مثَّل تفجير إحدى أنابيب النفط التابع لشركة "بابكو" البحرينية، بالقرب من قرية "بوري" فى العاشر من نوفمبر 2017، تصعيدًا جديدًا للأزمة القطرية، لاسيما وأنه تم غداة تطبيق البحرين قرار فرض تأشيرة دخول على المواطنين القطريين والمقيمين في قطر، بدءا من 9/11/2017، مما يؤكد أن التفجير ربما جاء عقابًا للمنامة على قرارها منع دخول القطريين للمملكة.
لذا، فإن تصاعد التوتر البحريني- القطري سيؤثر سلبًا في الأزمة القطرية التي ربما تشهد تجميد الوساطة الكويتية لحلها، كما أنه سيلقي بظلاله على عقد القمة الخليجية المقبلة.
دلالات التهديد القطري:
أعلن راشد بن عبدالله آل خليفة، وزير الداخلية البحريني، أن حادث انفجار إحدى أنابيب النفط بالقرب من قرية بوري هو عمل إرهابي يهدف إلى الإضرار بالمصالح العليا لمملكة البحرين، واتهم طهران بالتحريض علي تنفيذ الأحداث الإرهابية التي تشهدها المملكة منذ عام 2011.
ولم يسفر الحريق، الذي نشب عن الانفجار، وتم بفعل فاعل، عن أي خسائر بشرية، حيث أعلنت شركة "بابكو" النفطية البحرينية استئناف إمدادات النفط بين السعودية والبحرين التي توقفت للمرة الأولى، فور اشتعال الحريق الذي بلغ ارتفاع شعلة اللهب فيه (30م-50م)، وانتشرت الحرارة لمدى500 م2 تقريبا، وأسفر عن أضرار مادية بسيطة. ويصل النفط إلى البحرين من خلال خط أنابيب طوله 55 كم وطاقته 230 ألف برميل يومياً، ويعد مصدر الدخل القومي الأول للمملكة.
وربما تكون قطر وإيران قد قامتا بتحريض عناصر إرهابية على تفجير أنبوبة النفط للإضرار بالأمن القومي البحريني، خاصة، والخليجي عامة، في ظل تصاعد التوتر بين الدوحة والدول المقاطعة لها. وهناك العديد من المؤشرات على وجود تربص قطري مستمر تجاه مملكة البحرين، منها:
تصريحات حمد بن جاسم: حيث ألقت تصريحات رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم، خلال حواره مع التليفزيون القطرى في نهاية أكتوبر 2017، الضوء علي الدور الإقليمي القطري السلبي، حيث اعترف بوجود اتصالات بينه وبين المعارض الشيعي البحريني، علي سلمان، الذي تم توقيفه وسجنه باتهامات تتعلق بتهديد الأمن القومي البحريني، وبالتخابر مع قطر، مما يؤكد التعمد القطري بتهديد أمن مملكة البحرين.
تعزيز التعاون القطري-الإيراني: حيث قامت الدوحة بتعزيز تعاونها الاقتصادي مع طهران، حيث أُعلن في 9 نوفمبر 2017 عن استخراج نحو 94 مليار متر مكعب من الغاز من حقل "بارس" الجنوبي المشترك مع قطر خلال الأشهر السبعة الماضية، فضلا عن وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني بالدوحة وفق اتفاق بينهما عام 2010. وهذا يمثل تهديدًا لأمن دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما مملكة البحرين التي تدعي إيران دوما أن المملكة جزء من أراضيها وستستعيدها مستقبلاً.
وقد اتهمت المنامة إيران بالتحريض علي أعمال العنف والإرهاب في المملكة، كما أن طهران تأوي عدداً من المطلوبين داخل معسكرات إيرانية في مدينتي قم ومشهد، وتقوم بتهريب الأسلحة والمتفجرات، عبر البحر لمملكة البحرين. ولذا، طالبت الأخيرة طهران بتسليم 160 مطلوبا أمنيا شاركوا في أعمال إرهابية داخل المنامة، وصدرت أحكام قضائية بحق بعضهم منذ عام 2011 وحتى الآن، وبالطبع ترفض طهران تسليمهم.
اتهام ثلاثة بحرينيين بالتخابر مع قطر: أحالت النيابة البحرينية فى 12 نوفمبر 2017 ثلاثة مواطنين إلى المحاكمة الجنائية بتهمة التخابر مع قطر، وهم: على أحمد سلمان، رئيس حركة الوفاق الشيعية، (كان "سلمان" قد أوقف عام 2014، وحكم عليه فى يوليو 2015 بالسجن 4 أعوام، بعدما تمت إدانته بتهمة التحريض، وإهانة وزارة الداخلية)، وحسن سلطان، وعلي الأسود.
وذكرت النيابة العامة أن المتهمين ارتكبوا أعمالا عدائية ضد البحرين بقصد الإضرار بمركزيها السياسي والاقتصادي، واستلموا مبالغ مالية من دولة أجنبية (قطر)، مقابل إمدادها بأسرار عسكرية ومعلومات تتعلق بالأوضاع الداخلية للبحرين. كما أجرى المتهمون مداخلات ومشاركات مع قنوات إعلامية قطرية بثوا خلالها أخباراً كاذبة، وشائعات مغرضة حول الأوضاع الداخلية بالبحرين، ومدوا قطر بمعلومات سرية تتعلق بتحركات قوات الجيش البحريني، وقوات درع الجزيرة الخليجية، وأماكن تمركزها وميزانياتها، وتلقوا مبالغ مالية طائلة من قطر، مقابل قيامهم بأنشطتهم الإجرامية.
ردود الفعل:
مجلس التعاون الخليجي: أدان الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، بشدة التفجير المتعمد الذي وقع قرب قرية بوري بمملكة البحرين، واستهدف أنبوبا للنفط، مما أدى إلى اشتعال حريق كبير، ووصفه بأنه جريمة إرهابية خطيرة تعرض المصالح العليا لمملكة البحرين للخطر، وتروع الآمنين من مواطنيها والمقيمين فيها.
المملكة العربية السعودية: أعلنت وزارة الخارجية السعودية إدانتها للتفجير الذي أدى إلى حريق بأحد أنابيب النفط بالبحرين. وجددت إدانتها لجميع الأعمال التخريبية والإرهابية التي تقوم بها إيران لزعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وأكدت وقوف المملكة مع البحرين ضد كل ما يخل بأمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها والمقيمين فيها. وأعلنت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية دعمها الكامل لقطاع الطاقة في البحرين، في مواجهة العمل العدواني الذي وقع على خط الأنابيب في منطقة "بوري"، كما أعلنت الرياض تشديد الإجراءات الأمنية حول المنشآت النفطية السعودية، تحسبًا لأى تهديد إرهابي ضدها.
مصر: دانت مصر فى بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، في 11 نوفمبر 2017، الهجوم الإرهابى على أنبوب النفط فى البحرين، وجددت القاهرة تضامنها مع حكومة وشعب البحرين، فى مواجهة الأعمال الإرهابية والتخريبية التى تستهدف أمن واستقرار المملكة.
الأزمة القطرية .. بعد الانفجار:
ثمة تأثيرات محتملة لانفجار أنبوب نفط البحرين فى أزمة المقاطعة لقطر، منها:
اتجاه قطر للتصعيد: يشير استهداف أمن مملكة البحرين بالتفجير الأخير، فضلا عن تزامن ذلك مع إسقاط صواريخ حوثية، مدعومة من إيران على شمال الرياض، إلى حرص الدوحة على تصعيد الأزمة مع دول المقاطعة الأربع (السعودية، والبحرين، والإمارات، ومصر) التي اتخذت قرارها بالمقاطعة للدوحة، منذ 5 يونيو 2017، احتجاجا على السلوك القطري المهدد للأمن القومي الخليجي والعربي.
تمسك الدول المقاطعة بموقفها: جدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي استمرار الموقف المصري- السعودي- الإماراتي- البحريني المشترك تجاه قطر، ورهن أى تغير فيه باستجابة قطر لمطالب الدول الأربع، والتي تتمثل في منع التدخل في الشأن العربي الداخلي، واحترام سيادة الدول، ومنع تمويل الجماعات الإرهابية، وذلك على هامش حواره الإعلامي "بمنتدى شباب العالم" بشرم الشيخ. كما أصدر وزراء إعلام الدول الأربع المقاطِعة لقطر بيانا فى 29 أكتوبر 2017 أكدوا فيه ضرورة التصدى للدور القطرى الداعم للإرهاب. ويؤكد هذا التنسيق المستمر بين مواقف الدول الأربع تمسكها بموقفها من الدوحة التي لا تزال ترفض الاستجابة لمطالبهم.
فشل الوساطات لحل الأزمة: رفض وزير الخارجية الأمريكي، "ريكس تيلرسون"، تدخل بلاده للوساطة بين دول مجلس التعاون الخليجي لإنهاء الأزمة القطرية، أو فرض حل جذري للأزمة عليهم، وذلك خلال جولته الإقليمية الموسعة التي انتهت في 27 أكتوبر الجاري، وزار خلالها قطر والسعودية. كما فشلت الوساطة الكويتية حتى الآن في التوصل إلى حل للأزمة، بعد مرور خمسة أشهر على اندلاعها في منتصف العام الجاري، مما ينذر بإمكانية أن تستمر الأزمة لعام أو اثنين، حال استمر كل طرف متمسكا بموقفه.
مستقبل القمة الخليجية المقبلة:
تعقد كل عام في شهر ديسمبر القمة الخليجية الدورية، بيد أن هناك شكوكا حول عقدها الشهر المقبل، نظرًا لاستمرار الأزمة الخليجية، حيث طالبت الرياض والمنامة بإرجاء القمة، وهناك اعتراضات بحرينية علي حضور أى اجتماع خليجي أو عربي تمثل فيه الدوحة بوفد رسمي، ولذا فإن هناك عدة سيناريوهات لعقد القمة، منها:
إرجاء القمة الخليجية: ترى قطر أن انعقاد القمة الخليجية المقبلة فرصة ذهبية للحوار وحل الأزمة، بيد أن مصادر دبلوماسية بالرياض كشفت عن رغبة المملكة في إرجاء القمة لستة أشهر قادمة. وهذا السيناريو يعد الأرجح. وحال تم ذلك، تكون الأزمة القطرية قد أكملت عامها الأول، وهنا تطرح العديد من التساؤلات التي تجيب عنها السيناريوهات المستقبلية للأزمة. فهل ترغب الرياض في إحداث تغيير داخل النظام السياسي القطري قبل عقد أى قمة خليجية، ولذلك ترغب في إرجاء القمة المقبلة؟، أم تريد إطالة أمد الأزمة وإحكام المقاطعة على الدوحة لتقبل الأخيرة بشروط الدول المقاطعة لإنهاء الأزمة الاقتصادية بها؟، أم تسعى إلى إجراء عدد من الترتيبات الإقليمية المرتبطة بوضع إيران وتحالفها مع قطر، مما سيكون له تأثير فى الأزمة بين الدوحة والدول الأربع.
عقد القمة بلا قطر: ربما تلجأ دول مجلس التعاون الخليجي بعقد القمة الخليجية المقبلة بلا حضور قطري وعزل الدوحة، على أن يمثل فيها الدول الخمس لمجلس التعاون، وهي (السعودية، والبحرين، والكويت، والإمارات، وسلطنة عمان). وحال تم ذلك، ستكون تلك المرة الأولى التي تعقد فيها قمة خليجية، ويتم عزل إحدى دول مجلس التعاون.
تجميد عضوية قطر في المجلس: ربما تلجأ الرياض لفرض المزيد من العقوبات على الدوحة، ومنها تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، من خلال عقد القمة الخليجية المقبلة، وتقديم اقتراح لها بتجميد العضوية، والموافقة عليه بالإجماع من قبل الدول الأعضاء. وبذلك لا يحق لقطر حضور أى اجتماعات لمجلس التعاون، حتى يتم إعادة عضويتها مرة أخرى.
عقد القمة بحضور قطر: ربما ترغب دول مجلس التعاون الخليجي في احتواء الأزمة وعدم تصعيدها، وذلك عبر عقد القمة الخليجية في موعدها وتمثيل قطر، على أن يقتصر حضورها علي استكمال القواعد البروتوكولية والدبلوماسية فحسب، كما حضرت الدوحة اجتماعات جامعة الدول العربية. وربما يقوم أمير الكويت باستكمال وساطته لتتم المصالحة الخليجية، حال استجابت الدوحة لمطالب الدول المقاطعة.
وأخيرا، إن احتمالات تورط قطر في تفجير أنبوب نفطي بالبحرين، تعد حلقة جديدة من سلسلة حلقات التهديد القطري للأمن البحريني والخليجي، وسيؤدي لتداعيات جمة تعيد رسم العلاقات الخليجية-الخليجية خلال المرحلة المقبلة.