يمثل الاتفاق النهائي، الذي وقعه الفرقاء الليبيون في 17 ديسمبر 2015 برعاية الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية، أحد أشكال تسوية الصراعات، وليس إدارتها أو تخفيض حدتها، كحال اتفاقات وقف النار. فالاتفاق في مجمله استهدف توحيد السلطة، ومؤسسات الدولة التي انفرط عقدها، عندما تنازع برلمانان وحكومتان في الشرق والغرب علي الشرعية، وتقاتلا بالسلاح عبر قوي عسكرية مناطقية منذ صيف عام 2014، إثر فشل الاستحقاقات الانتخابية خلال عامي 2012 و2014 في التكريس لمسار سلمي، بعد سقوط نظام القذافي.
وبينما أعقب توقيع الاتفاق تسارع للدعم الدولي لتنزيل نصوصه علي الأرض، خلال النصف الأول من عام 2016، عبر تكريس سلطة حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، كأحد نواتج تسوية الصخيرات، فإنه برزت عراقيل، مثل عدم نيل حكومة الوفاق لثقة مجلس النواب، إضافة للخلافات حول الشق الأمني في التسوية، خاصة معضلة خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي.
في ضوء ذلك، يستهدف هذا التحليل تقييم جهود تسوية الصراع الليبي عبر ثلاث نقاط أساسية، الأولي: طبيعة السياقات المحفزة لانخراط الأطراف المتنازعة في مسار تسوية الصراع، والثانية: تحديد أبرز مضامين إشكاليات اتفاق الصخيرات في صيغته النهائية. أما النقطة الثالثة والأخيرة، فتتعلق بفرص الاتفاق، أي مدي قدرته علي الإنفاذ، وتحقيقه هدفه الأصيل في بناء مؤسسات الدولة الليبية، وإن كان ذلك كله يستدعي، بداية تحديدا، ما الذي نقصده بتسوية الصراع، ومشروطيات إنضاجها وصمودها، خاصة في الصراعات الداخلية العربية.