أيضا، هنالك صورة أخري زعمت فيها العديد من المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي أنهم يحرقون المسلمين أحياء في الشوارع، ويتسلى البوذيون بالتقاط الصور لهم تنكيلاً بالمسلمين. ولكن الحقيقة أن الصورة نشرت في صحيفة التليجراف البريطانية مرفقة بخبر "متظاهرون يحرقون النار في أنفسهم في مظاهرة" بتاريخ 31 مايو 2012 (8 ).
حقيقة الصراع
لكن حقيقة ما يحدث في بورما هو صراع عرقي يرتكز في ولاية اسمها "راكين"، بين مسلمين من أصول بنغالية يطلق عليهم "الروهينجا" يتمركزون في الشمال، وبين البوذيين. فالروهينجا هي الأقلية الناطقة باللغة البنغالية ومعظمهم من المسلمين في بورما، ولا تعترف الحكومة بهم وتعترض على هذا المسمى لهم، حيث تشير إلى أنهم بنغاليون دخلوا بورما خلال فترة الإمبراطورية البريطانية أو في وقت لاحق كمهاجرين غير شرعيين بعد حرب بنغلاديش من أجل الاستقلال في عام 1971.
ويقدر "الروهينجا" بأكثر من مليون نسمة يعيشون في البلاد، معظمهم في الجزء الشمالي من ولاية راكين على طول الحدود مع بنجلاديش والهند، وتقريبا يعيش كثيرون منهم خارجها. وعلى الرغم من أن كلمة " الروهينجا" لم تستخدم إلا على نطاق واسع منذ عام 1990، فإن النزاع على هوية " الروهينجا" تسبب في العديد من العواقب الوخيمة في بورما. وتعد "الروهينجا" أقلية من بين 135 مجموعة عرقية غير معترف بها رسميا في البلد.
وعلى الرغم من أعداد الروهينجا الكبيرة وجذورهم المحلية في بورما، فلا يتم عدّهم مواطنين، بل ويحرمون من الوصول إلى الخدمات الحكومية، وبالتالي فهم محرومون من حقوق المواطنة، ومضطهدون وممنوعون من السفر، وتتعامل الحكومة معهم كلاجئين، وهم يحاولون الهجرة إلى بنجلاديش منذ زمن.
لكن الحكومة البنغالية ترفض استقبالهم خلافا لبقية مسلمي بورما الذين يزيد عددهم على الستة ملايين، ويتمتعون بحقوق كاملة، ويتعايشون بسلام مع بقية الطوائف، لكنهم يواجهون تدهورا في أحوالهم، منذ أن بدأ الجيش البورمي التخلي عن السلطة في عام 2011، وبذلك فإن الصراع عرقي وليس دينيا.
وقد أدت النزعة القومية البوذية المتزايدة في بورما، حيث يدين 90 % من السكان بالبوذية، إلى عدد من القوانين المتعلقة بالدين، بما في ذلك القيود المفروضة على الزواج بين الأديان، مما أسهم في زيادة العنف العرقي في راكين، خصوصاً في عام 2012، عندما أدت أعمال الشغب الطائفية بعد اغتصاب امرأة إلى نزوح المسلمين على نطاق واسع، حيث انتقل الكثيرون إلى مخيمات النازحين المشردين.
وفر الروهينجا عبر الحدود إلى بنجلاديش على مدى عقود، ولكن تلك الفترة هي الأكثر ارتفاعاً في عدد الهاربين من بورما، حيث ذكرت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر الجاري أن عدد اللاجئين بلغ 123 ألف شخص فروا من بورما الغربية منذ 25 أغسطس الماضي وهو ما تسبب في تلك الموجة المفاجئة من العنف التي مارسها المتمردون. وكانت أولى علاماتها قد ظهرت في أكتوبر 2016، عندما قتل تسعة من رجال الشرطة على يد مسلحين قيل إنهم مسلمون، توالى بعدها مقتل العشرات، وتشريد الآلاف.
وازدادت الأمور سوءا في 25 أغسطس الماضي، بعد أن شنت جماعة مسلحة تدعى جيش "أراكان الروهينجا" للإنقاذ هجمات منسقة غير عادية على قوات الأمن في شمال راكين. وقال الجيش البورمي، ردا على ذلك، إنه قتل 370 مقاتلا مقيدين بالمجموعة، كما وقعت هجمات كبيرة على الممتلكات في مناطق الروهينجا في شمال راكين.
وبالتالي، فإن حال الروهينجا لا يختلف كثيراً عن العديد من الفئات الاجتماعية الإثنية المنتشرة في العالم العربي، أو الدول الإفريقية، وباقي العالم، وهو ما يجب التركيز عليه بحسبانه من النزاعات العرقية والإثنية، وليست الدينية، وهو ما استغلته الجماعات للترويج والمتاجرة باسم الدين الإسلامي والمسلمين من أجل الدعوة لمحاربة الإرهاب،
والدعم من أجل مواجهته، ونصرة الدين، والدعم والتمويل من أجل ذلك، وهو ما تتنافس المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي في توسيع انتشاره وتصديقه بعيداً عن الحقيقة، وهو ما قد يسوغ تضخيم الأحداث، وأن هناك من يسعى دوما لخلق حروب افتراضية، وتفريغها من مضمونها الحقيقي لصرف الأنظار إلى قضايا أخرى، وتشتيت الجهود، والتعتيم على ملفات وقضايا أخرى، واستغلال جموع المسلمين في دعم وتمويل ما هو ليس حقيقيا، فضلاً عن تشتيت الحكومات بوضعها أمام المسئولية الإنسانية لما يحدث، في ظل ما تعانيه المنطقة من أزمات، وموجات من عدم الاستقرار.