ملموس في ملف "سد النهضة.  
- تحييد الإعلام: إنهاء حالة "التراشق الإعلامي" بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، وهو ما أكده الرئيس "السيسي" في رسالته للاعلاميين عقب انتهاء القمة الثلاثية، حيث إن الحملات الإعلامية المتبادلة تنقل صورة سلبية للرأى العام، وتؤدي للإضرار بالمفاوضات المشتركة. ولذا يجب أن تلتزم وسائل الإعلام في مصر بالمهنية والاحترام، وعدم خلق أجواء سالبة تضر بالعلاقات المصرية الخارجية.
- القطاع الخاص: يجب على مؤسسات القطاع الخاص بمصر ضخ استثمارات في السودان وإثيوبيا لتعزيز التعاون الاقتصادي المشترك معها، ولربط الدول الثلاث بشبكة من المصالح المشتركة التي يصعب معها الإضرار بالعلاقات البينية مستقبلاً. 
- الأمن المائي المصري: يجب على مؤسسات الدولة المصرية إطلاق حملة للتوعية بأهمية الأمن المائي المصري، على أن تقوم كل وزارة بالمشاركة فيها وفق تخصصها، لاسيما في ظل محدودية الحصة المائية لمصر من مياه النيل التي لا تتناسب مع الزيادة السكانية المستمرة. وقد بدأت الجهود الحكومية لمواجهة الأزمة عبر بناء أكبر محطات لتحلية المياه في الشرق الأوسط. بيد أنه يجب مواكبة ذلك مع حملة إعلامية وتثقيفية تتصدى لعلميات هدر المياه التي تتم بعدة طرق، لأن الأمن المائي جزء أصيل من الأمن القومي المصري.  
 
وختامًا، نجد أن ما حققته الدبلوماسية المصرية من نجاح في احتواء أزمتين وحل الخلافات العالقة بينها وبين دول إقليمية مهمة، مثل السودان وإثيوبيا، وإدارة أزمة "سد النهضة" بحكمة، فضلاً عن اختيار مصر رئيساً للاتحاد الإفريقي للعام القادم 2019، ورئاسة مصر الناجحة للشهر الحالي لمجلس السلم والأمن الإفريقي- إنما يصب في تعزيز الدور المصري الإقليمي على المستوى الإفريقي بل والدولي أيضًا، ويأتي في إطار نهج السياسة الخارجية المصرية التي دشنها الرئيس "السيسي" لاستعادة مصر لمكانتها ودورها الإقليمي الرائد على الصُعد العربية والإفريقية والمتوسطية. 

رابط دائم: