تمهلوا .. فأنا أعرف الإجابة سلفًا؛ وأعرف إنكم تعرفونها مثلي؛ ولكني أطلقها من جديد في وجوهكم؛ لعلنا نبدأ في المسيرالطويل في شارع "العلم" المُمنهج ، الذي يفضي بنا حتمًا ـ إذا أخلصنا النوايا ـ إلى "ميدان التنوير"؛ وبناء الإنسان /الإنسان .
وكان حكيمًا هذا المصري العملاق حين قال : ابنِ ابنك .. ولا تبني له ؛ واستثمر فيه .. ولا تستثمر له ! فهذا المصري قبل أن يفكر في إقامة صروح الأهرامات التي يريد الآن بعض الدهماء والغوغاء هدمها، صنع قبل التفكير في إنشائها حضارة عظيمة في كل المجالات الحياتية؛ ولم يخرج من بين صفوفهم ـ بالصدفة ـ الفلكي الذي درس القبة السماوية ومجرَّاتها وما تحويه من نجوم وشموس وأقمار، وحدَّد أين ومتى ستكون الشمس متعامدة على وجه قدس الأقداس، والمهندس الذي أبدع ورسم التصميمات وأخضع الأحجار الصماء لمدارات الشمس : شروقها وأفولها، والعامل الماهرالذي شيّد، والمخترع الذي صنع الآلات التي حملت الأحجار الهائلة، والفنان الذي نحت بإزميله أجمل ماأنتجته البشرية من فنون تشكيلية، والنُّوتي الذي عرف كيف يروَّض "حابي" في ثورته وجموحه، والطبيب الذي صنع الدواء وعالج المرضى، والجرَّاح الذي يحارأهل العلم الآن في كيف صنع الجبائر للعِظام؛ ومات ودُفنت معه أسرارفنون علم التحنيط ، والشاعرالذي نُقشت قصائده على جدران المعابد؛ والفلاَّح الذي عرف ـ بعلمه وليس بفطرته فقط ـ متى وكيف وأين يبدأ مواسم الزرع ومواسم الحصاد، فهو العابد الذي عرف الطريق إلى "الله"؛ وآمن بأنه "هو" سبحانه الذي ينبت الزرع ويملأ الضرع؛ قبل أن يهبط الوحي بالأديان والعقائد والكتب السماوية .
من هنا جاءت مفاهيم الحكمة واستخلاصها لكيفية التطبيق العملي على أرض الواقع؛ والإيمان الكامل بتمجيد الإنسان .. خليفة الله في الأرض؛ وهو الذي أمره بأن يكون طموحًا في طلب العلم من المهد إلى اللحد ( .. وقل ربِّ زدني علمًا ) ! فرأينا في مقدمة الصفوف صفوة العلماء والنجباء؛ الذين يحاولون قدر جهدهم تدارك الأمور وإصلاح ماأفسدته خلايا الشر في أطراف الجسد المصري؛ تلك الخلايا التي تنامت وانتشرت بفعل العديد من الأسباب المحلية والدولية ـ ليس هنا مجال إيضاحها فالكل يعلمها ـ التي حاولت أن تفرض قوتها وسطوتها على الساحة الدولية؛ ومحاولة إخراج "الأحلام القديمة" في شرق أوسط جديد من القبور، ولم تدرك تلك القوى الظلامية أن الإنسان المصري هو البنََاء العظيم لكل الحضارات على وجه الأرض؛ ولم يكن في يومٍ من الأيام على مر التاريخ داعية للهدم أو التخريب أو سفك الدماء .
ومن هنا كانت القناعة الكاملة من الدولة والقيادة بالمقولة سالفة الذكر! فآلت على نفسها أن تضطلع بدور"الأب" الذي يرعى مصالح الأبناء؛ لتزيح الحواجز والعقبات من طريق التقدم والإنطلاق، ولم تر في سبيل إزاحة تلك العراقيل؛ إلا البدء بالإصلاح الفوري المدروس لمنظومة "التعليم" في كل المراحل، وشاهدنا كيفية الاحتفال هذا العام بالمناسبة القومية في "عيد العلم" ، بإعطاء الإشارة ببدء المشروعات العملاقة التي من شأنها امتصاص قوى العمالة الفتية من الشباب المصري؛ ولتشيد له أعظم المشروعات الإنتاجية داخل ربوع مصرمن أقصاها إلى أقصاها، على أحدث الطرق العلمية والتكنولوجية التي وصلت اإليها بلدان العالم المتقدم؛ مع القناعة التامة بأن تقديم كل هذه المساعدات المادية واللوجستية والخبرات العلمية التي تحقق الطموحات لكل المخلصين على أرض الوطن، ماهي إلا استثمارًا متواصلاً للمستقبل وملكية عامة لمصر ولكل الأجيال القادمة . فإن إعادة بناء الإنسان المصري على كل الأسس العلمية المميزة ؛ هي التي ستقود إلى رفع كفاءة العمليات الإنتاجية والارتقاء بمستوى المعيشة للجميع؛ ولابد من القناعة التامة بأن رفع كفاءة "القوى البشرية" بالطرق التعليمية المثلى؛ هي الطريق الوحيد والمأمول لاستنهاض الهمم وتفجير الطاقات الخلاَّقة؛ وقديمًا قال الزعيم جمال عبد الناصر: إن من السهل بناء المصانع، ولكن من الصعب بناء الإنسان، الذى يدير هذه المصانع .
رابط دائم: