في ظل تراجع تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، تصاعدت المخاوف من لجوء التنظيم إلى حرب العصابات، خلال الفترة المقبلة، بعد اقترابه من الانهيار التنظيمي، إثر سقوط مدينة الرقة السورية، عاصمته الإدارية والتنظيمية، وكذلك قرب سقوط مدينة "دير الزور"، العاصمة البديلة، التي نقل إليها أخيرا أبرز قياداته، مما يعنى تشتت مقاتليه إلى مجموعات صغيرة. وفي ظل هذا المأزق الداعشي، ثمة تساؤل حول المقومات التي يملكها "داعش"، كي يتحول إلى أسلوب حرب العصابات، كإحدى وسائل مواصلة القتال.
الخيار الوحيد:
يبدو أن اتباع "داعش" لاستراتيجية حرب العصابات هى الخيار الوحيد خلال المرحلة المقبلة، نظراً لأنه لا يوجد طريق آخر لمواصلة القتال، مع إدراك قادته بأن هذه الاستراتيجية لا يمكن الاستمرار فيها لفترة طويلة، خاصة أنه من المحتمل أن يتخلى عددً من مقاتليه عن الاستمرار في المواجهات، وتفضيل الاستسلام أو الهروب من صفوف التنظيم، بسبب حالة الاهتزاز التنظيمي، والانهيار المعنوي، التي أصابتهم جراء الهزائم والانكسارات المتتالية.
فمنذ أن أعلن "داعش" عن قيام "دولته" المزعومة، وهو يرفع شعار "باقية وتتمدد"، وهذا ما دفعه إلى توسيع نشاطه، وإنشاء العديد من الفروع الخارجية. وبالتالي، فإن تلك الهزائم، وخسارته المزيد من الأراضي، يتناقضان مع هذا الشعار، ويشككان في بقاء التنظيم الذي يروج بأنه يمثل دولة الإسلام المؤيدة من الله، والتي لا يمكن أن تسقط أبدا، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة في ثوابت التنظيم، وقدرة قيادته في الحفاظ على ما تبقى منه.
مقومات داعشية:
يملك تنظيم "داعش" مقومات قد تساعده على ممارسة حرب العصابات، برغم الانحسار الذي لحق له، ومن أبرزها:
المعرفة الجيدة بالأرض: يملك "داعش" أعدادا كبيرة من المقاتلين المحليين الذين لديهم معرفة جيدة بالأرض وطبيعتها الجغرافية، وقد يساعده ذلك في تشكيل مجموعات تعمل على استغلال الأرض خلال المواجهات القادمة، عبر شن هجمات خاطفة، ونصب كمائن متفرقة، في بعض المناطق غير المتوقعة. ولعل ذلك ما دفع التنظيم مؤخراً إلى حث مقاتليه الفارين من المدن العراقية والسورية المحررة إلى التوجه صوب الصحراء الشاسعة لتكوين مجموعات صغيرة، يمكن من خلالها ممارسة حرب العصابات.
القدرة على التخفي: فنظرا لأن المقاتلين المحليين الذين يعتمد عليهم "داعش" هم من التركيبة السكانية ذاتها في المناطق التي ينشطون فيها، لذا فإنهم لا يختلفون من حيث الشكل، والملامح، واللهجة، والزى، مما قد يمنحهم القدرة على التخفي بين السكان والتحرك دون لفت الأنظار، في ظل معرفتهم بالعائلات والقبائل وشبكة العلاقات السائدة في تلك المناطق ، وبالتالي شن الهجمات الإرهابية الخاطفة، والعودة مرة أخرى إلى أوكارهم بشكل سريع.
شبكة العلاقات الاجتماعية: بما أن العديد من المقاتلين المحليين من أبناء القبائل والعشائر، لذا فإنهم يتمتعون بشبكة علاقات اجتماعية جيدة، ببسب علاقات القرابة والمصاهرة، فضلاً عن الانتماء القبلي والعائلي، وقد يسمح ذلك لهم بالحصول على قدر من المساعدة والدعم في تنفيذ عملياتهم الإرهابية خلال حرب العصابات. إضافة إلى الحماية والإيواء في حالة المطاردة الأمنية، بما يساعدهم على الاستمرار في تلك الحرب لفترة من الزمن.
المقاتلون الأجانب: يجمع تنظيم "داعش" بين صفوفه العديد من المقاتلين الأجانب الذين ليس أمامهم بديل آخر، وهو ما قد يساعده على شن حرب عصابات، لا سيما أن هؤلاء المقاتلين يملكون القدرة على القيام بالعمليات الانتحارية.
سلاح الانتحاريين: يعتمد تنظيم "داعش" على العمليات الانتحارية أو الانغماسية، منذ بدء عملية تحرير الموصل في أكتوبر 2016، والتي تحتاج إلى أفراد لديهم اقتناع فكرى غير تقليدى، وهو ما يعد أبرز أسلحة التنظيم في حرب العصابات. ووفقا لصحيفة النبأ الأسبوعية، في العدد (89)، الصادر في 13 يوليو 2017، والتي يصدرها "داعش"، فقد بلغت العمليات الانتحارية لمقاتلي التنظيم، خلال معركة الموصل العراقية، فقط 482 عملية.
في ضوء ما سبق، فإن لجوء تنظيم داعش إلى حرب العصابات هو خيار لا بديل عنه لمقاتلي التنظيم الراغبين في القتال خلال المرحلة القادمة، سواء من المقاتلين المحليين أو الأجانب. وبرغم ذلك، فقد لا يتمكن التنظيم من مواصلة هذه الحرب لفترة طويلة، الأمر الذي يشير إلى أن استراتيجية حرب العصابات لـ"داعش" ستكون بداية النهاية لوجوده في العراق وسوريا، لأنه سيستنفد خلالها البقية الباقية من مقاتليه، وكذلك مصادر تمويل وشبكة علاقات، لتبدأ بعدها المعركة الأكثر صعوبة، وهى المواجهة الفكرية.
رابط دائم: