ثمّة تساؤلات كثيرة طرحت نفسها -ولا تزال- على المشهد العام في مصر، خلال السنوات القليلة الماضية، قبل أن تصبح شديدة الأهمية، بعد ثورة 30 يونيو 2013، مفادها: ماذا تفعل الشئون المعنوية بالقوات المسلحة؟ وما حقيقة الدور الذي تلعبه في المشهد الإعلامي؟ وماذا عن تأثير هذا الدور؟ وكيف أصبح على هذا النحو غير المسبوق؟
الإجابة عن هذه التساؤلات تفرض علينا التوقف قليلًا عند مطالب وشعارات كثيرة (ومتناقضة)، رفعتها جماعات وقوى وائتلافات (بعضها قديم نسبيًّا، والآخر وجد نفسه في صدارة المشهد) بعد 25 يناير 2011)، لكن من وسط تلك المطالب التى تتعلق بـ"العدالة الاجتماعية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية"، كان هناك شبه اتفاق بين ما يسمى "القوى الثورية" على إلغاء وزارة الإعلام!!
لم يلتفت الرأي العام الذي كان غارقًا في مليونيات حاشدة (متنوعة الأسماء، والشعارات، والمطالب) تموج بها الميادين المصرية، لتلك الدعوة المثيرة للدهشة.. أولًا، لأن إلغاء وزارة الإعلام لم يكن ضرورة حيوية، حتى تتصدر المطالب، آنذاك.. وثانيًا، لأن الإصرار على تلك الخطوة بدا حينها قرارًا مشتركًا لمن يحركون الميادين من القوى والجماعات!!
في خضم المبررات الترويجية (رغم عدم موضوعيتها) تم الاستسلام للضغوط، وإلغاء الوزارة.. راح الإعلام الخاص (متعدد الاتجاهات، والأهواء) يعلن عن نفسه، زاعمًا أنه يمثل "إعلام الشارع"، في مواجهة ما تم وصفه حينذاك بـ"إعلام السلطة".. كان هناك إصرار عجيب من الفاعلين (قوى دينية، وليبرالية، وشبابية...) على "كسر إعلام الدولة"، بحجة "الحد من التكلفة"، وتراجع تأثيرها في الجماهير!
بغياب الحاضنة (وزارة الإعلام) تفَّرق شمل المؤسسات الإعلامية الرسمية (اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. المؤسسات الصحفية القومية.. هيئة الاستعلامات...).. حدثت ثغرة واسعة في مناطق مفصلية، تسربت منها وخلالها خطط سابقة التجهيز تستهدف كل قطاعات الدولة.. لم يكن بمقدور الشارع أن يستوعب ما يحدث، في ظل عمليات تشتيت وتمويه، لمنع الدولة (بكل السبل، وبأي ثمن) من التعبير عن نفسها.
يستطيع المراقب أن يدرك خطورة النتائج التى ترتبت على ما حدث .. كان تغييب وزارة الإعلام بداية لتطبيق دعايات (رمادية، تختفي وراء أهداف معينة، دون توضيح المصدر، وأخرى وسوداء، تتصف بالكتمان وعدم العلانية) بسياسة الأمر الواقع.. تكشف ذلك في تناول ومعالجة كل الملفات المطروحة.. تكفلت حالة "الثورة الدائمة" المدعومة من عناصر (خفية، وعلنية) بالعمل على دفع الحشود الشعبية نحو مخطط استهداف واستنزاف وهدم المؤسسات الوطنية، قبل 30 يونيو 2013.
في غيبة العقل الجمعي (نخب سياسية، ومثقفة، ومجتمع مدني قوى) الذي يقود الرأي العام الغاضب والمشتت، وجدت "الشئون المعنوية للقوات المسلحة" نفسها وجهًا لوجه مع أزمة دولة.. كانت معظم القوى تتكالب لمنع الدولة من التعبير عن نفسها، من خلال فرض الوصاية على الإعلام الحكومي، واستبدال أدوات جديدة مجهولة التوجهات بهذا الإعلام.
الشئون المعنوية (بحكم مهمة تأسسيها) صاحبة أدوار محددة، شديدة الانضباط.. هى واجهة إعلامية للقوات المسلحة.. من مهامها توفير التأمين النفسي، وتعزيز الروح المعنوية القوية لأفراد الجيش، وحمايتهم من أي انحراف.. تساعد القيادة العامة للقوات المسلحة في اتّخاذ القرارات .. تحفز المواطنين على المشاركة في المهامّ والواجبات الوطنية.
لكنها (كما المجلس الأعلى للقوات المسلحة) وجدت نفسها أمام مستجدات مهمة، سواء بعد 25 يناير 2011 مباشرة، أو خلال الفترة اللاحقة الحافلة بالأحداث والتطورات الدرامية.. زادت الأعباء على الشئون المعنوية في غيبة وزارة الإعلام، غير أنها لم تتراجع ولم تشك من ثقل المهمة.. يستطيع أن يدرك ذلك، الراصد للأساليب التي راحت قوى التآمر تستهدف الشعب المصري، ممثلة فى دعوات "تحدى القوانين.. إلغاء القرارات.. العصيان المدني، لشل يد الدولة سياسيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا...".
تمددت حالة استهداف المؤسسات الوطنية، بعدما تم تدريب نشطاء (!!!) مهمتهم تأليب الرأي العام على مواجهة أجهزة الأمن، وتسويق الصور ومقاطع الفيديو المصنوعة بحرفية لزيادة الاحتقان، والحشد ضد المؤسسات الرسمية، من خلال التركيز على بشاعة عمليات القتل (حتى وإن كان القتلة هم النشطاء أنفسهم).. كانت تلك الدعوات (التحريضية- التفكيكية) تتبناها تيارات وجماعات وقوى تزعم تبنِّى العمل السياسي، بينما الواقع يشهد بدورها التخريبي.
تبدَّى ذلك بقوة، عندما خلعت تلك القوى والجماعات رداء السياسة، وشرعت في تسطيح فكرة الأمن القومي، واستنزاف قوى الدولة الشاملة (تشمل قوى الدولة، وفق التعريف الغربي، والقوة العسكرية، والقوى السياسية، القوى الداخلية، التى تتضمن الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمعنوية، والسكانية. ووفق التعريف الشرقي: القوة العسكرية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والمعنوية بما فيها الإعلام).
توحشت عملية الاستهداف في مواجهة بقية مصادر القوة (الدعم الشعبي.. الشرعية السياسية.. الحلفاء المحليين من الأحزاب والقوى السياسية.. الدعم الخارجي) ضمن مخطط شديد الإحكام لمحاصرة وعزل النظام السياسي في الدولة، عن الحاضنة الشعبية من ناحية، وعن محيطه الخارجي من ناحية أخرى.
وجدت الشئون المعنوية نفسها مجبرة على تفعيل مخزون الخبرة التراكمية، التى ظهرت بقوة خلال حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر.. شرعت على الفور في تبني استراتيجية معدلة تتواكب مع المتغيرات المتسارعة، لمواجهة فترة غاية في الدقة والحساسية في مسيرة الوطن.. منذ اللحظة الأولى، تأكد ضلوع دول إقليمية، وأجهزة استخبارات دولية في تحريك قطع شطرنج تلعب دورا وظيفيا في تأجيج الصراع في مصر.
فرضت التطورات (التقليدية، والاستثنائية) نفسها على خطط عمل "الشئون المعنوية"، عندما راحت تملأ فراغ خلفته غياب مؤسسات أخرى.. وزعت رسالتها ومهامّها بين المؤسسة العسكرية، والقطاع المدني على السواء.. كانت فلسفة عملها: حماية الجبهة الداخلية من محاولات الاختراق المعادية.. تعميق مفهوم الانتماء، عبر تهيئة شاملة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مواجهة مخططات .. تبارت قوى التآمر في استخدام كل ما هو متاح من أساليب لاختراق المجتمع بها.
لم تكن المهمة سهلة، لاسيما أنها كانت تتطلب مقاومة سيل الشائعات، والدعاية المضادة، والحرب النفسية، التى توظف أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا من أدوات، ووسائل فى هذا الشأن.. لم يكن هناك تهاون فى التعبير عن القوى الشاملة للدولة، وأن تصبح الدولة قادرة على استخدام مواردها بطريقة مؤثرة (إقليميًّا، ودوليًّا)، من أجل صياغة السياسة القومية المأمولة، والمطلوبة فى الوقت نفسه.
نجحت الرسالة الوطنية التى حملتها الشئون المعنوية على عاتقها، من خلال تحصين المجتمع قدر الإمكان ضد الشائعات، سواء خلال الفترة التى وجد فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، نفسه مجبرًا على إدارة المشهد السياسي، وفض الاشتباك بين القوى السياسية المتصارعة، أو من خلال دوره في الإشراف (بحيادية شهد بها العالم) على كل مراحل الانتخابات (البرلمانية – الرئاسية).
شكلت الجهود الشاملة للشئون المعنوية، تحديدا البيانات التوضيحية والتحذيرية، (من كل ما من شأنه النيل من الروح المعنوية لعموم الشعب) فرصة مهمة للتعريف بالموقف السياسي وتطوراته.. لم يكن الخطاب (الإعلامي) في كل المحطات مقصورا على الجبهة الداخلية، لكنه راح يشرح للرأي العام الدولي أهداف ومرامي الدولة المصرية.. وكيف أن مصر التى انتفضت على حكم جماعة إرهابية (تساعدها قوى تابعة) تستهدف هوية المجتمع، وتعمل على تحويل عملية التعايش المشترك بين نسيجه الوطني إلى قلاقل ستنعكس على الأمن والسلم الإقليميين..
رغم إعادة تصويب البوصلة، وسير مصر فى طريقها المرسوم (شعبيا) لم يتوقف دور الشئون المعنوية.. تواصل تحمل مسئولياتها الوطنية فى التعبير عن حجم ما يتم على الأرض من جهود (وطنية، وتنموية)، وسط سعادة بعودة الزخم لقيمة الانتماء، ومؤازرة الشعب لقواته المسلحة.. في تسجيل وتوثيق وتوضيح خطة التنمية الشاملة التي تنفذها الدولة المصرية، دون كلل أو ملل.