منذ قيام الحضارات القديمة، استشعرت الشعوب وقياداتها، من ملوك، وأباطرة، وفراعنة، ضرورة وجود القوة العسكرية لبنائها، ثم الدفاع عنها. وتمثلت هذه القوة فى الجيوش العسكرية، حيث استطاعت هذه الحضارات، أو الدول الممثلة لها، التوسع والغزو الخارجى لدول وممالك للجوار الإقليمى أو الدولى، واحتلال أراضى الغير بالقوة العسكرية، كما حدث مع كل الحضارات القديمة، مثل الفرعونية، والبابلية، والآشورية، والفارسية، والإغريقية، والرومانية، وحديثا مثل الإمبراطورية البريطانية، وكذا الفرنسية. وأصبحت الجيوش العسكرية هى الوسيلة الفعالة والمحققة للسيطرة على الأهداف المرجوة، وهى أيضا للتأمين ضد الأخطار الخارجية، أو العصيان من الدول المحتلة وقمعها .
كانت سيطرة القادة العسكريين، والاحتفاء بهم، ورفع مكانتهم بين شعوبهم هى الصفات المميزة فى تلك الحقب، حتى أطلق على القائد العسكرى لفظ الاستراتيجى. ثم انتقلت التسمية إلى القرار العسكرى بعد ذلك. ومن هنا، أصبحت القوة العسكرية من المقومات الأساسية لبناء الدولة، والحفاظ عليها وعلى مصالحها العليا، وذلك حتى القرن التاسع عشر، حيث تطورت الجيوش من حيث المكونات القتالية لها، واتخذت الأشكال ومسميات طبقا لمهامها ونوعية العمل القتالى، مثل القوات البرية، والقوات البحرية، والقوات الجوية فيما بعد .
أضيف، خلال القرن العشرين، إلى القوة العسكرية القوة الاقتصادية لما لها من أهمية كبرى فى الحروب، خاصة خارج إقليم الدولة المستعمرة أو المهاجمة. وقد تطورت مفاهيم استخدام القوى بشكل عام، وظهرت قوى أخرى مؤثرة فى نتائج الحروب وتحقيق أهدافها، ووضعت فى معادلات حسابية، وسميت بمعادلة القوة الشاملة للدولة، وتضمنت القدرة العسكرية كعنصر أساسى، وذلك لأهميتها لتحقيق الأمن القومى أو الوطنى للدولة، أو تجمع دولى فى شكل اتحاد، أو شبه اتحاد، أو تحالف دولى، مثل حلف شمال الأطلنطى حتى الآن، وحلف وارسو سابقا. وأصبح المجال العسكرى هو من أبرز وأهم مجالات الأمن القومى حاليا، ويجب دراسته بعناية لتحديد مدى فاعليته فى حماية المصالح الحيوية للدولة.
والأمن العسكري هو أكثر مجالات الأمن القومي فاعلية، كما أنه المجال الذي لا يُسمح بضعفه أبداً، لأن ذلك الضعف يؤدي إلى انهيار أمن الدولة القومي، ويعرضها لأخطار وتهديدات عنيفة. ويفترض أن الدول لا تستخدم قوتها العسكرية إلا بعد أن تستنفد القوى الأخرى وسائلها (السياسية والاقتصادية)، ووجود القوة المسلحة بالقدر المتفوق، مع توافر إرادة استخدامها، بقدر مناسب من المصداقية، تردع الآخرين عن التعرض لمصالح الدولة.
ويتطلب هذا المجال إعداد حجم من القوات المسلحة، بتسليح عصري مناسب للعدائيات المحتملة، قادرة على الحركة، للدفاع عن حدود الدولة السياسية، وحماية الأهداف الحيوية، وتحقيق الأهداف القومية، الداخلية والخارجية، وتنفيذ الالتزامات الإقليمية والدولية.
ويرتبط هذا المجال بباقي مجالات الأمن القومي ارتباطاً شديداً. فضعف أي منهما يؤثر فى القوة العسكرية، بينما قوة هذه المجالات تزيد من القوة العسكرية. فالضعف السياسي يؤثر فى مصداقية اتخاذ قرار استخدام القوة المسلحة، بينما يكون مهماً استخدامها مبكراً لتغطية هذا الضعف. وضعف القدرة الاقتصادية يحد من إمكانية بناء قوة مسلحة كبيرة الحجم، كما لا يمكّن من تسليحها بأسلحة عصرية فعّالة. والضعف في المجال الاجتماعي، بعناصره المتعددة، يؤدي إلى الحد من حجم القوات، أو عدم القدرة على استيعاب الأسلحة الحديثة، أو قد تكون القوة المسلحة ضعيفة الإيمان بالقضايا القومية، أو موالية لطائفة أيديولوجية بعينها، مما يؤثر فى أدائها القتالي.
تتأثر القوة العسكرية بإمكانات الصناعة الحربية في الدولة، ودرجة التقنية المتاح استخدامها فيها، وإمكانات علمائها في التطوير. ولسد هذا العجز، فان المجال الاقتصادي يتحمل أعباء ضخمة لاستيراد الأسلحة والمعدات القتالية الحديثة، الباهظة التكلفة، مع وجود قيود على القرار السياسي للدولة تجاه الدول الموردة للأسلحة، خاصة أنه لم يعد متاحاً هذا الهامش من المرونة بين المعسكرين في النظام الدولي السابق الثنائي القطبية، والذي كان يتيح للقيادات السياسية تنويع مصادر الأسلحة.
رابط دائم: