ثارت شعوب بلدان الربيع العربي، بعدما عانت اختلالات هيكلية واضحة في جميع القطاعات الاقتصادية، مع تراجع في مستويات المعيشة، وارتفاع معدلات البطالة، وتراكم معدلات الديون، وتزايد العجز في الموازنات. وقد اتسعت الفجوة بين فئات المواطنين، وتركزت ثروات البلاد في أيدي فئة قليلة على حساب غالبية الشعب، ومن ثم عم الغضب المواطنين، وخرجوا للمطالبة بالحق في الحرية، والعدل، والحصول على نصيب مناسب من ثروات البلاد.
أولا- الاقتصادات العربية قبل الثورات:
قبل الثورات، شهدت دول الربيع العربي نموا اقتصاديا لا بأس به، رغم تأثيرات الأزمة المالية العالمية عام 2008 وتداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمي ككل. وتم تفسير ذلك حينذاك في ضوء أن تلك الاقتصادات لم تكن مكتملة الاندماج في آليات النظام الرأسمالي العالمي، بينما فسرتها حكومات تلك الدول في ذلك الوقت بأنها كانت قد اتخذت مقدما إجراءات احتياطية تكفل لها الحماية والوقاية من تقلبات النظام الرأسمالي العالمي.فبالعودة إلي مستويات النمو المتحققة على مدي العقد الأول من القرن العشرين، وإلي ما قبل اندلاع الثورات وحركات الاحتجاج الاجتماعية والسياسية، نجد أن النمو المتحقق كان مرتفعا جدا، بل وكانت بعض دول الربيع العربي، كتونس تستخدم كمثال للدول التي تحقق نموا اقتصاديا قياسيا.
فبمراجعة الأوضاع الاقتصادية في مصر، خلال السنوات السابقة على الثورة، يلاحظ ارتفاع معدلات النمو خلال السنوات الخمس الأخيرة. فقد شهد معدل النمو الاقتصادي في الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا ملحوظا، حيث ارتفع من 4.5 ٪ خلال عام 2005 إلي نحو 7.1 ٪ خلال عام 2008، ثم عاد مرة أخري إلي مستوى 5.2 ٪ خلال عام 2010، وجاء ذلك نتيجة النمو في قطاعات السياحة، والتشييد والبناء، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات التحويلية. وعلى الرغم من تلك المعدلات المرتفعة للنمو الاقتصادي، وما تعنيه من رواج اقتصادي وإتاحة فرص للعمل، فإنها لم تنعكس بشكل كاف على الطبقات المتوسطة والدنيا من المجتمع، بل على العكس حدث مزيد من التركز للثروة في أيدي فئات الدخل المرتفع من أفراد المجتمع.
كما اتسمت الفترة السابقة على الثورة بارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتضاعف معدلات التضخم من نحو 6.2٪ خلال عام 2005 إلي نحو 12.2 ٪ خلال عام 2008 ثم تراجعها إلي نحو 10.3 ٪ في ديسمبر من عام .2010 في المقابل، كان لسياسات الإنفاق، التي تم اتباعها خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أثر واضح على التنمية البشرية في معظم بلدان الربيع العربي، وبخاصة ليبيا، التي استطاعت تحقيق مؤشر مرتفع للتنمية البشرية، وخفض مؤشر الفقر البشري التابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية إلي نحو 13.4 ٪ خلال عام .2009 وعلى الرغم من ذلك، ظلت ليبيا تعاني ضعفا كبيرا فيما يتعلق بالموارد البشرية، وبخاصة في التعليم والصحة.
أما في مصر، فلم يتجاوز نصيب الفرد في مصر من الإنفاق العام على الصحة 123 دولارا خلال عام 2010، فيما بلغ نحو 238 دولارا في تونس، بينما كان في ليبيا نحو 484 دولارا. وبالإضافة إلى تدني حجم الإنفاق، فهناك عدم كفاءة في الإنفاق يزيد من تدني مستوى الخدمات.وعلى الرغم من أن ليبيا واحدة من الدول العشر الأغني بالنفط والغاز في العالم، فلم يظهر ذلك عند قياس المستوى المعيشي للأفراد، مقارنة بما هو عليه الحال في دول نفطية أخري. فمثلا، نجد أن حجم القوة الشرائية للفرد الليبي بلغت 14 ألف دولار، مقابل أكثر من 35.5 ألف دولار في الإمارات، خلال عام 2010، بحسب صندوق النقد الدولي. يأتي ذلك في وقت لا توجد فيه فروق مضاعفة بين عائدات النفط والغاز في كلا البلدين. كما أن الفروق في تعداد السكان ليست مضاعفة كذلك، إذ يبلغ عدد سكان ليبيا 6.4 مليون نسمة، مقابل 4.7 مليون نسمة للإمارات.
وفيما يتعلق بجودة البنية التحتية، فعلى الرغم من توافر الموارد المالية في ليبيا اللازمة للإنفاق على إنشاء البنية التحتية، المتمثلة في (المطارات، والموانئ، ومنظومة الاتصالات، والطرق، وخدمات الطيران والملاحة، والمرافق العامة من مياه صالحة للشرب، وري وصرف صحي، وغيرها)، فإن ليبيا احتلت المرتبة 115 ضمن 139 دولة في مستوى تلك الخدمات. بينما جاءت تونس في المرتبة الـ 30، على الرغم من عدم توافر الإمكانات المادية المتوافرة في ليبيا.
ثانيا- أثر الثورات على اقتصادات دول الربيع العربي:
بعد أن نجحت الثورات العربية في التخلص من أنظمة الحكم القديمة، وتم اتخاذ العديد من الإجراءات كرفع قوانين الطوارئ، وصياغة الدساتير، وإجراء الانتخابات، ظن الكثيرون أن الوضع الاقتصادي بتلك الدول سيتجه للأفضل تدريجيا. لكن واضعي السياسات في الشرق الأوسط وجدوا أنفسهم أمام تحديات عملية صعبة للغاية، تشمل بصفة خاصة خلق فرص عمل اقتصادية لملايين من المواطنين، وانتشال ملايين آخرين من الفقر المدقع الذي عانوه طيلة عقود مضت.
فبدلا من الاتجاه إلى الخروج من الأزمة، ازداد الاقتصاد المصري تدهورا بفعل التوتر السياسي الذي أثر بدوره في حركة البورصة، وثقة رأس المال في الاستثمار بمصر، مما أدي إلى هروب استثمارات قدرت في عام 2012 بنحو 13 مليار دولار، وانخفاض الاحتياطي الأجنبي إلى نحو 15 مليار دولار فقط في نهاية ديسمبر 2012، وارتفاع إجمالي الديون الخارجية من 34 إلى 50 مليار دولار، وخضعت مصر لخفض تصنيفها الائتماني، أي قدرتها على سداد ديونها، ثلاث مرات خلال عام 2012 ليصيح عند "B”.
أما الاقتصاد التونسي، فقد أوشك على الإفلاس، حيث ارتفع معدل البطالة بنحو 19 ٪، وتعدت نسبة الفقر 25 ٪، فيما ارتفع عجز الميزان التجاري التونسي في ديسمبر 2012، ليبلغ 5.7 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مما نجم عنه انخفاض مستوى الاحتياطي من العملة، حيث تراجع إلى 10.551 مليون دينار. كما شهد عام 2012 ارتفاعا كبيرا للأسعار، والتضخم المالي، ومعدل البطالة واتساع دائرة الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة.
وقد كان للاضطرابات السياسية في اليمن، خلال عام 2011، أثرها البالغ على الاقتصاد، حيث أدت إلى هبوط إجمالي الناتج المحلي بما يتجاوز 12 ٪. ومنذ ذلك الحين، حقق اليمن تقدما نحو التعافي والاستقرار الاقتصادي، وذلك بفضل الدعم القوي من الجهات المانحة، وانتهاجه لسياسات نقدية رشيدة. ولكن لا يزال على اليمن أن يسارع من أجل تنفيذ الإصلاحات الضرورية اللازمة للحفاظ على تلك المكاسب التي حققها أخيرا مع مكافحة الفقر والبطالة.وفي سوريا، يختلف الوضع قليلا عن بقية دول الربيع العربي. فما بدأ في أوائل عام 2011، بسبب الاحتجاجات ضد الظروف المعيشية السيئة، تطور إلى ثورة كاملة ضد حكم الأسد، وأخذت الأحداث منعطفا للأسوأ، عندما تحول الوضع إلى حرب أهلية مشوبة بنزعة طائفية.
ويمكن القول إن الاقتصاد الليبي هو الأكثر قابلية بين اقتصادات دول الربيع العربي لاستعادة معدلات النمو السابقة. فليبيا لا تحتاج إلى تمويل خارجي بفضل ثروتها الضخمة من الموارد الطبيعية، خاصة الثروة النفطية، ولا تعاني ديونا خارجية أو داخلية ترهق ميزانيتها، وإنما تعاني سوء استغلال تلك الثروات.وعلى الرغم من أن الوضع الاقتصادي في ليبيا ينحو إلى التحسن، فإن التقلبات المستمرة في أسعار النفط العالمية تجعل الأداء الاقتصادي عرضة للصدمات النفطية العالمية، الأمر الذي يعقد من عملية الإدارة الاقتصادية في البلاد. فمنذ قيام الاضطرابات في ليبيا عام 2011، نجد أن الإنفاق الجاري آخذ في الزيادة بسبب الزيادة في الأجور، وكذلك زيادة الدعم، وذلك على الرغم من أن الموازنة العامة للدولة قد تحولت من حالة العجز البالغ نحو 18.7 ٪ الذي شهدته خلال الأحداث في عام 2011، لتسجل فائضا يقدر بنحو 24٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، خلال عام 2012، وذلك مع استعادة الإنتاج من النفط والغاز. ولكن على الجانب الآخر، ومع زيادة مخصصات الأجور والدعم، نجد أن العجز غير النفطي في الميزانية العامة قد ارتفع من نحو 139.6 ٪، خلال عام 2010، ليسجل نحو 191 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام .2012
كما واجهت تونس عددا من الصعوبات الاقتصادية، وسلسلة من الصدمات الخارجية منذ عام 2011، بسبب البيئة الاقتصادية الدولية المليئة بالتحديات، إلى جانب التوترات المحلية والإقليمية، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2٪ خلال عام 2011، وكذلك انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر والنشاط السياحي بأكثر من 30 ٪ على أساس سنوي.
ومن الواضح أن المعضلة السياسية في بلدان الربيع العربي لا يمكن حلها بشكل صحيح دون اتباع الأسس الاقتصادية السليمة، التي ترضي المجتمع بأسره. فالاضطرابات الحالية في البلدان العربية تنبع بالفعل من قبل التوتر المتأصل بين الهياكل الديموجرافية والاقتصادية في المنطقة، حيث تخضع البلدان العربية لتحول ديموجرافي لم يسبق له مثيل، فلا تزال هياكلها الاقتصادية جامدة غير قادرة على إتاحة فرص العمالة المنتجة للداخلين الجدد إلى سوق العمل.
