##
استبقت روسيا توقيع الرئيس دونالد ترامب ، أو استخدام حق الفيتو على مشروع قانون مرره الكونجرس بفرض عقوبات على موسكو، بطلب مغادرة 755 دبلوماسيا أمريكيا أراضي الدولة بحلول الأول من سبتمبر القادم، ومصادرة عقارات دبلوماسية أمريكية.
ويثير تمرير مجلس النواب الأمريكي يوم الثلاثاء (25 يوليو الماضي)، ومجلس الشيوخ يوم الخميس (27 يوليو الماضي)، مشروع قانون يستهدف معاقبة روسيا على تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتورطها في نزاعي أوكرانيا وسوريا، دلالات عدة، لاسيما أن موسكو قد ردت استباقيا على هذا المشروع. ومن أبرز الدلالات ما يأتي:
أولا- صعوبة تحسين العلاقات الأمريكية –الروسية: قبل أن يتولى الرئيس دونالد ترامب سدة الحكم، كانت المؤشرات تشير إلى إمكانية تحسن العلاقات بين واشنطن وموسكو، خلال إدارته، بعد سنوات من التدهور، خلال إدارة سلفه باراك أوباما، حيث امتدح ترامب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال حملته الانتخابية أكثر من مرة، وتعهد بالعمل على تحسين تلك العلاقات، وتنقيتها من الشوائب التي طالتها منذ نهاية الحرب الباردة. ولكن بعد مرور ستة أشهر على حلفه اليمين الدستورية، لم تتحسن العلاقات بين البلدين، بل يُتهم ترامب بالتواطؤ مع موسكو، خلال حملته الانتخابية، لمساعدته في الفوز على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ثانيا- خسارة رهان بوتين على ترامب:كان الرئيس الروسي يُعول كثيرا على نظيره الأمريكي بأن يعامل بلده كقوة فاعلة في النظام الدولي لا يستهان بها، لاسيما في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، وأن يعمل على توطيد العلاقات بين البلدين، خاصة أن هناك ملفات دولية عدة تفرض تعاونهما. لكن تمرير مشروع القانون قد كشف لموسكو أن ترامب بات عاجزا عن التعامل مع موسكو على النحو الذي يتطلع إليه بوتين، وأن ذلك سيظل لسنوات قادمة.
ثالثا- رد روسي مماثل:ففي السابق، لم ترد موسكو على طرد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في 29 ديسمبر من العام الماضي 35 من دبلوماسييها بالولايات المتحدة، على خلفية اتهامها بقرصنة مواقع إلكترونية خلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الثامن من نوفمبر 2016، والتي ساعدت ترامب على الفوز على منافسته الديمقراطية، حيث عدّ بوتين تصعيد أوباما ضد روسيا، خلال آخر أيام ولايته، محاولة لتوتير العلاقات بين البلدين قبل تنصيب ترامب في العشرين من يناير 2017. إلا أن موسكو، عقب تمرير الكونجرس للعقوبات الأخيرة إبان عهد ترامب ضدها، ردت عليها بطرد مئات من الدبلوماسيين الأمريكيين من الدولة، ومصادرة مقرات دبلوماسية تابعة للولايات المتحدة.
رابعا- عدم التصعيد الروسي:تمتلك موسكو الكثير من أوراق الضغط على الولايات المتحدة، لكن سيكون لها ارتدادات عكسية عليها، مثل تجميد التعاون مع واشنطن في سوريا، والذي سيضر بمصالحها أكثر من الضرر الذي سيلحق بالولايات المتحدة، فضلا عن أن الوضع الاقتصادي الروسي في الوقت الراهن لا يسمح لها بمزيد من التصعيد مع واشنطن.
خامسا- استمرار الصراع بين البيت الأبيض والكونجرس:على الرغم من سيطرة حزب الرئيس (الجمهوري) على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، فإن العلاقة بينهما تتسم بالتصادم لرفض كثير من الجمهوريين سياسات ترامب وتصريحاته، وكثير منهم ينأون عنه خوفا من تأثير شعبيته المنخفضة فى فرص فوزهم في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس القادمة. وقد تجلى ذلك في رفض الكونجرس الأمريكي مشروع قانون الرعاية الصحية الذي يطرحه كبديل لأوباما كير.
في المقابل، فإن تمرير الكونجرس لمشروع قانون العقوبات ضد روسيا يعكس رفض الجمهوريين لسياسة ترامب في التواصل مع موسكو، لأنهم يرونها العدو التقليدي للولايات المتحدة، فضلا عن تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لتقويض القيم الديمقراطية الأمريكية، وقيادة الولايات المتحدة للعالم الحر.
سادسا- موافقة الرئيس على مشروع القانون:على الرغم من امتلاك الرئيس سلطة الفيتو ضد مشاريع القوانين التي يمررها الكونجرس، فإنه من غير المتوقع أن يستخدمها ترامب ضد مشروع قانون العقوبات على روسيا، خوفا من الاتهام بأنه يعمل ضد المصالح الأمريكية، وأن روسيا قد ساعدته للفوز في الانتخابات الرئاسية. والأهم من ذلك هو اتفاق أعضاء الكونجرس من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) على ضرورة فرض عقوبات على روسيا، مما يمكنهم من تمريره بأغلبية الثلثين، متجاوزين فيتو الرئيس، ليصبح قانونا ملزما لترامب برغم معارضته له. ولهذا، أعلن الأخير أنه سيوقع مشروع القانون.
سابعا- توتر العلاقات الأمريكية – الأوروبية:يثير فرض عقوبات أمريكية من طرف واحد على روسيا امتعاض القوى الأوروبية، لأن ذلك كان يتم في السابق بالتنسيق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014. بالإضافة لذلك، يأتى قلق الأوروبيين من تأثر إمدادات الغاز الطبيعي الروسى لدولهم بعد فرض عقوبات أمريكية على موسكو. ولهذا، رفض زيجمار جابرييل، وزير الخارجية الألماني، أن تطول العقوبات التي أقرها الكونجرس شركات أوروبية تعمل في مجال الطاقة الروسي، على الرغم من تأكيده أهمية ممارسة مزيد من الضغط الاقتصادي على روسيا بسبب تدخلها في الأزمة الأوكرانية. وإذا لم تتعاون الدول الأوروبية في تنفيذ العقوبات التي يتضمنها مشروع القانون، فإنه سيفقد كثيرا من تأثيره الفعلي فى روسيا .
في التحليل الأخير،يُظهر تمرير الكونجرس مشروع قانون العقوبات على موسكو أن العلاقات الأمريكية– الروسية أصبحت رهين الصراع الداخلي بين الرئيس من جانب، وحزبه الجمهوري والكونجرس بمجلسيه (النواب والشيوخ) من جانب آخر، وهو الأمر الذي يدفع ترامب إلى التراجع عن طموحه بتحسين العلاقات بين البلدين لضمان استقرار ولايته الرئاسية، ولوقف انتقادات حزبه لتقاربه مع العدو التقليدي للولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.