لم يعد أمام قطر سوى شراء القليل من الوقت للهروب من المأزق الذي تعيش فيه وهي محاصرة بالحقائق التي تكشف عمق وطول أمد علاقتها بدعم الإرهاب وذيوله في أكثر من دولة. ومن علامات الهروب والتضليل الإعلامي القطري محاولة صرف انتباه الرأي العام عن ورطة دعم الدوحة للإرهاب بالتركيز على حملة العلاقات العامة التي تنفذها حالياً بتكلفة باهظة للترويج لصفقة تسليح لن يدوم تأثيرها الإعلامي طويلاً، ولن تلغي الاستحقاق الإجباري المطروح أمام الدوحة بشأن إعادة ضبط تموضعها في محيطها الخليجي بما يتلاءم مع محاذير أمن الخليج.
كان من الحكمة والمنطق أن تؤدي الضغوط الخليجية على قطر إلى عودتها إلى البيت الخليجي بدلاً من مواصلة العناد والاتجاه لخلط الأوراق والمكابرة والبحث عن مكاسب إعلامية بالإعلان عن صفقات تسليح والمراهنة على إسالة لعاب الأميركيين بالأموال، ويمكن القول إن قطر فشلت فشلاً ذريعاً في الهروب من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، وبخاصة بعد أن تزايدت شواهد وأدلة تمويلها للإرهاب وانحيازها لجماعات التطرف، ولعبها على كل الحبال بأسلوب كانت تظنه نوعاً من التذاكي وتحقيق الحضور، لكن هذا السلوك الفوضوي تحوّل أمام الحزم الخليجي إلى عبث مفضوح ومستهجن يستدعي المصارحة والضغط باتجاه إنهاء الخطأ والكف عن تمادي الدوحة فيه.
وبعد مرور ما يقرب من أسبوعين على قرار الإمارات والسعودية والبحرين ومصر اتخاذ إجراءات لمواجهة ورفض تقارب قطر مع إيران وتمويلها ميليشيات إرهابية، إلى جانب السلوك القطري الممنهج بقصد زعزعة استقرار الدول المجاورة والخروج عن الإجماع الخليجي.. لم تتمكن قطر حتى الآن من نفي ارتباط وسائل إعلامها وجمعياتها وسياستها المالية والخارجية بدعم الإرهاب والجماعات المتطرفة.
ومن الناحية العملية أصبح القاصي والداني يعرف أن الدوحة جعلت من نفسها الحاضنة الرسمية الأولى للمجموعات الإخوانية الهاربة، كما أن العديد من الإرهابيين المطلوبين للعدالة وجدوا في قطر ملاذاً آمناً يوفر لهم المسكن والمأكل إلى جانب المنابر التي يمارسون من خلالها التحريض على إشاعة الفوضى والإرهاب.
لقد بذلت قطر جهوداً وأموالاً للتدخل بعدائية في الشأن المصري، ومواجهة إرادة المجتمع المصري الذي تخلص من حكم «الإخوان» ونبذَهم وكشف أخطاءَهم القاتلة، وقامت الدوحة بضخ الأموال لتأسيس منابر إعلامية وقنوات تروج لأجندة «الإخوان» وتركز على زعزعة أمن مصر، بالإضافة إلى انتهاج قطر سلوكاً يركز على دعم المتطرفين في ليبيا. وهذه الاستراتيجية القطرية معادية بشكل صارخ لتوجه دول مجلس التعاون الخليجي. وكانت مجمل عناصر التناقض والاختلاف بين دول الخليج وقطر كافية لرفع بطاقة حمراء في وجه قطر التي تمارس سياسة خارجية وإعلامية تتصادم مع جيرانها وتمس بأمنهم، وبالذات من خلال إصرار الدوحة على خدمة جماعات التطرف، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المتأسلمين، التي لا تخفي مشروعها الذي يتصادم مع استقرار شعوب الخليج ومشروعية أنظمة الحكم.
لقد لجأت قطر أكثر من مرة لحيلة جهنمية لإيصال الأموال إلى التنظيمات المتطرفة بمختلف أشكالها، وهي القيام بدفع الفدية للمتطرفين بحجة الإفراج عن مختطفين. والآن تعرف قطر جيداً أن مغامراتها بلا فائدة أو جدوى مستقبلية، لأن الحزم في البيت الخليجي أصبح نهجاً راسخاً، وكما تم الإجماع على قطع ذيول إيران في جنوب الجزيرة العربية، لن يتم في المقابل السماح بتهديد أمن الخليج من داخله بسبب ميول الدوحة غير الحكيمة في سياستها وأدائها الإعلامي.
ومن جهة أخرى تروِّج قطر بنوع مستهلك من التباكي للادعاء بأنها تتعرض لحصار اقتصادي بينما أكدت الدول المعنية باتخاذ موقف صارم من النظام القطري أن القرارات المتخذة ذات صلة بحماية السيادة، وأن كل بلد له الحق في حماية أجوائه وموانئه، وتحديد من يستفيد منها، لكن الآلة الإعلامية القطرية ومن يتحالف معها قررت إعلان الهزيمة بأسلوب استعطاف الآخرين، وتحويل الحزم الخليجي ضد الدوحة إلى قضية حقوقية وإنسانية. وإذا كانت قطر مهتمة فعلاً بالجوانب الإنسانية وبعلاقات الترابط والتراحم بين المجتمع الخليجي، فلماذا تصر على العناد وتتجاهل نصائح الآخرين؟
يجب أن تعرف قطر أن زمن المراهنة على تمويل الأحزاب الإخوانية للحصول على نفوذ وهمي قد انتهى، ولن يتم قبول الازدواجية في السياسة القطرية بعد الآن، لأن وحدة البيت الخليجي وتحدياته الأمنية لا تحتمل الاستمرار في التغاضي عن العبث القطري.
-----------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 18-6-2017.
رابط دائم: