نقلاً عن الاهرام اليومي
14 يوليو 2015
لن يكون التفجير الضخم الذى وقع صباح السبت الماضى فى المركز التابع للسفارة الإيطالية بشارع الجلاء والذى طالت خسائره مبنى نقابة الصحفيين الكائن فى شارع عبدالخالق ثروت هو آخر العمليات الإرهابية التى تتبناها تنظيمات مدعومة من دول معادية للدولة المصرية فى إطار ما يعرف بحروب الجيل الرابع.
فهذا التفجير يأتى كمكمل لسلسلة من العمليات الإرهابية الكبرى بدأت بعملية تفجير استهدفت المستشار هشام بركات النائب العام وأسفرت عن استشهاده وطالت خسائرها العديد من واجهات المبانى الكائنة بموقع التفجير والتى دمرت بصورة كاملة، وتلاه قيام مجموعة إرهابية بالهجوم على عدد من الكمائن الأمنية للقوات المسلحة بمنطقتى (الشيخ زويد - رفح) فى توقيتات متزامنة، باستخدام عربات مفخخة وأسلحة ذات أعيرة مختلفة.
حرب معلومات
تأتى هذه العمليات الإرهابية كجزء من إستراتيجية حروب الجيل الرابع للتفجير الذاتى للدول، وهدم عامود الدولة الحامل لها ويتمثل فى قواتها المسلحة، وذلك باستخدام عناصرها الأكثر دموية بإستخدام عمليات إرهابية كبرى وما تتصف به من مفاهيم مركبة وأساليب مشتركة وفق التسهيلات المعلوماتية التى تقدمها حرب المعلومات. «Information War» وهى بذلك تستهدف البنى التحتية الأمنية والسياسية للدولة المراد إخضاعها أو تدميرها أو الهيمنة الشاملة عليها، ويتم ذلك عبر إثارة الفتن وإذكاء الاحتراب العرقى والطائفي، وباستخدام قاموس مصطلحات ومفردات خطاب مصاغ بعناية فى دهاليز المؤسسات المخابراتية والإعلامية ومكاتب العلاقات العامة لهيكلة العقول (كاستخدام مصطلح المتمردين كبديل للإرهابيين، وإستخدام مسمى داعش كبديل لجماعة أنصار بيت المقدس)، وإثارة نزعة الاحتراب الذاتى المسلح لتمزيق النسيج الاجتماعي، وإلغاء منظومة القيم الوطنية والقومية والدينية والأخلاقية.
حروب مختلفة
وتجمع حروب الجيل الرابع أنواعًا مختلفة من الحروب كالحرب الإعلامية والنفسية والحرب العسكرية دون وجود جيوش نظامية، وتستخدم فيها منظومات وبرامج مخابراتية تجسسية وفرق خاصة للخلايا النائمة، وتسخر لها منظومات متكاملة مساندة (معلومات لوجستية- وسائل الاتصال – موارد وأجهزة ومعدات متطورة)، لتحقيق مكاسب وأهداف سياسية وعسكرية واقتصادية فى بقعة ما من أرض الصراع التى تتمتع بأهمية خاصة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو دولة لها أهمية ما على صعيد الجغرافيا السياسية، وغالباً ما يتم تنفيذها مع الدول التى يحمل التدخل العسكرى المباشر فيها تكلفة عالية. ويخطط لعمليات هذه الحروب بعناية فائقة، مع ضرورة تأمين البيئة والمناخ المناسبين لتبدو عملياتها نمطية وشائعة، بغرض صرف الأنظار عن منفذيها وارتباطهم التنسيقى العملياتى ودوافعهم لإحداث التأثير الإستراتيجى للحدث المطلوب توظيفه سياسياً أو إعلامياً لكسر إرادة الخصم فى الدولة المستهدفة، أو نخر منظومته الأمنية، أو اختراق مقصود لمؤسساته الأمنية لبيان نياته وأبعاد تخطيطه لمواجهة المؤامرة على بلده.
(*) طبيعة وخصائص حروب الجيل الرابع
فى حروب الجيل الرابع يستخدم العدو كل الوسائل الإعلامية التقليدية والاجتماعية والحديثة للسيطرة على عقلك وتهيئتك لتصديق أكاذيبه تلقائيًا ودون مجهود إضافى منه، يضاف إلى ذلك إيهامك المستمر بأنك فاشل وتعيش فى دولة فاشلة وعاجزة على كافة الأصعدة وتأييسك من قياداتك السياسية حتى تفقد ثقتك فى الدولة وقادتها، كما يبدأ العدو فى إعادة برمجة عقلك على تقبل مسميات جديدة لتعريفات قديمة استقرت فى ذهنك لتحقيق أغراض أكثر تأثيرًا فى فاعلية الصراع القائم مع دولتك، كذلك يستخدم العدو أحد أخطر أنواع البروباجندا (الدعاية) وهى الدعاية السوداء من خلال الافتراء والتشويه المستمر لكل ما هو رسمى فى دولتك تحت مسميات مختلفة بحيث يدفعك إلى تصديق ما يقدمه لك من معلومات مغلوطة ورفض وعدم تقبل كل ما هو صادر من أرقام عن الجهات الرسمية فى الدولة.
المنطقة الرمادية
كل ما سبق، بغرض أن يصل بك العدو إلى المنطقة الضبابية، تلك المنطقة التى تجعل عقلك يائسًا ومشتتًا، وتملأ وجدانك بالرعب والقلق الدائم من خلال المعلومات والأفكار والمعتقدات والشائعات التى تم توليفها وتركيب عناصرها بكل عناية ودقة. ويتزامن مع السيطرة على عقلك بهذه الأدوات إثارة الفوضى واستنزاف وتفتيت قدرات الدولة من خلال:
أ. إرباك ساحة العمليات ومحاور التفوق وخلط الأوراق فى الدول القوية الثابتة، أو إعادة إرباكها فى الدول التى تجاوزت مخططات الفوضى الأولى.
ب. تأمين مادة إعلامية بعمل عسكرى مخابراتى فعال، لغرض تعزيز محاور الحرب الإعلامية على الصعيد الدولى أو الإقليمي.
ت. ربط مباشر أو غير مباشر مع التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود والمرتزقة وعصابات الجريمة المنظمة بغرض تحطيم مفاصل الدولة المستهدفة، وخلق الفوضى والدمار الإنساني، وهذه التنظيمات الإرهابية غالبًا ما تكون مرتبطة مباشرة مع العدو الأصيل للدولة إن لم تكن صنيعته.
ث. الوصول بالمجتمع إلى اليأس من خلال أخبار ومقالات وبرامج مخططة علميًا ومنهجيًا بصورة فى غاية الدقة، لتشويه الآمال المنعقدة على الأنظمة التى تمكنت من تجاوز حرب اللاعنف، وذلك عبر دوائر من الإعلاميين والصحفيين الذين ينشرون ذلك إما بدون قصد أو بتعمد، وذلك تحت دعاوى السبق الصحفى والفراغ الخبرى وحرية النشر والرأى والتعبير وحرية الحصول على المعلومات بأية وسيلة.
ج. الضغط بقوة وبكافة الوسائل بغرض عدم الإعلان عن قطب الصراع أو حتى الابتعاد عن التنويه والإشارة إلى مصدر الفعل، نظراً لحساسية وتفاقم الموقف السياسى أو العسكري وتداعياته، وتسخر لهذا الغرض القدرة العالية التى تم تدريب كل المرتزقة والعملاء عليها لتنفيذ هذه المهام عن بعد، وعدم ظهور الدول الراعية للعمليات العسكرية والمخططات الإعلامية فى الصورة، وهو ما اصطلح على تعريفه مؤخراً بالحرب بالوكالة.
ويرتبط بضبابية ما يصيب عقل المواطن المصري، ضبابية الفعل والفاعل للجريمة الإرهابية واختفاء ملامح الدلالة وخيوط التنفيذ، وظهور أصوات من داخل الدولة تحاول أن تنفى التهمة عن الشريك العملياتى المنفذ وعن الفاعل الأصلى المحرك، فاستمرار غموض الفاعل يؤدى إلى خلط الأوراق وتشتيت الجهد وإخفاء الحقيقة.
(*) التشكيك فى الثوابت المجتمعية والوطنية والدينية.
يتزامن مع ما سبق، حرص العدو على إعادة إنتاج الفوضى الفكرية والكلامية ونشر الفتن الدينية والعقائدية والتشكيك المستمر فى كل الثوابت الوطنية والقومية من خلال برامج إعلامية ومعالجات صحفية تركز على:
1. تصعيد ونشر فكر الدجل والسحر والشعوذة وتغييب العلم. والهدف هو إصطياد المشاهد فى فخ أن السحر والشعوذة هما أساس الحياة، وإدخاله فى الظلاميات والجهل لسهولة السيطرة عليه وإضعاف الشعوب.
2. التركيز الدائم على السلبيات وتصيد الأخطاء ونشر فكرة «فشل الدولة» بصفة دائمة. والخلط بين ”الدولة“ ككيان ينبغى على مواطنيها الحفاظ عليه بإعتبارهم خط الدفاع الأول عن أمنها القومى وبين «الحكومة» كجهاز إدارى من المحتمل أن يعانى من قلة الكفاءة والترهل الإدارى والفساد فى أداء بعض ممثليه بإعتبارهم نموذجًا وإفرازًا طبيعيًا من أبناء هذا المجتمع، وذلك بغرض تشخيص القادة على أنهم الدولة ومن ثم سهولة توصيل فكرة إسقاط الدولة عبر إسقاط قادتها، والإستخفاف والتقليل من أهمية مرتكزات رئيسية فى البناء العقائدى لمواطنى الدولة كالوطنية والأمن القومي.
3. السخرية والتقليل من شأن الأرقام الرسمية المعلنة سواء من الدولة أو من الأفراد، ونشر فكرة أن المجتمع كله فاسد ولا أمل فيه ولا ينبغى الإعتماد عليه، وهذا خطأ يعرف بـ «التعميم المفرط». لهذا نجدهم فى برامجهم ومعالجتهم يميلون لإستخدام النسب المئوية المبالغ فيها والأرقام غير الصحيحة التى يتم فبركتها من عينة: «90% من المستشفيات غير صالحة، أو 95% من الشباب يتعاطون المخدرات، أو سقوط ما بين 60 إلى 120 شهيدًا من القوات المسلحة فى الإعتداء على الكمائن فى الشيخ زويد ورفح»، وذلك دون الإعتداد بالأرقام الرسمية المعلنة فى هذا الشأن، وإعمالًا لمبدأ يحاولون إقراره وتنميط عقلك عليه يعتمد على فكرة أن الصحفى أو الإعلامى عليه أن يسد الفجوة الخبرية أو التحليلية للمساحة التى يغطيها لأن فى ذلك حقا للقارئ، وأن أى خطأ ينتج عن ذلك فيكفى أن يتم تصحيحه أو نفيه. ولنا فى عدم تصديق وتشكيك قطاعات كبيرة من المواطنين فى الأرقام الواردة فى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة عقب أحداث الشيخ زويد، والميل لتصديق الأرقام المصدرة منذ الصباح الباكر الدليل على ذلك.
4. الهدم المستمر لثوابت الدين، فهم يرغبون فى إنتاج مواطن بلا عقيدة أو هوية أولاً، ثم إصطياده بالفكر والثقافات الشاذة ثانيًا وتطويعه لخدمة العدو - عن بُعد – ثالثًا. وأخطر ما يبذلونه فى ذلك محاولات تمرير الجنس والمثلية الجنسية والمخدرات والخمور بإعتبارها «حرية شخصية»، ولا يوضحون أن هدم صحة وقوة الشعوب البدنية و العقلية يبدأ وينتهى بهذه الممارسات الشاذة المقترنة بالمخدرات، وبالتالى من الذى سيفكر ويبتكر وينتج وينجح ويعمر ويبنى إذا كان مداومًا على المخدرات؟
تقويض الدولة
إذا قمنا بتطبيق كل ما سبق على جريمة إغتيال الشهيد هشام بركات أو تفجير القنصلية الإيطالية، وبصورة أكثر تفصيلًا على العملية الإرهابية الكبرى التى تم تنفيذها على كمائن القوات المسلحة والشرطة يوم الأربعاء 1 يوليو 2015، سيتأكد بما لايدع مجالًا للشك أن مصر تتعرض لأشد مراحل حرب الجيل الرابع خطورة، وهى المرحلة التى تتدافع فيها كل عناصر وأدوات العدو لتقويض الدولة المصرية وتركيع إرادة شعبها التى أعلنها فى 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو عام 2013، وهى محاولات لن تتوقف لإرهاب الدولة عن استكمال خارطة المستقبل وإفشال افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة والمشروعات الاقتصادية والتنموية المرتبطة به.
ولنا أن نتساءل عن المصادر لوكالات الأنباء والأخبار الأجنبية التى تدفقت منذ اللحظة الأولى للاعتداءات لبيان عدد الضحايا فى صفوف القوات المسلحة والحديث عن سقوط مدن ومراكز بالكامل فى رفح والشيخ زويد بل الوصول للعريش فى يد المتمردين – لنفى الصفة الإرهابية عنهم - فى الوقت الذى كانت فيه الاتصالات مقطوعة بالكامل عن شمال سيناء، ولنا أن نتساءل عن الكيفية التى يتم بها نشر هذه الأخبار فى الصحافة والمواقع الإخبارية المصرية المختلفة نقلًا عن هذه المصادر ودون الإنتظار للبيانات الرسمية للمتحدث العسكرى أو القيادة العامة للقوات المسلحة تحت دعاوى مختلفة سبق وأشرنا إليها.
كما لنا أن نتساءل عن خريطة برامج التوك شو والمعالجات الصحفية والأفلام والمسلسلات طوال العشر سنوات الماضية. لنتأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن مصر فى حالة حرب حقيقية، وأن الإعلام المصرى فى أزمة حقيقية مادام مصرا على أن كل ما يتم هو بحسن نية ويدخل فى إطار حرية الرأي، ولكنه حسن نية لا يراعى أى محددات للأمن القومى المصري.
مراجعة فورية
محددات الأمن القومى واضحة وثابتة وهى ليست محلا أو مجالا للسبق الصحفى أو التنافس الإعلامي، إن الإصرار على هذا المنحى فى تناول ما يخص الأمن القومى المصرى وما يهدد المواطن والمجتمع ويهدم ثوابته العقيدية والوطنية والقومية ينفى حسن النية، ويجعل الإعلام المصرى أداة فى يد العدو لإشاعة الإحباط واليأس وهدم الروح المعنوية. لقد باتت المنظومة الإعلامية بحاجة ماسة إلى مراجعة فورية لقوانينها ولمصطلحاتها ولمفاهيمها ومراجعة أولوياتها فيما ينشر وما لا ينشر على كافة المحاور، فالإعلام مع المواطن كانا وسيظلان خط الدفاع الأول عن الأمن القومى المصري، وآن له أن يعود للعب هذا الدور.