مما لا شك فيه أن السنوات القليلة الماضية، أو مع بداية ما يسمى بالربيع العربى، قد أعادت تشكيل وجدان ووعى الشعب المصرى، مما جعله حائط صد مع قواتنا المسلحة لحماية هذا البلد من مصير أسود طال دول شقيقة لا تزال تعانيه حتى يومنا هذا. ولكن يبدو أنه مع وصول رئيس ذى خلفية عسكرية لسدة الحكم، رأى الشعب أن مهمته قد انتهت، وأن على الرئيس أن يتحمل وحده المسؤلية، متناسيا أننا لا نزال ندير المعركة ضد قوى الشر، ومتناسيا أيضا أن دوره كشعب لا يقل أهمية عن مؤسسات الدولة التى حافظت على مصر على مر التاريخ.
لقد عاد الشعب مرة أخرى إلى مقاعد المتفرج الذى يهوى التحليل، والتنظير من زاويته الخاصة، كما يحلل تماما مباريات كرة القدم، متناسيا أن الصمت الواعى والمساندة المعنوية هما أفضل خدمة يقدمها لبلده وهو يدير معركة كونية. وما دعانى اليوم إلى أن أكتب هذه السطور هو أننى شعرت بأنه من واجبى نحو بلدى أن أطرح رؤية قد تتفق أو تختلف معها، لكنها ربما تساعدنا جميعا فى أن نرى الأمور من زواية مختلفة.
ودعونا نبدأ من حادث طريق الواحات الأخير، الذى فقدنا فيه عددا من الشهداء هم خيرة شباب مصر. لقد دفعنا غضبنا وحبنا لبلدنا لردود أفعال غير محسوبة ومبنية فقط على العواطف، أو على اتفاقك أو اختلافك مع النظام. وأنا لا أسلبك هذا الحق، فهو مقبول، ومشروع، وإنسانى تماما، ولكن ما هو غير مشروع أن يصبح انفعالك هذا أداة تهديد وخطورة على أمن واستقرار البلاد. بمعنى أن الكثير منا كال الاتهامات العنيفة لمؤسسات الدولة بالتقصير، والضعف، والتخبط، متناسين أنهم هم من يديرون المعركة ولسنا نحن، متغافلين عن أنه ربما ما حدث كان أقل الخسائر التى كان من الممكن أن تكون أضخم بكثير مما حدث، لولا هؤلاء الشهداء الذين منعوا خطرا محتوما كان من الممكن أن يطولك وأنت تنظر على مواقع التواصل الاجتماعى.
ما أدراك بتفاصيل ما دار؟ لقد جعلت نفسك أداة فى يد عدوك، يلعب على وتر عواطفك، ويحبطك، ويشكك فتقوم أنت بنشر هذا الشعور طواعية وسط مجتمعك، مساهما فى تثبيط معنويات من يفديك بدمه وشبابه. قد يقول البعض لماذا لم يتم نشر معلومات تتصدى لهذا التخبط؟ وما أدراك؟ ربما يكون هذا الصمت مقصودا حتى يُخرج العدو ما عنده، ويتم رصد من يقوم بمساعدته. منذ متى وتفاصيل الحروب و التحركات تذاع على الملأ؟
المشكلة أننا أصبحنا نساعد أعداءنا دون أن ندرى ونمدهم بالمعلومات، والنظريات، و الحالة النفسية لمجتمعنا عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى. لم يعد العدو يجتهد لتجنيد عملاء، فقد قدم له رواد مواقع التواصل الخدمة طواعية دون حاجة للتدريب و التمويل. فى المعارك، ليس لدينا حقوق فيما يسمى بتدوال المعلومات. فى المعارك، ليس لدينا رفاهية التنظير، و التحليل، والانجراف فى كيل الاتهامات لمؤسسات الدولة. الحق الوحيد المكفول هو الوقوف خلف تلك المؤسسات، و دعمها معنويا.
أرجوك أيها المواطن لا تشخصن الأمور، لا تندفع بعواطفك الجارفة لتدمر وطنك، لا تصب جام غضبك من أمور لا تعجبك على مؤسسات لولاها لكنت الآن فى خيمة على الحدود. إن لم تستطع أن توسع رؤيتك، وتنظر خلف الصورة، فلا تنظّر، لكن ما يمكن أن تفعله هو ألا تتوقف عن الدعاء بأن يحفظ الله مصرنا. لقد حققت مصر المصالحة الفلسطينية، وأسهمت فى هدنة فى سوريا، و كذلك فى ليبيا، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة على عودة الاستقرار للمنطقة، ولذلك تدفع الثمن غاليا.
فهناك دول، مثل تركيا، وإيران، وقطر، وعلى رأسها إسرائيل، تحلم، منذ سنوات وعقود، بأن يتراجع دور مصر الإقليمى و العربى، وأن تصبح طوال الوقت منهكة بمشكلاتها الداخلية.
وختاما، سأذكركم بقصة حقيقية حدثت قبل حرب أكتوبر فى الإسكندرية، حيث أقيم حفل ضخم فى أحد الفنادق الكبرى، وكانت الراقصة سهير زكى نجمة الحفل. وكان بعض المدعوين من الرتب العسكرية، وقامت الدنيا، ولم تقعد، و هاجمت الصحافة والشعب الدولة، وكالت لهم أبشع الاتهامات بأنهم يلهون ونسوا ثأر ٦٧. لكن حقيقة الأمر أن هذا الحفل كان غطاء لاجتماع مخابراتي يدار فى الفندق نفسه، واستخدم الحفل خديعة. هل كان مطلوبا وقتها أن يتم تبرير الحفل للشعب حتى يهدأ؟ أجب بنفسك عن هذا السؤال، ولا تنس أن تدعو الله أن يحفظ مصرنا، ويقوى مؤسساتنا على ما تخوضه من معارك لأجلك حمايتك وتجنيبك الشر والخطر.
رابط دائم: