بالطبع لا أحد يملك الجزم بموعد انتهاء العمليات الإرهابية في أي دولة، لكن هناك ضرورة تفرض التوقف عند المعاني التي ينطوي عليها تزايدها في مصر مؤخرا، وهو ما يسير عكس الاتجاه الذي قال إن قوات الأمن نجحت في كسر شوكة الإرهابيين والمعركة بين الطرفين على وشك الانتهاء.
وقوع عدد من العمليات الإرهابية في أقاليم مصرية متفرقة خلال الأيام الماضية، يدعو للبحث عن إجابة مقنعة، خاصة أن العدد يفوق ما حدث عندما كانت المعركة في أوجها قبل ثلاثة أعوام، وطال مناطق مختلفة في القاهرة والجيزة والقليوبية المجاورتين لها، والإسماعيلية على قناة السويس، والغردقة على البحر الأحمر، فضلا عن سيناء وغيرها.
متوقع أن تتصاعد شراسة المعركة، وتضرب العمليات الإرهابية بعشوائية كل هدف تستطيع الوصول إليه، وهو ما تدركه أجهزة الأمن المصرية التي اتخذت إجراءات احترازية للحد من نجاح الإرهابيين في تحقيق أهدافهم بسهولة.
الظاهر أن الجماعات المتطرفة، ومن يقفون خلفها من دول وحركات تدعم الإرهاب، تعي أنها تخوض معركتها الحاسمة في مواجهة النظام المصري خلال الفترة المقبلة، فبعد حوالي عام من الآن منتظر إجراء الانتخابات الرئاسية التي كشفت مؤشراتها ارتفاع حظوظ الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي في ظل عدم بروز منافسين أقوياء، واقتناع غالبية المواطنين بنجاحه في تخليص البلاد من حكم الإخوان وقصم ظهر عدد كبير من الإرهابيين.
لذلك تتكاتف جهود المتطرفين، داخل مصر وخارجها، للتأثير في القاعدة الشعبية التي توفر رصيدا جيدا للسيسي، ومحاولة فضها من خلال المزيد من العمليات الإجرامية، والإيحاء بأن قوات الأمن لن تتمكن من وقف الإرهاب، مهما قدمت تصورات محكمة واتخذت إجراءات قاسية، بزعم أن مهارات المتشددين أكبر من قدرات الجيش والشرطة معا في مصر.
بالتوازي يعمل هؤلاء للاستفادة من الأزمات الاقتصادية المتراكمة والاحتقانات الاجتماعية المتزايدة، وبث أخبار كاذبة ونشر شائعات متعددة والترويج لفكرة إخفاق الحكومة في تخفيف المعاناة عن قطاع كبير من المـواطنين، أملا في إحباط بعضهم وتوجيه انتقاداتهم للنظام وصب النقمة على رموزه، بذريعة عدم النجاح في توفير الأمن والحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية وغياب الحرية.
هذا الاتجاه دفع بعض الدوائر السياسية في مصر إلى التلميح بتأجيل المعركة الانتخابية والعودة إلى المطالبة بتعديل الدستور وتمديد فترة الرئاسة لتكون ستة أعوام بدلا من أربعة أعوام، ما يعني ترحيل الانتخابات عامين كاملين، تبدأ خلالها المشروعات القومية التي أعلن عنها السيسي في جني ثمار إيجابية قد تخفف من المعاناة عن كاهل المواطنين.
من يقفون خلف هذا الطرح، الذي لم تتم الموافقة عليه رسميا ويحتاج إلى حزمة إجراءات قانونية، تجاهلوا في فورة حماسهم أن فتح هذا الباب يقدم هدية مجانية لخصوم السيسي، ويعزز محاولات توسيع نطاق العمليات الإرهابية، ويؤكد اهتزاز الحكومة وعدم القدرة على مواجهة المتطرفين.
هذه المسألة بدت أشد خطورة عندما ارتفعت أصوات طالبت بإجراء مصالحة سياسية مع الإخوان وحلفائها من المتشددين، بل والقذف ببالون اختبار بشأن العودة إلى تشجيع المراجعات السياسية للتيار الإسلامي، التي نجحت في عقد التسعينات من القرن الماضي وأغلقت جزئيا باب العنف الذي يتبناه المتطرفون، غير أن التجربة لم تثبت نجاحها تماما، وعاد عدد كبير منهم إلى ممارسة العنف وتشجيعه.
العزف على وتر المصالحة، أو الحديث عن مراجعات في الوقت الراهن يمنح الإرهابيين فرصة جديدة لمواصلة الضغوط وليس العكس، فالكلام عن هذه القضايا في وقت تخوض فيه أجهزة الأمن المصرية معركة غاية في الأهمية يشي بأن يد المتطرفين لم تعد قصيرة، بل أصبحت أطول مما يجب.
التقدير الذي يقول إن الإرهاب مرجح تزايده في مصر له بعد خارجي، يتعلق بالأزمة القطرية وذيولها، فالدوحة لا تزال بعيدة عن الاستجابة لمطالب الدول الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) لمكافحة الإرهاب، وتنكر دعمها ووقعت مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بهذا الشأن الأسبوع الماضي، وتعي أن المرحلة المقبلة سوف تشهد زيادة تدريجية في جرعات تضييق الخناق حول رقبتها.
من هنا ترى أن زيادة وتيرة العمليات الإرهابية في مصر قد يغرق حكومتها في دوامة جديدة من المشكلات، وتستمر حرب الاستنزاف وتنشغل القاهرة بهمومها فتتوقف عن التعاون والتنسيق مع الدول الأخرى لحض قطر على وقف التدخلات السافرة في شؤونها الداخلية ورفع يدها عن دعم الإرهاب.
التصور الذي يذهب إلى زيادة العنف يتأسس أيضا على أن التنظيمات والدول التي تقف خلفه لم تعد تملك خيارات بديلة، وتدرك أن القضاء تماما على الإرهاب يساعد الحكومة في التفرغ لإعادة ترتيب الكثير من الملفات ومحاسبة المجرمين ومطاردة الداعمين في محافل إقليمية ودولية عدة، بالتالي من مصلحتها خوض هذه المعركة بكل الأدوات والوسائل الممكنة.
أضف إلى ذلك أن حركة حماس الفلسطينية وافقت على تفاهمات مع مصر للمشاركة في أمن الحدود بين غزة وسيناء، ومنع تهريب الأسلحة وتسريب المتطرفين، والمشاركة في غلق الأنفاق من ناحيتها، وصارت مسؤولة من الآن فصاعدا عن أي عمليات إرهابية تأتي عبر الحدود التي تشرف عليها في غزة.
ناهيك عن مطالبة القاهرة بتسليم عدد من المتطرفين يقيمون في غزة، وهو ما يضع حماس في مواجهة معهم تؤثر على إمساكها بزمام أمور كثيرة في القطاع، لذلك يمكن أن تغض الطرف عنهم وتسمح لهم بالهروب من غزة ودخول سيناء، لتجنب إحراجها مع مصر أو دخولها في مواجهة مع متشددين قالت إنها لا علاقة لها بهم.
الوصول إلى هذه النقطة يعني مد الإرهابيين بذخيرة جديدة، ويصب في خانة زيادة وتيرة العمليات الإرهابية في سيناء وربما غيرها، الأمر الذي تتحسب منه الحكومة المصرية، لأنها تدرك انتهازية حماس وأن تفاهماتها الأمنية الأخيرة مع مصر جاءت على وقع الأزمات التي تعاني منها بفعل ضيق مساحة حراكها على الصعيد الإقليمي، بفعل تداعيات الأزمة القطرية.
المعركة الأخيرة لن تكون سهلة على الدولة المصرية، وانتصارها السريع يجنبها مخاطر لم تتوقف بعض الجهات عن التخطيط لها، كما أن الهزيمة الساحقة للإرهابيين تؤكد هزيمة مشروع دعم المتطرفين.
------------------------------
* نقلا عن العرب اللندنية، 17-7-2017.