أعلن العاهل المغربي محمد السادس ضمن رسالة بعثها إلى القمة السابعة والعشرين للاتحاد الإفريقي التي تنعقد في العاصمة الرواندية «كيغالي»، توجّه المغرب إلى العودة إلى هذه المنظمة.
وقد تضمنت الرسالة مجموعة من الإشارات الدقيقة والمهمة التي تحدد سياق العودة ودلالاتها. فالأمر يتعلق بمبادرة تشكّل امتداداً لسياسة خارجية مغربية منفتحة على إفريقيا؛ ضمن ترسيخ نموذج فعال للتعاون جنوب - جنوب على مختلف الواجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية؛ يدعم تحقيق التعاون والأمن والاستقرار داخل هذه القارة..
كما تعكس السعي لتجاوز أخطاء الماضي؛ وتعزيز التنسيق والتماسك الإفريقيين والانكباب على القضايا الحقيقية للقارة في علاقة ذلك بتحقيق التنمية وترسيخ الاستقرار والأمن ومكافحة الإرهاب؛ وتجاوز المعضلات الاجتماعية والاقتصادية في مرحلة تنامى فيها التهافت الأجنبي على القارة؛ بدل التورط في إثارة الصراعات والاستقطابات والمسّ بسيادة الدول ووحدتها؛ بما يؤثر بالسلب في مصداقية هذه المنظمة التي قامت عند تأسيسها على مجموعة من المبادئ، في علاقة ذلك باحترام سيادة الدول الأعضاء وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
إن تجميد المغرب لعضويته في منظمة الوحدة الإفريقية في منتصف الثمانينات (1984) من القرن الماضي إثر اعتراف المنظمة بجبهة البوليساريو التي لا تتوافر على أدنى شروط ومقومات الدولة كما هي متعارف عليها في القانون الدولي؛ شكّل حينئذ ضربة لمصداقية هذه المنظمة التي كان يفترض أن تنكب على حماية سيادة الدول وتجاوز الإشكالات الكبرى التي كانت تعيش على إيقاعها دول القارة في هذه المرحلة..
كان للانسحاب مبرِّراته في سياق إقليمي وتاريخي مختلف؛ وقد برزت في الوقت الراهن مجموعة من المستجدات والمتغيرات التي لا تخفى تداعياتها الداخلية والخارجية على مسار ملف قضية الصحراء أنضجت خيار العودة؛ فهناك مبادرة الحكم الذاتي التي لقيت تجاوباًَ واستحساناً دوليين وثمنته الأمم المتحدة، كما أنه لقي ترحيباً كبيراً من قبل الساكنة؛ باعتباره حلاً يوازن بين مطلبي الاستقلال والوحدة؛ ولكونه امتداداً عملياً لحق تقرير المصير مبنياً على التفاوض والحوار وعلى تمكين الساكنة من الإمكانات والصلاحيات الكفيلة بتدبير شؤونها بصورة ديمقراطية؛ في مقابل الخطابات المتجاوزة للبوليساريو.
كما أجرى الطرفان جولات عديدة من المفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة؛ فيما قامت مجموعة من الدول الإفريقية بسحب اعترافها من البوليساريو؛ اقتناعاً منها بجدية ومصداقية الموقف المغربي وعدالة قضيته.
إن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في هذه المرحلة بالذات؛ هي عودة من موقع أقوى بالنظر لعدة اعتبارات؛ متصلة بطرح مشروع الحكم الذاتي الواعد في مقابل الخطابات والمطالب التقليدية المتجاوزة التي تطرحها البوليساريو؛ وبحجم التشابك والتطور اللذين طبعا العلاقات المغربية بعدد من الدول الإفريقية التي بادر عدد كبير منها إلى سحب اعترافه بالبوليساريو تحت وقع الدلائل التاريخية والواقعية التي يطرحها المغرب بصدد وحدته الترابية، وأهمية المشاريع التنموية التي أطلقت في هذه الأقاليم؛ التي استفادت من الدينامية السياسية والحقوقية التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة.. إضافة إلى القيمة المضافة التي سيشكلها هذا الانضمام من حيث دعم خيار التكتل كسبيل لمواجهة تحديات إفريقية مشتركة على مستويات عدة بالنظر إلى المكانة الدولية والإقليمية للمغرب؛ ولتجربته السياسية المتميزة وفي مكافحة الإرهاب..
ومن هذا المنطلق؛ فالعودة إلى الاتحاد لا تمثّل رهاناً مغربياً فقط؛ رغم أنها ستمكّنه من الدفاع عن تصوّراته حول ملف الصحراء وتمريرها بطريقة مباشرة؛ وتجاوز المواقف الأحادية التي ظلّ البعض يردّدها داخل جنبات الاتحاد بصدد القضية؛ والمرافعة بشأنها وتقديم تصوراته في هذا الإطار بشكل مباشر، فضلاً عن السعي نحو إقناع بعض دول الاتحاد بالتراجع عن الخطأ الذي تورطت فيه المنظمة بقبولها عضوية كيان لا تتوافر فيه مقومات الدولة.. بل إنها رهان إفريقي أيضاً؛ تعكسه الدعوات المتزايدة لعدد من الدول الإفريقية في هذا السياق؛ اقتناعاً منها بالإضافة النوعية التي سيشكلها هذا الانضمام بالنسبة للقارة الإفريقية وانعكاسها الإيجابي على أداء هذه المنظمة.
إن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي هي امتداد لتوجهاته وخياراته الاستراتيجية خلال العقدين الأخيرين؛ وهي فرصة حقيقية للمّ شمل قارة تحتضن الكثير من الإمكانات والطاقات.. ففي مقابل التحولات المهمة التي عرفها المغرب في العقدين الأخيرين؛ وما يتصل بذلك من مراكمة تجربة واعدة في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية..؛ شهدت القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة مجموعة من الإصلاحات؛ أسهمت في تحقيق نوع من الاستقرار والتداول السلمي على السلطة في عدد من الأقطار، وفي رسم صورة مشرقة عن القارة.
------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، 21-7-2016.