لماذا تتسابق الدول على الفوز ب «شرف» تنظيم الألعاب الأولمبية على أراضيها؟ فيما خلا الرهانات الجيوبوليتيكية والاستراتيجية لهذه الألعاب فإن الرهانات الاقتصادية هائلة هي الأخرى. مبالغ كبيرة جداً تُصرف على تنظيم هذه الألعاب، فعلى سبيل المثال كلفت دورة بكين، في العام 2008، حوالي 42 مليار دولار (2.5 للبنى التحتية و10.5 لأعمال الترتيب والتنظيف، 26.5 للبنى التحتية في مجال النقل كالطرق والجسور والمطارات و455 مليوناً للأمن). في العام 2012 كلفت دورة لندن حوالي 15 مليار دولار، أما سوتشي فتخطت الخمسين ملياراً.
هذه المبالغ الطائلة تحمل فوائد أكيدة للبلد المنظم. في بكين مثلاً تم توفير 1.8 مليون فرصة عمل جديدة وزاد الناتج الإجمالي الداخلي 12.8% لمدينة بكين و1% للصين. من جهتها دورة لندن خلقت 300 ألف فرصة عمل وزادت الناتج الإجمالي في لندن بنسبة 1%.
إذن يكلف تنظيم الألعاب الكثير من المال، لكنه يعود بالنفع الكثير مع أعمال البنى التحتية وارتفاع عدد السياح (500 ألف سائح أجنبي، ومليون صيني لبكين، 300 ألف أجنبي، 800 ألف بريطاني لمدينة لندن)، ناهيك عن العقود الجديدة التي يوقعها البلد المضيف، ذلك أن الألعاب تمثل مناسبة للقاءات تجارية على مستوى عالٍ.
وإذا كان تنظيم الألعاب مكلفاً جداً ومربحاً جداً في الوقت نفسه، فليس هناك سوى الدول «الغنية» التي تمتلك إمكانات تنظيم الألعاب، وتتفادى الوقوع في فخ المديونية بعد نهاية المباريات؛ لذلك تقوم اللجنة الأولمبية الدولية باختيار الدول القادرة اقتصادياً ومادياً ولوجستياً بمعزل عن أن بعض التسميات تثير جدلاً لناحية احترام حقوق الإنسان وغيره.
وإذا كانت الدول تبحث عن الفوز بتنظيم الألعاب، فلأنها تطمح بالتداعيات الاقتصادية والتجارية الإيجابية (فنادق ومطاعم ومتاحف وغيرها، ألبسة وأعلام رياضية، تحريك التجارة في المدن المنظمة، بيع تذاكر الدخول إلى المباريات...إلخ). ثم إن بعض الدول تنجح في استثمار البنى التحتية المبنية للمناسبة في المدى الطويل، عبر استخدامها في مناسبات جديدة محلية وإقليمية.
بريطانيا هي من أكثر الدول نجاحاً في بناء نظام تنمية مستدامة جعلها تنجح في تفادي ما حل بأثينا التي لم تجد استخداماً مستديماً للبنية التحتية التي بنتها خصيصاً للألعاب الأولمبية، أما الصين فنجاحها الباهر في تنظيم الألعاب حسّن صورتها الدولية؛ إذ نجحت في الاستحواذ على إعجاب المشاهدين في العالم أجمع، وفي العامين 2007 و2001 زادت السياحة في الصين بنسبة 12.5% أي ما مجموعه 1.2 مليون سائح.
في المقابل هناك دول تفشل في الاستفادة على المدى الطويل من تنظيم الدورات الأولمبية. هذه حالة مونتريال التي تكلفت كثيراً على الدورة التي نظمتها في العام 1972 وبقيت تسدد الديون المترتبة عليها مدة ثلاثين سنة كاملة. حالة أثينا أسوأ فالألعاب التي كلفت الدولة اليونانية أكثر من عشرة مليارات دولار كانت فشلاً ذريعاً؛ بسبب تأخر إنجاز أعمال البناء لدرجة أن بعضها لم ينتهِ إلا في ساعات قليلة قبل الافتتاح، وبعضها الآخر لم ينجز حتى بعد نهاية الألعاب.
على صعيد آخر تعتبر الألعاب الأولمبية حدثاً رياضياً عالمياً يحظى بتغطية إعلامية على مستوى المعمورة تستخدمه الماركات العالمية للدعاية والإعلان. هذه الشركات الكبرى تقدم مساهمات مالية ومادية للرياضيين والفرق والفدراليات والمنظمين وغيرهم، في مقابل الدعاية والبروز وجذب المزيد من الزبائن.
على سبيل المثال فإن الشركات البريطانية صرفت أكثر من مليار دولار في ألعاب لندن العام 2012، في حين أن شركات مثل ماكدونالد وكوكاكولا تكلفت حوالي 900 مليون دولار على ما يسمى «السبونسورنغ»، ويقول الخبراء، إن أرباح الشركات جراء ذلك تتخطى بكثير هذه الأرقام.
وسائل الإعلام هي التي تنشر وقائع الحدث الكبير من افتتاح وختام ومباريات وغيرها، ومعها الدعايات لهذه الشركات والماركات العالمية، وتدفع وسائل الإعلام لمنظمي الدورة الأولمبية مبالغ ضخمة في مقابل الحصول على حق بث وقائعها، وفي المقابل فإنها تتقاضى بدائل باهظة في مقابل نقل هذه الوقائع على شاشاتها، على سبيل المثال، في ألعاب 2012، استثمر التلفزيون الفرنسي مبلغ خمسين مليون يورو من أجل الحصول على الحق الحصري لبث المباريات الأولمبية، وسمح للقناة الفرنسية الأولى ببث وقائع افتتاحية الدورة فقط في مقابل 12 مليون يورو.
إنها فرصة ذهبية للجنة المنظمة للألعاب التي تتقاضى الأموال من الشركات ومن بيع حقوق البث لوسائل الإعلام، وقد تخطت هذه الأموال ما قيمته أربع مليارات دولار في دورة العام 2012، وهو ارتفاع ملحوظ عن مبلغ 1.74 مليار دولار الذي جنته من ألعاب بكين.
إنها مناسبة عالمية تتقدم فيها الرهانات الاقتصادية والتجارية، ناهيك بالاستراتيجية والسياسية، على الرياضة والصحة وتنمية العلاقات السلمية بين الدول.
------------------------
* نقلا عن دار الخليج، 28-8-2016.