الهدف من هذا العنوان هو تفسير كيفية الوصول بالناتج القومي المصري إلى تريليون دولار فى المرحلة الأولى لنمو الاقتصاد الوطني، وهذا لن يتأتى بسهولة، بل يحتاج إلى فكر، ثم تخطيط، يليه تنفيذ دقيق جدا. المؤكد أن ما تقوم به الدولة من مشروعات قومية كبرى لبناء مصر الجديدة والحديثة هو تحرك حميد جدا، خاصة فيما يخص الجزء الاستثماري طويل الأجل، أو فيما يخص الجانب الاجتماعي.
قطاع الإنشاءات:
هذا القطاع يمثل ركيزة أساسية للبناء في مصر. فهى تحتاج إلى هذا القطاع الحيوي لمدة لا تقل عن 50 عاما قادمة لتجديد الدولة التي هرمت، وأصبح ما تمتلكه من ثروة عقارية مملوكة للقطاعين العام والخاص في مهب الريح، نظرا لعدم وجود نظام موحد للحفاظ على هذه الثروة، وكذلك لعدم استصدار قرارات وقوانين رادعة في العقود السابقة لتعارض المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة (زواج المال و السلطة).
كما كان البدء بتحريك هذا القطاع بمنزلة إعطاء الضوء الأخضر للتنمية في مصر وتحريك آلاف الشركات المتعددة التصنيفات، وملايين العمال، وتحريك الأموال الراكدة بفعل ركود الأسواق الإنشائية والصناعية والمالية معا.
قطاع الصناعة:
بدأت مصر في التحول إلى فكرة المناطق الصناعية الموحدة للصناعة، مثل صناعة الجلود في منطقة الروبيكى، ومدينة دمياط للأثاث، والصناعات الأخرى فى منطقة كوم أوسيم بالفيوم والصناعات البلاستيكية في مرغم بالإسكندرية.
وهذا توجه حميد جدا للحفاظ علي الصناعة من الاندثار، وتحديد نسبة الجادين في الاستمرار، وإمكانية دعمهم الكامل أو النسبي، حسب قدرة كل صانع، وهو يمثل تعظيمًا لقدرات الدولة والصانع معا، وتحديث الصناعة. بالتالي المنافسة أولا داخل السوق المحلى، ثم وجود أسواق خارجية تقبل بمنتج جيد لديه القدرة على الصمود في وجه المنافسين بجوده فنية عالية، ومنافسة سعرية تمكنه من اختراق الأسواق. كل هذه التحركات تأتى في ظل ظروف قاسية جداً، منها ضعف الإمكانيات والتمويل، وعدم وجود كوادر مؤهلة بصورة جيدة.
قطاع الزراعة:
يمثل هذا القطاع رئة وروح الدولة المصرية، إلا أن هذا القطاع تراجع في العقود السابقة تراجعا خطيرا أضر بكل أطراف العملية الإنتاجية، حيث سقط المخطط الزراعي، الذي من المفترض أن يخلق السياسات الزراعية، وتبعه سقوط الهيئات والجمعيات التي تعمل لدعم الفلاحين.
إلا أن المشروعات الجديدة الزراعية للدولة المصرية التي لا تزال تحت الإنشاء، والمتمثلة في الريف المصري الجديد، وما هو مخطط له سيقوم بإضافة جزء مهم للإنتاج الزراعي، وبالتالي زيادة المعروض وتحديد منطقة للأسعار، وفرص تشغيل، واستثمار، وبنية تحتية زراعية جديدة تمثل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
كل هذا يجب ألا ينسينا الأراضي الزراعية القديمة للدولة المصرية، والتي يقتات منها الشعب، وضرورة إعادة النظر العلمي السريع والمدروس للاستثمار والاستغلال الأمثل لها، ومضاعفة إنتاجها، وتحديث طرق الري بما يفيد وتقليل الفاقد من المياه. وهذا يحتاج إلى دراسات علمية واضحة، وتدخل مباشر من الدولة المركزية، وعدم ترك الأمر للمحافظات كل على حدة.
قطاع الأعمال العام:
هذا القطاع مهمته إدارة أملاك الدولة المصرية المملوكة للشعب. لكن على مدار عقود تراجعت هذه الأملاك، وقد كانت في صورة مصانع، وشركات متعددة الأنشطة بصورة مخيفة إلى أن وصل الأمر إلى مسألة الخصخصة سيئة السمعة، والتي شابها الكثير من العوار القانوني والفساد المالي، حتى وصل الحال بها نسبيا إلى التوقف، وجزء إلى الإغلاق، مع مطالبة الموظفين والعمال بالحوافز والزيادات المالية فيما أصبح يشبه مشهدا هزليا لدولة انهارت فعليا.
محاولة إصلاح هذا القطاع والشركات التابعة له مرت بمراحل متعددة، لكن للأسف الشديد لم يحقق بعد النتائج المطلوبة لأن كل أفكار التشغيل جزء منها لا يزال قائما على إسناد الأعمال بالأمر المباشر كما السابق، وجزء في محاولات لإعادة الهيكلة، ولم ينجح حتى الآن، وجزء تم بيعه خلسة تحاول الدولة استرداده بالتفاوض تارة وبالقانون تارة أخرى. وتتمثل محاولات الإصلاح، فيما يأتي:
* طرق الإصلاح:
قطاع الأعمال العام يمثل ذراع قوية للدولة، مثل وزارة الدفاع أو جهاز الخدمة الوطنية، ومشروعاته، حال استفاق، وأعيدت هيكلته بالشكل الصحيح، سيسهم بجزء مهم في الموازنة المصرية، ويصبح رقما مهما فى معادلة الناتج القومي، وهذا لابد له من اتباع الآتي:
إنشاء جهاز لإدارة الأصول المملوكة للدولة:
يصبح هذا الجهاز له صلاحياته الخاصة بقرار جمهوري، ويعين الأمين العام له بقرار جمهوري، على أن يتبع الرئاسة، وليس مجلس الوزراء. ويكون لهذا الجهاز الحق في إنشاء الشركات، وطرح جزء منها للاكتتاب العام، وطرح جزء منها لسوق المال.
كما أنه لابد أن يكون لهذا الجهاز، وعاء مصرفي كبير يقوم على استقبال موارده وتدبير احتياجاته، ويعمل كبنك مستقل تابع للبنك المركزي، ويعامل معاملة البنوك التجارية أيضا له مالها وعليه ما عليها. وأتصور أنه من الممكن الحصول على أحد البنوك الحكومية العاملة، وضمها لهذا الجهاز أو الحصول على أحد البنوك التجارية المعروضة للبيع حاليا.
كما يكون لهذا الجهاز الحق المباشر في التعامل مع مشروعات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وكذلك يحق له إنشاء مكتب دولي للاستشارات الهندسية، عوضا عن التعامل مع شركات خاصة وغير مصرية، حتى وإن كانت مرخصة طبقا للقانون المصري. كذلك، يحق لهذا الجهاز العمل عبر شركاته في جميع قطاعات الدولة في الداخل والخارج .
قطاع البنوك:
هو أحد أهم الأذرع فى الاقتصاد الوطني، ويمثل ركيزة أساسية في قوة أو ضعف الدولة. قوة البنوك دائما لا تقاس بحجم الودائع المكدسة، بل بالقدرة على تشغيلها، وجلب المزيد. وهذا ما عجزت عنه حتى الآن الإدارة المصرفية المصرية التي أعجبها إقراض الدولة على مشروعاتها دون التفكير في تحديث القطاع المصرفي في مصر، والذي يتنافس كله دون استثناء على ملف التجزئة المصرفية، والتي تمثل خطرا على الأموال التي تدور في هذا المجال، حيث إن البنوك لا قدرة لها على عمل دراسات اقتصادية لإدارة الأزمة مع العملاء، ولا قدرة لها على ابتكار أدوات مصرفية جديدة لجذب عملاء جدد لسوق المال المصري، وبالتالي فهي تدور في فلك الروتين القاتل.
ويتحمل هذا القطاع بسبب سياساته الروتينية نقص السيولة النقدية بالدولة، وكذلك عدم قدرته على فتح آفاق جديدة لجلب استثمارات جديدة من خلال مشروعات يطرحها للمستثمرين، من خلال الشراكة المباشرة أو عن طريق طرح اكتتاب عام. كما يتحمل هذا القطاع، الذي تتراكم فيه الودائع ولم يعد قادرا على توظيفها، مسئولية الابتعاد عن الاستثمار بسبب الفائدة المرتفعة التي يعطيها على الودائع بهدف جلب الأموال، وبالتالي يرتكن أصحاب الأموال إلى الربح الهادئ وعدم المخاطرة. كما يتحمل المسئولية عن تراجع توظيف أموال البنوك بسبب الفائدة المرتفعة على الإقراض.
بلا أدنى مواربة، إذا كان أحد أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد يدار بهذه الطريقة، فكيف لنا أن نفكر فى التنمية وجذب الاستثمارات الأجنبية. هذا القطاع لابد له من التطور والتغيير المباشر، ويحتاج إلى غربلة كاملة على مستوى القدرات المالية أو البشرية وربما لا يعلم البعض بمن فيهم بعض المسئولين أن تطوير هذا القطاع وإدارته بكفاءة عالية قد تشكل عوائده رقما مهما في الناتج القومي المصري.
هل يصدق أحد أن مصر ليس لديها بنوك خارجية على الأقل للحصول على عملات المغتربين التي يستحوذ تجار العملة على أكثر من نصف تحويلاتهم، في الوقت الذي تشكو فيه الدولة من ضعف الوارد من النقد الأجنبي، والأمر كله متعلق بعدم وجود رؤية، وفكر لهذا القطاع نهائيا. ونستكمل في مقالات أخرى أهم القطاعات الاقتصادية التي يسهم تطويرها في تحقيق التريليون دولار.