السيناريوهات المحتملة لانفصال كردستان العراق
16-8-2017

د. منى سليمان
* باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية
جدد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني تعهده بإجراء استفتاء على استقلال الإقليم في 25 سبتمبر 2017، رافضًا مطالب أمريكية وعراقية بضرورة تأجيل إجرائه، لأنه سيعرقل جهود محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث يرى بارزاني أن الوقت الراهن هو الأنسب لإجراء ذلك الاستفتاء، بعدما حقق الإقليم انتصارات عسكرية على "داعش" عززت من مكانته داخليًا وخارجيًا.
 
عوائق الانفصال: 
هناك العديد من التحديات التي تعرقل إجراء استفتاء تقرير المصير الذي سيخير مواطني كردستان العراق بين البقاء بالدولة الاتحادية العراقية، أو الانفصال وإعلان الدولة الكردية، ومنها:
 
(*) الخلافات الكردية- الكردية: دائما ما يتحدث بارزاني، بحسبانه الممثل الوحيد للشعب الكردي في كردستان العراق الذي يضم ثلاث محافظات هي (العاصمة أربيل، والسليمانية، ودهوك)، ويبلغ عدد سكانه نحو 4 ملايين نسمة، متجاهلاً المعارضة الكردية التي تتهمه باستخدام الاستفتاء لإلهاء الشعب الكردي، بغية تحقيق هدف بارزاني للاستمرار في الحكم، فضلا عن اتهامات المعارضة له بالتستر على عمليات الفساد المالي والإداري في الإقليم، خاصة فيما يتعلق ببيع نفط الإقليم للخارج. 
 
(*) الخلافات بين بغداد وأربيل: أبدى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي استعداده لحل المشكلات المعلقة بين بغداد وأربيل عبر الحوار، بيد أن بارزاني رفض التجاوب معه، وأكد عدم ثقته في وعود بغداد. فالخلافات بين الطرفين متعددة. فسياسيا، هنالك المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل (14 منطقة، منها كركوك مدينة غنية بالنفط، وسنجار اليزيدية، وخانقين، وتدعي كل من بغداد وأربيل أحقيتها في ضم تلك المناطق لها، وقد اتفق الطرفان على إجراء استفتاء لتحديد مصير تلك المناطق، وفق المادة 140 من الدستور العراقي الذي وضع عام 2005، بيد أن ذلك لم ينفذ حتى الآن).
 
 وتصر أربيل على ضرورة إجراء الاستفتاء في تلك المناطق في ضوء أن بعضها لا يزال به أحياء تسيطر عليها جيوب لتنظيم "داعش"، مما سيعيق إجراء الاستفتاء بها. واقتصاديا، قامت بغداد بقطع الموازنة عن الإقليم منذ بداية العام المالي الحالي، وذلك بعد تبادل الحكومتين العراقية والكردية الاتهامات حول نسب كل منهما في الموازنة العامة، وتسليم حصص النفط المتفق عليها. 
 
وعسكريًا، ترفض أربيل حل قوات البيشمركة الكردية، أو ضمها بالجيش العراقي، وتطالب بمنحها اعتمادًا ماليًا من الحكومة المركزية ببغداد أسوة بقوات الجيش، فضلا عن الخلافات التي ستنتج بعد إجراء الاستفتاء حول إدارة العلاقات بين بغداد وأربيل، والتخارج بينهما، وإجراءات الانفصال.
 
(*) توقعات بضعف دويلة كردستان حال انفصالها، إذ قد يهدد انفصال كردستان، حال الموافقة على الاستفتاء، بنشوب العديد من الأزمات، يأتي في مقدمتها بروز صراعات عسكرية بين الفصائل الكردية المسلحة، مما يكرر سيناريو انفصال جنوب السودان الذي لا يزال يمر بحرب أهلية، وحالة من عدم الاستقرار منذ استقلاله في 2011، بل إنه شهد مجاعة وأزمة غذائية، رغم ثروته النفطية. دفعت هذه التخوفات حكماء كردستان السياسيين إلى مطالبة شعبهم برفض الاستفتاء، والبقاء جزءًا من دولة العراق. 
 
(*) رفض الدول الإقليمية: وهي تركيا وإيران، حيث إنهما الدولتان ذواتا الصلة بالقضية الكردية، وترتبطان بعلاقات وثيقة ومتنوعة بأربيل وبغداد. وقد أعلنت أنقرة وطهران رفضهما لاستقلال كردستان العراق، لأن ذلك سيرفع من سقف مطالب الأكراد الموجودين بالدولتين. فتركيا تخوض حربًا ضروسا ضد حزب "العمال الكردستاني" منذ منتصف 2013، بعد انتهاء الهدنة المعلنة بينهما، وتطالب أربيل بعدم توفير ملاذ آمن لعناصر الحزب، فيما تمارس إيران كل أنواع الاضطهاد ضد أكرادها الموجودين بالمنطقة الغربية.
لذا، فإن الدولتين ستعملان على عرقلة انفصال كردستان العراق بكل الطرق الممكنة، ولن تقبلا بحدوثه إلا إذا تأكدتا من أنه لن يهدد أمنهما القومي. 
 
(*) ضبابية الموقف الدولي: لم تعلن الدول الكبرى، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وألمانيا، والمنظمات الدولية، كالأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، صراحة تأييدها أو رفضها لاستقلال إقليم كردستان العراق، وتمحور مطلب واشنطن حول ضرورة تأجيل إجراء الاستفتاء، لأن الوضع الأمني بالعراق غير مناسب. 
 
سيناريوهات محتملة: 
في ظل اتجاه بارزاني لإجراء استفتاء على استقلال كردستان العراق، هناك عدة سيناريوهات حول نتيجته التي ستحدد مستقبل الإقليم والعراق، ومنها:  
 
السيناريو الأول- رفض الانفصال: وهو احتمال مستبعد، لأن الشعب الكردي ينتظر منذ عقود إجراء ذلك الاستفتاء ليظهر للعالم أجمع أنه موافق على
الانفصال عن العراق، وإعلان الدولة الكردية المستقلة. وحال جاءت نتيجة الاستفتاء بالرفض، فإن ذلك سيكون من شأنه الحفاظ على وحدة واستقرار العراق.   
 
السيناريو الثاني- إعلان الدولة الكردية: وهذا السيناريو سيحدث حال تمت موافقة الشعب الكردي على الانفصال عن العراق، ثم يبدأ رئيسه مسعود بارزاني في إجراءات الانفصال القانونية مع الحكومة العراقية أولا، ثم مع الهيئات الدولية، تمهيدًا لإعلان الدولة الكردية، والاعتراف بها في الأمم المتحدة. وهذا السيناريو لن يكون في مصلحة أي دولة عربية أو إقليمية، وسيصب في مصلحة إسرائيل فقط التي ترتبط بعلاقات جيدة مع الإقليم، وستتعزز علاقاتهما، حال إعلان كردستان دولة، بل إن تل أبيب ستكون أول دولة تعترف بالدولة الكردية الجديدة، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي لدول المشرق العربي التي ستحاط بكردستان شمالًا، وإسرائيل جنوبًا.     
 
السيناريو الثالث- انفصال دون دولة: وهذا السيناريو سيحدث حال تمت موافقة الشعب الكردي على الانفصال، وإرجاء إعلان الدولة الكردية ربما لسنوات قادمة، وهو ما لوح به رئيس هيئة الاستفتاء الكردية هوشيار زيباري (وزير خارجية العراق الأسبق)، حيث أكد أن إجراء الاستفتاء لن يتبعه مباشرة إعلان الدولة الكردية، لأن الخطوة الأخيرة تخضع للعديد من الحسابات الإقليمية والدولية. وهذا السيناريو سيكرر الوضع القانوني للسلطة الفلسطينية، حيث سيمتلك إقليم كردستان شعبا، وسلطة حاكمة، وتمثيلا دبلوماسيا في بعض الدول، عبر قنصليات كردية، ولكنه لن يعلن كدولة مستقلة معترف بها دوليًا. 
وربما يكون هذا السيناريو الأقرب للواقع، لأنه سيحقق مصالح جميع الأطراف. ففي كردستان، سيكون بارزاني قد نفذ تعهده بإرجاء الاستفتاء لاحتواء الغضب الشعبي المتصاعد ضده، وسيبقي العراق دولة موحدة نظريًا فقط.
 
السيناريو الرابع- إعلان الدولة وعدم الاعتراف بها دوليا: وهذا السيناريو سيحدث حال تمت الموافقة في الاستفتاء على الانفصال، ولجأ بارزاني للهيئات الدولية للاعتراف بها كدولة كردية. بيد أن تلك الهيئات ترفض بتحريض من الدول الكبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وألمانيا، التي ترتبط بعلاقات وثيقة بالشعب الكردي، وربما ترى تلك الدول أن الوقت غير مناسب الآن لإعلان الدولة الكردية. 
 
مما سبق، فإن قرار إعلان الدولة الكردية سيفتح باب تقسيم العراق لثلاثة أقاليم: سنية في الوسط، وكردية بالشمال، وشيعية في الجنوب، وهو سيناريو طرح منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003 ، بيد أنه لم ينفذ. كما أن انفصال كردستان العراق يعد إنهاء لمبدأ الدولة القومية الجامعة للأعراق والأديان، وسيفتح الباب للقوميات العراقية الأخرى (كالتركمان، والإيزيديين، والصابئة المندائيين) للمطالبة بالانفصال، أو إنشاء أقاليم خاصة بهم.
 
 وبالتالي، فإن قرار إعلان الدولة الكردية ليس قرارًا كرديًا، أو عراقيًا، أو حتى عربيًا، بل هو قرار دولي سيخضع للعديد من الصفقات والمساومات السياسية بين عدة قوى إقليمية، كتركيا وإيران، ودولية، كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ولذا لن يكون بالسهولة التي يتصورها بارزاني. 
 
*باحثة بالعلوم السياسية.
 

رابط دائم: