تشكل قضية اللاجئين أحد أبرز المتغيرات المؤثرة في تشكيل العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط، في ضوء ما تشهده المنطقة من تغيرات مستمرة في طبيعة تفاعلات دولها، وموازين القوي الحاكمة لعلاقاتها منذ الثورات العربية في عام .2011 وبالرغم من أن مسألة اللاجئين ليست بالأمر المستحدث، خاصة أن المنطقة عرفت من قبل موجات من اللجوء الفلسطيني، والعراقي، والصومالي، فإن موجة اللجوء السوري طرحت تأثيرات أكثر عمقا في بنية النظام الإقليمي، خاصة مع ما يعانيه من اضطرابات حادة.
ولذا، فإن هذه الورقة ستتعامل مع التأثيرات الإقليمية لتدفقات اللاجئين من منظور الأمن الإقليمي، وما يواجهه من تهديدات غير تقليدية للدول تفرز بدورها نمطا إقليميا من التعامل السياسي مع هذه القضية الإنسانية، خاصة إذا شكل ضعف تعامل المجتمع الدولي مع اللاجئين فرصة بالمقابل لبعض القوي الإقليمية لتحقيق مصالحها. وستلجأ الورقة إلي التطبيق علي نموذج تركيا، خاصة أنها من كبري الدول المضيفة للاجئين، محاولة فهم أبعاد وحسابات سياستها تجاه اللجوء السوري.
أولا- الأمن الإقليمي والتهديدات غير التقليدية:
ثمة تداخل بين مفهومي الأمن الإقليمي والأمن القومي للدول، إذ يدور الأمن القومي للدول حول حماية النطاق الجغرافي التي تمارس عليها سيادتها من التهديدات الداخلية والخارجية، وخاصة تلك التي قد تمثلها دول الجوار. ومن ثم، فإن المفهوم ينسحب علي كل ما له صلة بالمصلحة العامة للدولة، ويتم التمييز فيه بين خمسة تطبيقات، هي: الأمن الداخلي، والأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، والأمن العسكري، والأمن القومي. أما الأمن الإقليمي، فيعمل علي تأمين مجموعة من الدول داخليا، ودفع التهديدات الخارجية عبر صياغة تدابير محددة فيما بينها، ضمن نطاق إقليمي واحد، حيث لا يرتبط الأمر برغبة بعض الأطراف فحسب، وإنما بتوافق إرادات أساسها المصالح الذاتية لكل دولة، والمصالح المشتركة بين مجموع دول النظام، حيث يتعذر تحقيق أمن أي عضو فيه خارج إطار النظام الإقليمي(1).