فالدولة في معظم الاقتصادات العربية هي الفاعل الاقتصادي الأكثر أهمية، متفوقة بذلك على جميع القطاعات الإنتاجية المستقلة. وعندما يتعلق الأمر بضروريات الحياة، مثل الغذاء وفرص العمل، والمأوي، والخدمات العامة، تصبح الدولة هي الملاذ الأول والأخير أمام مواطنيها. وبالنظر إلى عمل الأنظمة الحاكمة السابقة ببلدان الربيع العربي، نجد أنها كانت ترتكز على جرعة كبيرة من الإعانات، ومجموعة متنوعة من الممارسات غير التنافسية. في حين أن نظام البيروقراطية المركزية قد عمل بشكل جيد، ولكن لمصلحة النخب الحاكمة، وفئة المنتفعين الضيقة التي تزدهر مع دعمهم، فيما فشلت تلك النظم في تحقيق الرخاء والعدالة الاجتماعية للمواطنين العاديين.
ثالثا- المساعدات الخارجية واقتصادات دول الربيع العربي:
بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، تعهد المجتمع الدولي ودول الخليج العربية بمساعدات بعشرات المليارات، لكن لم تتسلم دول الربيع العربي سوي نسبة ضئيلة منها فقط. وفي بعض الحالات، يبدو أن السياسة، أو السياسات الاقتصادية، أو الضغوط على الميزانية قد عطلت تدفق أموال المساعدات. فخلال مايو 2011، تعهد زعماء مجموعة الدول الثماني بمساعدات بقيمة نحو 40 مليار دولار، أغلبها على شكل قروض منخفضة التكلفة لمصر وتونس، على مدي فترة زمنية لم تحدد. وكان من المقرر أن تقدم مساعدات بقيمة عشرة مليارات من دول الثماني، وعشرة مليارات من دول الخليج، و20 مليارا من مؤسسات دولية مثل البنك الدولي. وفي سبتمبر 2011، ضاعفت مجموعة الثماني تعهداتها، وأضافت المغرب والأردن لقائمة الدول المتلقية للمساعدات.
وقد كان اليمن أول البلدان التي تتلقي دعما ماليا من صندوق النقد الدولي، حيث تم صرف ذلك الدعم البالغ نحو 94 مليون دولار في أبريل 2012 بموجب التسهيل الائتماني السريع الذي تتاح الاستفادة منه كنوع من المساعدة الطارئة لدعم أهداف إصلاحية محدودة، عندما تتسبب الأزمات في الحد من قدرة البلدان على تنفيذ السياسات. وقد ساعد ذلك الدعم على استقرار الأوضاع في اليمن، حيث تمكنت السلطات من الوفاء بأهداف برنامجها الإصلاحي، بل يمكن القول إنها قد تجاوزتها. وحصلت صنعاء على دعم استثنائي من المانحين، خاصة من المملكة العربية السعودية، وزادت المنح الخارجية من نحو 1 ٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 إلى نحو 6 ٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي عام .2012 وبفضل تلك العوامل مجتمعة، استقر سعر الصرف عند مستوى ما قبل الاضطرابات، وانخفض معدل التضخم، ومن ثم بدأ النشاط الاقتصادي يستعيد تعافيه، حيث نما القطاع غير النفطي بنحو 4 ٪.
أما في حالة مصر، فقد وعدت المملكة العربية السعودية بتقديم حزمة من المساعدات بقيمة 3.750 مليار دولار، في صورة وديعة في البنك المركزي المصري، ومنح لمشاريع تنموية، ودعم مباشر للموازنة المصرية، خلال عام .2011 كما قدمت السعودية، خلال الشهور الأولي من عام 2012، مساعدات عينية تمثلت في تأمين ألف طن متري من غاز البترول المسال، وأعلنت في مايو 2012 عن توفير مساعدات بقيمة 500 مليون دولار. أما الإمارات، فقد وعدت بتقديم ثلاثة مليارات دولار في صورة قروض وودائع ومنح، ولم تتخذ خطوات فعلية لتوفير تلك المساعدات لمصر حتي 30 يونيو .2013وبالنسبة للكويت، لم يتم الإعلان عن مساعدات محددة للاقتصاد المصري حتي 30 يونيو 2013، أو عن رغبة في زيادة حجم الاستثمارات، والتي لا تتعدي -وفق بعض التقديرات- 2.7 مليار دولار.
ومن جانبها، ركزت قطر استثماراتها في تونس وليبيا، وقام أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثان، بزيارة لتونس للمشاركة في إحياء الذكري الأولي للثورة التونسية في يناير 2012، وأعلن خلالها عن إبرام 10 اتفاقيات تعاون مع تونس.كما قدمت الدوحة مساعدات كبيرة للثورة الليبية قبل سقوط القذافي. وبعد سقوطه، تم توقيع العديد من الصفقات التي تصل قيمتها إلي ثمانية مليارات دولار. وأشارت بعض التقارير إلي أنه بعد تجميد الأرصدة الليبية، عرضت قطر تسويق مليون برميل من النفط لحساب المجلس الانتقالي، وتحقيق 100 مليون دولار من العائدات.وفي حالة مصر، ارتبط تأخر ضخ استثمارات قطرية جديدة في مصر بالوضع السياسي فيها بالدرجة الأولي، حيث فضلت قطر، خلال الفترة الماضية، الانتظار قبل ضخ المزيد من الاستثمارات، حتي استكمال واستقرار هياكل الدولة المصرية.
ومن ثم، نجد أن إجمالي المساعدات التي تعهدت بها الدول العربية لمصر، بعد ثورة 25 يناير، بلغ 8.2 مليار دولار، لم تحصل منها مصر سوي على مبلغ 500 مليون دولار تم تخصيصه لدعم الموازنة، وأضيف إلي حساب وزارة المالية المصرية في البنك المركزي المصري في 16 مايو .2011
وبعد 30 يونيو 2013، تلقت مصر حزمة مساعدات عربية تقدر بنحو 12 مليار دولار مقدمة من المملكة العربية السعودية (5 مليارات دولار)، والإمارات العربية المتحدة (4 مليارات دولار)، والكويت (3 مليارات دولار). وتأتي 50 ٪ من قيمة تلك المساعدات في شكل منح نقدية لا ترد، وأخري عينية في شكل مشتقات النفط والغاز. ومن شأن تلك المساعدات أن يكون لها آثار إيجابية على الاقتصاد المصري، منها:
1- ستؤدي الودائع ذات الفائدة الصفرية، والتي تشكل نحو ستة مليارات دولار من إجمالي حزمة المساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر، إلي زيادة الاحتياطيات من النقد الأجنبي بشكل ملحوظ، وهو ما ظهر واضحا مع إعلان البنك المركزي المصري زيادة الاحتياطيات إلي 18.8 مليار دولار خلال يوليو 2013، مقارنة بـ 14.9مليار دولار في نهاية يونيو .2013
2- من شأن المنح النقدية والعينية التي تمثل نحو ستة مليارات دولار، من إجمالي حزمة المساعدات الاقتصادية العربية، أن تسهم في تخفيض عجز الموازنة بما يقرب من 20٪، وهو ما سيمكن الحكومة من تقليل اعتمادها على الدين العام، الذي يمثل حاليا نحو 85 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وفقا لذلك، من المتوقع أن تتحسن المؤشرات المالية للدولة، كما ستنخفض مدفوعات الفوائد التي تشكل نحو 27 ٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي.
3- من شأن الحصول على منتجات نفطية، تعادل قيمتها ثلاثة مليارات دولار من دول الخليج الثلاث، أن تسهم في دعم قطاع الطاقة في مصر في الأجل القصير، فالحكومة لن تضطر إلي تحمل تكاليف النقل والتأمين التي تتحملها، في حالة استيراد الكمية المعادلة لتلك المنتجات.
أما عن قرض صندوق النقد الدولي البالغ 4.8 مليار دولار، والذي يتم التفاوض عليه منذ أكثر من عامين، فمن المتوقع إلغاء المفاوضات بسبب شروطه غير الملائمة للوضع المصري الحالي، وتزايد استعداد الدول الخليجية لدعم الاقتصاد المصري. ومن جهة أخري، ربما ترفض بعثة الصندوق إعطاء مصر القرض بعد إعلان الدول المسيطرة على أكبر حصص الصندوق رفضها الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.
وفيما يخص الإسهامات الفعلية لتلك المساعدات في دعم اقتصادات دول الربيع العربي، نجد أن الخسائر المتوقعة لدول الربيع العربي الخمس (مصر، وتونس، واليمن، وليبيا، وسوريا) في الفترة بين 2011 و2015، نتيجة الاضطرابات السياسية، تقدر بما يزيد على 500 مليار دولار. وبالنظر إلي حجم المساعدات والمنح الخارجية التي حصلت عليها تلك الدول، نجد أن إسهاماتها في انتشال اقتصادات تلك الدول من حالة الركود والتدهور الراهنة ضعيفة للغاية، حيث تقدر تعهدات المساعدات الدولية بنحو 60 مليار دولار، لذا من غير المتوقع أن تسهم بشكل فعال في سد الاحتياجات التمويلية لتلك الدول، والتي قدرها صندوق النقد الدولي بنحو 160 مليار دولار، خصوصا أن ما تم صرفه فعليا من تلك المساعدات لم يزد على 20 مليار حتي نهاية فبراير .2013
ويعد ما قدمته دول الخليج لدول الربيع العربي ضئيلا، خصوصا بالمقارنة بدول أخري تلقت منحا ومساعدات خليجية، فقد قدمت دول الخليج 25 مليار دولار منحا لا ترد للدول الملكية العربية (البحرين، وسلطنة عمان، والأردن، والمغرب). ومن ثم، نجد أن الدعم الخليجي لن يعوض قلة أو غياب الدعم الذي كان من المفترض أن تتلقاه دول الثورات من الدول المتقدمة مثل أوروبا، واليابان، والولايات المتحدة.
وحول فرص إنقاذ اقتصادات الربيع العربي، هناك إجماع واسع النطاق في بلدان الربيع العربي على أن القطاع الخاص شرط أساسي لخلق فرص العمل المستدامة والنمو. لكن الواقع الحالي أن الدولة متضخمة، وغير كفء، وفاسدة. ومن الممكن أن تتطلع المنطقة العربية إلي اتباع نموذج مشابه لأوروبا الشرقية. فبإلقاء الضوء على تجارب تلك الدول، تستطيع الدول العربية رسم سياسات ناجحة وواقعية فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية. كما أن هناك الكثير مما يمكن أيضا الاقتداء فيه بدولة مثل تركيا، التي تمكنت من خلق قطاع خاص ديناميكي ومبتكر مثل حجر زاوية في النهضة الاقتصادية التركية.
ومما يميز اقتصادات الربيع العربي أنها لا تعاني تلك التشوهات العميقة التي عانتها دول أوروبا بعد مرحلة الشيوعية. فالعديد من الإصلاحات المبكرة نفذت بالفعل، والنظم المصرفية المتطورة موجودة بشكل معقول. في حين أن البنوك في أوروبا الشرقية اضطرت إلي البناء من الصفر للخروج من أنقاض الاشتراكية.
خلاصة القول إن بلدان الربيع العربي بحاجة ملحة إلي خطة اقتصادية واضحة، تنبع من واقع تلك الدول ذاتها، وعلى أساس مقاربة تأخذ في الحسبان الأدوار الحاسمة من دولة متمكنة، وقطاع مالي محفز. فالتحول الاجتماعي والسياسي الجاري، والمدعوم بالإدراك الواسع بالحاجة إلي التغيير، من شأنه أن يوفر فرصة تاريخية للشروع في الإصلاحات المعززة للنمو.
المصادر :
1- مهدي أبوبكر رحمة، الشرق الأوسط والربيع العربي .. آفاق ومستقبل، الحوار المتمدن، العدد 3615 بتاريخ 22 يناير 2012.
2- ريادة الأعمال الاجتماعية: لماذا هي مهمة بعد الربيع العربي؟ كتابة: اليزابيث باكنر، سارينا بيجيس، ولينا الخطيب، جامعة ستانفورد، برنامج الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي، مركز التنمية والديمقراطية وسيادة القانون(CDDRL)، جامعة ستانفورد، مارس 2012.
3- أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، إدارة الاقتصاد المصري في المرحلة الحالية، ندوة أعدها قطاع المجالس النوعية، مجلس العلوم الاقتصادية والإدارية، فبراير 2011.
4- أحمد زايد، دولة العدل الاجتماعي: مركزية القيمة ولا مركزية الحكم، أوراق للحوار، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أبريل .2011
5- خبراء يحذرون من تفاقم التداعيات الاقتصادية مع عدم الاستقرار السياسي، صحيفة المصري اليوم، 6 مايو 2012.
6- صندوق النقد الدولي، الجماهيرية العربية الليبية .. استراتيجية متوسطة الأجل للإصلاح الاقتصادي، 2006.
7- نشرة صندوق النقد الدولي، المجلس التنفيذي يوافق على اتفاق ائتماني مع تونس، 3 يوليو 2013.
8- نشرة صندوق النقد الدولي، اليمن: إعادة هيكلة الإنفاق العام ستؤدي لخلق الوظائف ومكافحة الفقر، 31 يوليو 2013.
9- نشرة صندوق النقد الدولي: ليبيا على مسار التعافي، لكن أمامها شوطا طويلا من الجهود لإعادة البناء، 16 أبريل 2013.
10- 43 مليار دولار حجم التعاون الاقتصادي الخليجي مع دول الربيع العربي، صحيفة الوطن الكويتية، 17 مايو 2013.
11- الأبعاد الاقتصادية لسياسة تركيا تجاه دول الربيع العربي، 11 سبتمبر 2012:
http://rcssmideast.org
12- الوضع السياسي المتوتر أنتج اقتصادا هشا في مصر، اليوم السابع، 20 يناير 2012.
13- خريطة المساعدات الخليجية إلي مصر بعد الثورة، 11 سبتمبر 2012:
http://rcssmideast.org
14- أولويات السياسات الاقتصادية لدول الثورات العربية، 11 يوليو 2013:
http://rcssmideast.org
15- .. 2013 يطل على تونس بشبح الإفلاس، اليوم السابع، 20 يناير 2013.
16- خالد زكريا، كيف يمكن تعظيم العائد من المساعدات الاقتصادية العربية لمصر، الشروق، 24 أغسطس 2013.
17- اقتصاد ليبيا يعاني وفرة في الموارد وسوء استغلال، اليوم السابع، 20 يناير 2013.
- د. محمد السمهوري، احتمالات انهيار الاقتصاد السوري بعد العقوبات، 21 فبراير 2012:
http://rcssmideast.org
18- Erik Berglof, Anchoring the Arab Awakening, 2013/6/3:
http://www.project-syndicate.org/commentary/the-right-reform-strategy-for-arab-economies-by-erik-berglof
19- The Economics of the Arab Spring, By Adeel Malik and Bassem Awadallah, Middle East Institute, 23 Nov 2011:
http://www.mei.nus.edu.sg/publications/mei-insights/the-economics-of-the-arab-spring
20- Development effectiveness after the Arab Spring: Challenges ahead Emmanuel Frot, Anders Olofsgrd, Maria Perrotta, 26 October 2012:
http://www.voxeu.org
21- The MENA Revolutions: Then and Now, Chris Mansur, Jul 15, 2013:
http://www.Geopoliticalmonitor.com
22- Post-Arab Spring economies: where is the growth?, April 29, 2013: http://www.yourmiddleeast.com
23- The Economics of the Arab Spring, By Adeel Malik and Bassem Awadallah, June 2012: http://www.mei.nus.edu.sg
24- Economic Issues Plague the Arab Spring, March 26, 2013:
http://www.voanews.com