لم يكن تصريح سفيرنا بالعراق علاء موسى، ظهر الأحد الماضي، فى أثناء استقبال نائب رئيس الجمهورية العراقية نوري المالكي له، من رفض مصر للاستفتاء في كردستان، وتحذيره من خطورته على العراق، والمنطقة، إلا تأكيدا لسياسة مصر التي عبر عنها الرئيس السيسي مرات عديدة، بلغت حد التأكيد صراحة أن مصر تدعم العراق بالسلاح، والمعدات، وبالتدريب المشترك في مواجهة الإرهاب، وأن مصر مع الدولة الوطنية، ومؤسساتها الرسمية، ويأتي طبعا في مقدمة هذه المؤسسات الجيوش الوطنية. بل ولخص الرئيس السيسي الأمر كله حينما قال "المعركة في العراق ضد الإرهاب هي معركة مصر".
الساعات القادمة، وحتى إجراء الاستفتاء، حاسمة فعلا على العراق والمنطقة، فإما أن يتراجع الأكراد تحت الضغط الدولي الذي قد يؤدي إلى إفشال الفكرة بسبب عدم الحصول على الاعتراف المتوقع والمطلوب، وإما أن يسيروا إلى نهاية الشوط. وربما كان ذلك الاحتمال الغالب، خصوصا أن العلاقات بين الأكراد والعدو الإسرائيلي لم تعد سرا، رغم أنها ممتدة منذ عشرات السنين، لكن كان الاعتراف بها مستحيلا، في ظل وجود دوله مركزية قوية، بل باتت الآن معلنة صريحة تأتي على ألسنة مسئولين، ومحللين أكراد وإسرائيليين، حتى إنها جاءت على لسان مسعود البارزاني نفسه، الذي قال إن "العلاقات مع إسرائيل ليست جريمة في ظل وجود علاقات عربية رسمية معها". إلا أن الإضعاف التدريجي لهذه الدولة المركزية الوطنية أدى أيضا إلى بروز تدريجي لنيات الأكراد الحقيقية في الانفصال، وأحلامهم في إقامة كردستان الكبرى. وبدلا من أن يكون إعلان النيات التدريجي دافعا لليقظة في الدول المستهدفة، حدث العكس، حيث تم إشغال هذه الدول بمشكلات كانت لها الأولوية، مثل الإرهاب، أو "داعش"، وتحديدا في كل من العراق وسوريا، وباتت لها الأولوية في المواجهة بحسبانها الخطر الأقرب. وذهبت كل الإمكانيات لذلك فعلا. وفى أثناء المواجهات مع "داعش"، تسللت يد العون الأمريكية تمول، وتسلح، وتجند، وتدرب، فكان الدعم للبارزاني في العراق بعد مقدمات طويلة في تجهيز الإقليم لاستقبال أي دعم، إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، وتسليحها، وتدريبها.
ومن هنا، تكمن الخطورة التي أشرنا إليها، وهي أن نجاح الاستفتاء سيفتح شهية آخرين، ليس في سوريا فحسب، وإنما لحركات أخرى بالوطن العربي غير كردية بطبيعة الحال. وهنا، يجب ألا يتفرج العرب وبلادهم يتم تمزيقها عيانا بيانا أمام العالم كله. والأكثر خطورة في الأمر أن انفصال أكراد العراق، بعد انفصال جنوب السودان، وبدء تغيير الخريطة العربي والمنطقة، سيكون بالتأكيد بداية العد التنازلي لخريطة برنارد لويس، التي رسمها منذ سنوات طويلة للوطن العربي، وهي نفسها تقريبا خطة وخريطة الخبير الصهيوني "يعنون أوديد" التي وضعها عام 1982، ونفذت حرفيا في العراق، حتى إن " داعش"، التي تأسست بعد سنوات طويلة من وضع خطة يعنون، وقفت دولتها في 2015 عند نقطة محددة في بغداد وضعها يعنون نفسه عام 82، بما يؤكد أن هناك مخططا متكاملا يسير بمراحل تشرف عليه جهات خفية وتنفذه حرفيا.
الآن ما العمل؟ الحل العاجل في اجتماع فوري، إن لم يكن لقمة عربية، وهذا صعب الآن، فليكن لوزراء الخارجية العرب لإعلان قطع العلاقات العربية مع الدول التي ستعترف بكردستان بعد انفصالها. هذا الاجتماع الذي تأخر جدا، كان ينبغي أن يتم الأسبوع الماضي على الأكثر.
ومن المفترض أن أي أرض عربية ترقى إلى مكانة القدس الشريف، والتي أصدرت الجامعة العربية، منذ سنوات طويلة، قرارها بقطع العلاقات مع أي دولة تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، هذا وإلا فسينفرط عقد البلاد العربية ساعة بعد ساعة، بينما لم يزل البعض يؤكد كل حين أنه "لا توجد مؤامرة على بلادنا ولا يحزنون".
رابط دائم: