على الرغم من توقعات كثير من الخبراء والمحللين الأمريكيين، ومراكز الفكر والرأي فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون -التي دعمتها كبري الصحف الأمريكية في خروج عن النهج التقليدي بعدم تأييد أي من مرشحي الرئاسة الأمريكية علانية- في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الثامن من نوفمبر 2016، فإن هناك عددا من المؤلفات الأجنبية التي صدرت تروج للمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، لا سيما بعد تمكنه من هزيمة كبار أعضاء النخبة الجمهورية، ومن لهم خبرة طويلة في العمل السياسي الأمريكي، ليقتنص بطاقة الحزب، على عكس كثير من التوقعات الأمريكية، بل ويفوز في انتخابات الثامن من نوفمبر .2016
وقد تنوعت المؤلفات التي تناولت ظاهرة صعود ترامب السياسي، رغم كمية الفضائح التي طالته، وتصريحاته التي تزدري المرأة، والأقليات من السود، وذوي الأصول اللاتينية، والمسلمين، وتبني سياسات إقصائية تهدد تماسك المجتمع الأمريكي، الذي يقوم على صهر الأقليات بين ثلاثة تيارات رئيسية، هي:
التيار الأول: مؤلفات دعائية كتبها دونالد ترامب، وصدرت خلال حملته الانتخابية. وقد ضمنت رؤيته، كمرشح عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، للتطورات الأمريكية، وكيف سيحكم الولايات المتحدة، حال فوزه في الانتخابات. ففي كتابه "حان وقت الحزم .. جعل أمريكا عظيمة مجددا!"، انتقد ترامب السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وطريقة تعاملها مع التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة خارجيا.
ويذهب ترامب في مؤلفه إلى أن الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس أوباما، أضحت في وضع متأزم، حيث بدأ العد التنازلي لقيادتها للنظام الدولي، ومكانتها كقوة عظمي مهيمنة على نظام ما بعد الحرب الباردة في التراجع. ولاستمرار المكانة والقوة الأمريكيتين عالميا، دعا ترامب إلى ضرورة التعامل مع قضايا قد تكون في طبيعتها داخلية، إلا أن معالجتها ستحافظ على النفوذ الأمريكي عالميا، وهو ما ترجمه في شعاره الانتخابي "أمريكا أولا". ويأتي في مقدمة قضايا الداخل التي يتوجب التعامل معها قضايا الدين العام، والعجز المالي، واستمرار الاعتماد الأمريكي على النفط المستورد من الخارج، رغم ثورة النفط والغاز الصخري الأمريكي، وكذا قضية البطالة، وتوفير فرص العمل، قائلا "يجب أن ننظر ونعمل بجدية من أجل مستقبل أمتنا".
وعن القوة العسكرية التي تتمتع بها الولايات المتحدة، ودورها في حماية المصالح والأمن القومي الأمريكي، لاسيما مع التحديات الخارجية التي تواجهها، يري ترامب أن استخدام هذه القوة، وخوض الحروب لابد أن يكون مسوغا، عندما تكون هي الخيار الوحيد. ولكنه يؤكد أهمية أن يكون قرار الحرب مصحوبا باستراتيجية تضمن تحقيق نصر حاسم على أعداء الولايات المتحدة.
وفي مؤلفه الذي حمل عنوان "أمريكا المريضة: كيف نجعل أمريكا دولة عظمي مرة أخري؟"، تناول ترامب العديد من القضايا الانتخابية، كالنظام الضريبي بين ما هو قائم وما يريد فعله، ورؤيته للسياسة الخارجية الأمريكية، ودورها كشرطي للعالم، وقضايا أخري كالتعليم، والصحة، والبنية التحتية، والتغيرات المناخية، والهجرة غير الشرعية، والترخيص بحمل سلاح ناري، فضلا عن توضيح علاقته بوسائل الإعلام، وكيفية استخدامه لها للترويج لأفكاره.
في ظل الهجوم الإعلامي عليه بسبب تصريحاته، خلال حملته الانتخابية، أكد ترامب أن ثروته زادت بعد إعلانه عن حملته للترشح للانتخابات الرئاسية، إذ أفصح عن استخدامه لوسائل الإعلام لتوفير الملايين من أمواله في الدعاية المرئية. وأوضح أنه استخدم الإعلام بالطريقة نفسها التي يستخدمونها لجذب الانتباه.
كما أكد أن الولايات المتحدة تشهد نقطة تحول في تاريخها، وأن باستطاعته، بمساعدة الشعب الأمريكي، أن يجعل الولايات المتحدة دولة عظمي مرة أخرى. ويري أن الوسيلة الأفضل ليست باستخدام القوة العسكرية لإثبات القوة، وأن إرسال القوات العسكرية لحماية الدول الأخرى لابد أن يكون بمقابل، خاصة عندما تكون هذه الحروب دفاعا عن الدول النفطية الغنية، مثل المملكة العربية السعودية، التي تحصل على ما يقرب من مليار دولار أمريكي يوميا، ولا يقدمون شيئا مقابل الخدمات الأمريكية.
ويري ترامب أن الإفصاح عن استراتيجية الولايات المتحدة أمام أعدائها مبكرا يعد تهورا. ويشير إلى الاتفاق مع إيران على أنه الأسوأ على الإطلاق، حيث لا تحصل الولايات المتحدة على ضمانات كافية، وتتخلي عن كل شيء، بما في ذلك الإفراج عن مليارات الدولارات، ضمن العقوبات المفروضة على إيران. ومن وجهة النظر التفاوضية، تم إجبار الولايات المتحدة على تقديم تنازلات ضخمة، والسماح بالثغرات التي تمنح الحق لإيران بفرض أي شيء، ذي معني، كأمر واقع. وإن كانت الولايات المتحدة لن تتراجع عن الاتفاق الإيراني الكارثي -على حد تعبيره- فإنه يدعو لأن تقف الولايات المتحدة أمام امتلاك إيران أسلحة نووية.
وفي رد على الانتقادات التي تتهمه بأنه لم يقدم سياسات محددة، أكد أنه لا يوجد مرشح في الانتخابات التمهيدية لحزبه حقق ما أنجزه خلال مسيرته العملية، ولذا دعا الشعب الأمريكي إلى أن ينظر لما أنجزه، والنجاحات التي حققها. ويصف نفسه بأنه ليس دبلوماسيا يريد أن يسعد الآخرين، بل هو رجل أعمال عملي تعلم أنه إن آمن بشيء فلا يتوقف، ولا يهدأ، وإذا سقط يصعد مرة أخرى، ويداوم على القتال حتى الفوز، فهذه هي استراتيجيته طيلة حياته، مما أدي إلى نجاحه. لذا، أوضح أنه مستمر في حربه لمصلحة بلاده إلى أن تصبح دولة عظمي مجددا.
التيار الثاني: مؤلفات تروج لفوز ترامب في انتخابات الثامن من نوفمبر، وتقدم له النصائح للفوز. ومن تلك المؤلفات كتاب المحلل الاستراتيجي ديك موريس، وزوجته الكاتبة إيلين ماكجين، بعنوان "معركة فاصلة: كيف يمكن لترامب الفوز على كلينتون؟"، والذي يقدم خطة سياسية لكيفية فوز ترامب في الانتخابات التي رأيا أنها معركة بين الخير (الذي يمثله ترامب)، والشر (الذي تمثله هيلاري). فهذه الانتخابات ستكون بمنزلة "الفرصة الأخيرة" للقضاء على الفساد الحكومي، ووقف ما سماه "التقدم الاشتراكي"، والسيطرة الكاملة على السلطة التنفيذية، والحد من برامج الرعاية الاجتماعية التي تدمر النسيج الاقتصادي والاجتماعي للأمة الأمريكية. كما أنها الفرصة الأخيرة لتأمين الحدود الأمريكية، خاصة مع المكسيك، بهدف الحفاظ على السيادة الوطنية، والوقوف ضد الإرهاب، وعلى رأسه تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
ولهذا، فقد دعا المؤلفان للمشاركة في الانتخابات، والتصويت للمرشح الجمهوري ترامب، وإلا فإن الأمريكيين سيخاطرون بخسارة المعركة الفاصلة لإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية. حيث إن ترامب سينحي المصالح الذاتية جانبا من أجل تحقيق المصالح الأمريكية، فهو يرغب في إحداث تحول جديد في السياسات الأمريكية بوضع الولايات المتحدة على رأس الأولويات، وتنحية الأيديولوجيا جانبا، على حد قول المؤلفين.
التيار الثالث: مؤلفات تنتقد ترامب، وتري أنه لا يصلح لمنصب الرئاسة، استنادا إلى أدائه في مجال الأعمال. من مؤلفات هذا التيار كتاب "صناعة دونالد ترامب" للمحرر بجريدة نيويورك تايمز، والحاصل على جائزة بوليتزر ديفيد كاي جوهنستون، الذي يتناول علاقات ترامب التجارية المشبوهة، وشغفه القوي لتحقيق الثروة الشخصية على حساب المصلحة العامة، وضغطه على الإعلام لوقف أي محاولات لانتقاده، فضلا عن تنامي ثروته، وافتضاح أمر تهربه الضريبي، وعدم رغبته في الكشف عن صافي ثروته. ولهذا، يستنكر الكاتب ترشح ترامب لمنصب الرئاسة الأمريكية، فقد رسم صورة للبيت الأبيض، إذا، فاز تتسم بالخلل الوظيفي، تحت قيادة رئيس ذي تاريخ كبير من الفساد، بجانب غياب الرؤية الواضحة عما سيحدث عندما يصبح رئيسا.
ويقدم مارك فيشر، ومايكل كرانيش في كتابهما "انكشاف ترامب: رحلة أمريكية في الطموح، الغرور، المال والسلطة" تحليلا لشخصية دونالد ترامب، من خلال 20 ساعة من المقابلات الشخصية بمكتبه، وعبر الهاتف، حيث تناولا النجاحات، والإخفاقات لدونالد ترامب في أعماله التجارية. لكنهما يريان أن الإنجازات التي حققها ليست لها قيمة، بجانب مجموعة من القرارات التجارية الكارثية، والإفلاس.
ويشير المؤلفان إلى أن ترامب أعرب عن تشككه الشديد في الصحفيين، والتقارير التي ينشرونها، وأنه دائما ما ينتهج سبلا ملتوية، ومضللة للحقيقة، لكن لا يمكن إنكار أن له أيضا إنجازات مشروعة. وقد أشارا إلى معاناة ترامب في الرد على الأسئلة التي تتعلق بأعماله، وصفقاته، وتكتيكاته السياسية.
وفي الختام، مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، تقدمت مبيعات المؤلفات التي كتبها، والتي توضح رؤيته للحكم.
رابط دائم: