خضع مفهوم الأمن -ولا يزال- إلي نقاشات جدلية في المدارس النظرية المختلفة في العلاقات الدولية. فبعدما نظر له الواقعيون علي أنه غياب للتهديد العسكري المرتبط بالدولة القومية، بات أكثر اتساعا في مضامينه، وفواعله مع الرؤي الليبرالية، والبنائية، والنقدية، وغيرها. فصار يشمل أبعادا وقضايا متعددة (عسكرية، واقتصادية، واجتماعية، وإنسانية، وثقافية، وبيئية، وغيرها). كما لم تعد الدولة وحدها موضوع التهديد، بل برزت بجوارها فواعل أخري دون الدول، كالأفراد، والجماعات.
هذا الاتساع لمفهوم الأمن جعله أكثر تعقيدا وتداخلا في مستوياته وتأثيراته. فأمن الدول لم يعد منعزلا عن أمن الأفراد والمجتمعات، بل وكذلك الإقليم، والعالم، والعكس صحيح. ومن ثم، أصبحت مسئولية تحقيق الأمن، ومجابهة تهديداته ليست حقا حصريا للدولة، بل قد تشاركها فواعل أخري خارجية، في إطار آليات "الأمن الجماعي"، كما الحال مثلا مع التحالف الدولي لمواجهة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سوريا والعراق.
بالإضافة لذلك، أخذت فلسفة الأمن ذاتها منطلقات مغايرة، متأثرة بتنامي دور الفرد وحقوقه في العالم. فبينما تمسك بعض المنظرين بأن الأمن يعني غيابا للتهديد، سواء عن الدولة أو المجتمع، علي أساس مخاطبة غريزتي البقاء، والخوف، فإن آخرين رأوا في ذلك تضييقا للمعني الإنساني الذي وجد لأجله الفرد، ولذا برز اتجاه عالمي يري الأمن مرادفا للتحرر. أي أن أمن الناس يتحقق عندما يتحررون من القيود التي تعترض طريقهم واختياراتهم، مثل الحرب، والفقر، أو القمع، أو الجهل، أو المرض، وغيرها. وهنا، فإن السلطة، إذا كانت معبرة ديمقراطيا عن المجتمع، وتمثل تطلعاته، فإنها لا تحصر مهامها في حفظ الأمن، وحماية النظام العام بالقوة من أي تهديدات، وإنما يقع علي كاهلها توفير المناخات اللازمة لدفع الناس أنفسهم إلي امتلاك مصائرهم.
رابط دائم: