كانت عودة روسيا إلي مصاف القوي الكبري من الأهداف القليلة التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،فور توليه السلطة عام2000.وعقب ثماني سنوات،وخلال أزمة أوسيتيا الجنوبية عام2008،بدا واضحا أن بوتين قد حقق هدفه،واستعادت روسيا مكانتها ودورها الفاعل، بعد تراجع خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات. وقد تأكد الدور الروسي الفاعل خلال الأزمتين السورية والأوكرانية. بل إنه خلال العام المنصرم،تحول الدور الروسي من دور فاعل إلي دور قائد، خاصة عقب التدخل الروسي في سوريا،حيث تقود موسكو مجريات الأحداث في سوريا وأوكرانيا، ليتأكد تحول النظام الدولي من الأحادية القطبية،التي تهيمن عليها الولايات المتحدة،إلي نظام تعددي تلعب فيه روسيا وعدد من القوي الصاعدة دورا محوريا وموازنا للدور الأمريكي.
وقد جذبت هذه التغيرات اهتمام العديد من الباحثين. وعلى حين أقر البعض بهذه التغيرات،ودعا إلي فهم أبعادها وتداعياتها الدولية والإقليمية، قلل البعض الآخر من عمق التغيرات الجارية،وتأثيراتها الحالية والمستقبلية، ومن هؤلاء بوبو لوBobo Loفي كتابه"روسيا والاضطراب العالمي الجديدRussia and the New World Disorder". فرغم أن الباحث أقر بصعود واضح للدور الروسي، وبتغير النظام الدولي باتجاه تعدد القوي، فإنه تناول هذه التطورات من منظور هيمنت عليه توجهات سلبية فيما يتعلق بروسيا ودوريها الدولي والإقليمي.
الداخل الروسي والسياسة الخارجية:
انطلق الكاتب من رؤية تقوم على محورية دور العوامل والمحددات الداخلية الروسية في رسم التوجهات والسياسة الخارجية للدولة، ورأي أن هيمنة النزعة والتوجهات القومية،والميول الإمبراطورية لدي القيادة والنخبة الحاكمة الروسية هي العامل الأساسي الحاكم لهذه السياسة. وافترض الكاتب أن الدول الديمقراطية أكثر ميلا للتعاون،في حين أن النظم التسلطية عادة ما تميل إلي مواقف عدوانية. ورغم كون المقولة السابقة من المقولات الغربية التقليدية في دراسة وتحليل السياسة الخارجية، فإنها تظل متحيزة وعاجزة عن تفسير العدوان الذي قامت به العديد من الدول التي من المفترض أنها ديمقراطية علىغيرها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك قيام بريطانيا بضم جزر الفوكلاند بالقوة مطلع الثمانينيات، والاحتلال الأمريكي للعراق عام2003،وما خلفه من خسائر بشرية ومادية فادحة أعادت للأذهان حروب القرون الوسطي.
كما أغفل الكاتب القفزات التي حققتها روسيا علي الصعيدين الاقتصادي والعسكري، وكيف نجحت القيادة الروسية في الانتقال بروسيا من دولة منهارة اقتصاديا،وشبه مفلسة في أغسطس1998،إلي عاشر أقوي اقتصاد عالمي،وفق تقديرات البنك الدولي لعام2014،والتي تظل أقل من سابقتها (المرتبة السادسة) خلال أعوام ما قبل الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وكذلك ما قبل الأزمة المالية العالمية2008،والتي ألقت بظلالها على مختلف دول العالم،وكانت واشنطن والاتحاد الأوروبي الأكثر تضررا منها. فقد استطاعت موسكو الصمود أمام الضغوط والعقوبات الغربية التي تم فرضها،على خلفية الأزمة الأوكرانية،متكئة على فوائض عوائد النفط في فترات سابقة،والتي شكلت ثالث أكبر احتياطي عالمي من الذهب والنقد الأجنبي، والتي تبلغنحو370مليار دولار، وصندوقين احتياطيين بنحو70و80مليار دولار، بالإضافة إلي حاضنة آسيوية كفلت لروسيا عدم العزلة سياسيا واقتصاديا.
وقد دفعت الضائقة الاقتصادية التي تواجهها روسيا،على مدي العامين الماضيين،الكثيرين للتساؤل حول مدي قدرة موسكو على مواصلة نهجها في أوكرانيا مع الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في الداخل، وتجديد واشنطن والاتحاد الأوروبي للعقوبات المفروضة عليها. كما يثور التساؤل حول مستقبل التدخل الروسي في سوريا، ومدي قدرة موسكو على مواصلة ضرباتها ضد الإرهاب،خاصة أنها تتحمل تكلفة تلك الضربات بالكامل،ولا توجد مصادر تمويل بديلة،في ظل تدهور أوضاع سوريا،ومحدودية قدرات إيران بحسبانها الحليف الإقليمي الأساسي لها. وذهب بعض المحللين إلي المقارنة بين الأوضاع الروسية الحالية وتلك السوفيتية إبان تفكك الاتحاد السوفيتي، ورأي بعضهم أن ما يحدث في روسيا سيؤدي إلي تراجع دوريها الإقليمي والدولي حتما، بل وقد يؤدي إلي اضطرابات داخلية وعدم استقرار يفتح الباب لتغييرات سياسية عميقة في روسيا،وأن تكبيد روسيا خسائر مؤلمة،من خلال خفض أسعار النفط، واستنزاف القدرات الروسية،خاصة في سوريا،قد يكون سياسة أمريكية متعمدة لجر روسيا إلي مستنقع أفغاني جديد. وكما مثل التدخل السوفيتي في أفغانستان نهاية الدور الدولي لموسكو السوفيتية، فسيكون التدخل الروسي في سوريا نهاية الدور الروسي المتصاعد إقليميا ودوليا.
ومن الواضح أن روسيا تمر بمرحلة أشبه بما يطلق عليه البعض "عنق الزجاجة"، وأمامها خياران، إما الانطلاق وتثبيت دعائم استقرارها الداخلي ودوريها الدولي والإقليمي، وإلا فستظل حبيسة أزماتها التي قد تدفع بها إلي دوامة عدم الاستقرار مرة أخري. والعنصر الحاسم في ذلك هو حكمة القيادة الروسية،ورشادة إدارتها للأزمة. ومن الجلي أن بوتين ليس جورباتشوف، وأنه يسير وحكومته بخطي قد تبدو بطيئة، ولكنها ثابتة ومدروسة جيدا لتجاوز الأزمة الاقتصادية. كما أن روسيا تنطلق في مواقفها تجاه أوكرانيا وسوريا من حسابات تتعلق بأمنها القومي، ومن مصالح حيوية لا يمكن التفريط فيها،فضلا عن أن روسيا ليست البلد الوحيد الذي يعاني أزمة اقتصادية، فالأزمة عالمية، ويعاني الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أزمة لا تقل وطأة وتأثيرا، وحتي التنين الصيني يواجه مشاكل اقتصادية. فالعالم يمر بمرحلة من عدم الاستقرار الاقتصادي،سيكون لها بالغالأثر في تحديد هيكل النظام الدولي والقوي الفاعلة فيه،في ضوء مدي نجاح هذه القوي في تجاوز أزمتها الاقتصادية،والانطلاق بثبات على طريق النمو.
على صعيد آخر، شهدت القدرات العسكرية الروسية تطورا ملحوظا. فاستعادة روسيا لمكانتها كقوة كبري فاعلة ومؤثرة ما كان من الممكن تصوره دون قدرات عسكرية حديثة ومتطورة،كما ونوعا. وانطلاق روسيا من الجوار القريب في الفضاء السوفيتي السابق إلي الجوار البعيد في الشرق الأوسط وغيره يقتضي أقداما حديدية،وسواعد قوية لإنجاز المهام على بعد آلاف الأميال من حدودها. وعلى سبيل المثال، لم يكن من المتصور أن تقوم روسيا بضرباتها في سوريا لولا هذا الظهير العسكري القوي الذي تتمتع به،والذي يكفل لها إنجاز الأهداف والمهام بأعلى درجة من الفاعلية والنجاح. إن ضرورات الأمن القومي الروسي، ومقتضيات المواجهة المستعرة بين روسيا والناتو،على خلفية الأزمة الأوكرانية، وما تتطلع إليه موسكو من دور فاعل على الصعيدين الإقليمي والدولي،كان الدافع الأساسي وراء النمو والتطور المطرد في القدرات العسكرية الروسية، والذي من الواضح أنه أصبح توجها ثابتا تحرص روسيا على توفير الموارد والقدرات البشرية التي تضمن استمراره في المستقبل.
أبعاد السياسة الخارجية الروسية:
حدد الكتاب أربعة أبعاد رئيسية للسياسة الخارجية الروسية،التي عدّها تحديات تواجه السياسة الروسية، وهي إعادة طرح روسيا كقوة عالمية وفاعل دولي مؤثر، ومحاولة موسكو استعادة نفوذها في الفضاء السوفيتي السابق بالتدخل في شئون الجمهوريات السوفيتية السابقة، والتوجه شرقا باتجاه آسيا والباسيفيك،وتوثيق علاقاتها بالصين،اعتمادا على صفقات الطاقة والسلاح، والتي رأي أنهاغير كافية لتأسيس شراكة راسخة مع الشرق، وفشل روسيا على مدي العقدين الماضيين في تحقيق الاستقرار لعلاقاتها بالغرب. وركز الكاتب تركيزا واضحا على الأزمة الأوكرانية ودورها في تدهور العلاقات بين موسكو والغرب، ووصف ضم شبه جزيرة القرم لروسيا "بالصدمة الاستراتيجية الكبري"،و"العمل الثوري،حيث لم تشهد أوروبا قيام دولة بضم جزء من دولة أخري بالقوة منذ أكثر من نصف قرن".
وتحتاج الأطروحات السابقة إلي كثير من المراجعة، فلا يمكن إنكار أن الأزمة الأوكرانية أدت إلي تدهور حاد في علاقات موسكو بالغرب، إلا أن الغرب يظل هو المسئول الأول عن الأزمة. فمنذ الثورة البرتقالية الأوكرانية عام2004،التي باركتها ودعمتها واشنطن،كان واضحا أن الولايات المتحدة تزاحم النفوذ الروسي،وتسعي إلي تقويضه،واقتلاعه من أوكرانيا، وأنها تسعي لحسم هوية أوكرانيا لمصلحتها،وجعل كييف ضمن المنظومة الأمنية لحلف شمال الأطلسي،وأنه قد حان دور أوكرانيا،بعد أن نجحت الولايات المتحدة في ضم دول أوروبا الشرقية،التي كانت أعضاء في حلف وارسو،ودول البلطيق التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي،إلي حلف الأطلسي. وتمت بالفعل مناقشة ضم أوكرانيا وجورجيا للحلف في قمته عام2008.إلا أن أحداث أزمة أوسيتيا الجنوبية،والمواجهة الروسية - الأمريكية حول جورجيا أجلتا بحث الموضوع،واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، وإن ظل حاضرا في خطط واشنطن.
ولا تتصور موسكو أن يضم الحلف كييف التي كانت يوما ما عاصمة روسيا القديمة، وأن يقف الحلف بقواته وترسانته العسكرية على أبواب موسكو. ولم يكن متصورا أن تقف روسيا مكتوفة الأيدي وهي تفقد منطقة نفوذ رئيسية،بها أهم أساطيلها،والأسطول الوحيد لها على البحر الأسود،حيث المنفذ للمياه الدفيئة بمدينة سيفاستوبيل بشبه جزيرة القرم،جنوب أوكرانيا، وهي قاعدة سوفيتية ذات أهمية استراتيجية آلت إلي روسيا،بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وكانت المعارضة الأوكرانية تتطالب دوما بخروج الأسطول الروسي،ورحيله عن أراضيها.
وكان الدعم الغربي للمعارضة والمحتجين الأوكرانيين واضحا جليا منذ بدء الأزمة، وعكسته زيارات مسئولينغربيين بارزين لميدان الاستقلال بالعاصمة كييف، ولقاءاتهم المتكررة مع قادة المعارضة،قبل استيلائها على السلطة، من بينهم كاترين آشتون، المفوضة العليا السابقة للشئون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، وفيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، التي قامت مع السفير الأمريكي بتوزيع الخبز على المتظاهرين في ميدان الاستقلال،أيضا جون ماكين، عضو الكونجرس الأمريكي، الذي اعتلي منصة المعارضة في ميدان الاستقلال،وخطب مؤكدا دعم واشنطن لها،وأن "مستقبل أوكرانيا ضمن أوروبا". كما أيدت واشنطن وبروكسل استيلاء المعارضة على السلطة،واعترفتا بالحكومة الجديدة في كييف،وبدأتا في التعامل معها بعدّها السلطة الشرعية الوحيدة في البلاد.
من ناحية أخري، جاء ضم القرم لروسيا بناء على استفتاء تم إجراؤه في16مارس2014،وشهد الاستفتاء إقبالاغير مسبوق على التصويت،حيث شارك فيه ما يزيد على83٪من السكان. وفاقت النتيجة كل التوقعات،حيث صوت لمصلحة الانضمام إلي روسيا ما يقرب من97٪، مقابل2.5٪أيدوا العودة إلي دستور عام1992الذي أعطي للقرم حكما ذاتيا،وصلاحيات واسعة،مع الإبقاء عليها جزءا من أوكرانيا. وقد كان الاستفتاء معركة سياسية ودبلوماسية لا تقل ضراوة عن حرب القرم منتصف القرن التاسع عشر. فرغم أن الولايات المتحدة هي أول من صك مفهوم "حق تقرير المصير"،على لسان رئيسها ودرو ويلسون،في خطابه أمام الكونجرس في8يناير1918،ضمن نقاطه الأربع عشرة التي عكست رؤية لترتيبات ما بعد الحرب العالمية الأولي، فإنها أنكرت هذا الحق على شعب شبه جزيرة القرم. ورأت واشنطن أن الاستفتاءغير شرعي،وأنه يمثل انتهاكا لدستور أوكرانيا،وأكدت أنها لن تعترف أبدا بنتائجه. كما رأي الغرب أن روسيا مسئولة عن التصعيد حول القرم، وأن موقف روسيا يتعارض مع اتفاقية بودابست الموقعة عام1994بين روسيا وكل من أوكرانيا،وبريطانيا،والولايات المتحدة، والتي تضمن سيادة أوكرانيا،ووحدة أراضيها،مقابل تخليها عن الأسلحة النووية، وهي الاتفاقية التي لم يصدق عليها البرلمان الروسي رغم وفاء أوكرانيا بالتزاماتها وإخلاء أراضيها من القدرات النووية العسكرية التي ورثتها من الاتحاد السوفيتي.
أما روسيا،فانطلقت في موقفها من أن إجراء الاستفتاء في القرم يتفق تماما مع مبادئ القانون الدولي، بما فيه البند الأول من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على حق الشعوب في المساواة،وتقرير المصير، وأن روسيا احترمت خيار شعب القرم. يعزز ذلك أن شبه الجزيرة كانت جزءا من روسيا،وضُمت الي أوكرانيا عام1954،خلال الحقبة السوفيتية،بطريقة تعارض قوانين الاتحاد السوفيتي، ودون مراعاة لرأي شعبها. كما أن الاستفتاء تم تحت إشراف مراقبين دوليين،وصل عددهم إلي نحو70مراقبا، من بينهم45مراقبا من دول الاتحاد الأوروبي،ولا يمكن التشكيك في نزاهته،وصدق نتائجه،وكونها معبرة عن إرادة شعب القرم،يدعم هذا التأييد الشعبي والسياسي داخل روسيا لعودة القرم حيث خرج الآلاف في موسكو لدعم القرم،والمطالبة ببدء عملية انضمامها إلي روسيا فورا. وأكدت موسكو أن منع القرم من الحق في تقرير مصيرهيعد انتهاكا للقوانين الدولية، بما فيها قرار المحكمة الدولية التابعة للأمم المتحدة بشأن كوسوفو، ويعكس ازدواجية في المعايير الدولية،حيث قضت المحكمة الدولية في يوليو2010بأن إعلان إقليم كوسوفو استقلاله عن صربيا بشكل أحادي لا يتعارض مع القانون الدولي،إلي جانب حالات أخري عديدة استخدم فيها حق تقرير المصير بمباركة ودعم دوليين واضحين،منها انفصال تيمور الشرقية عن إندونيسيا عام1999،وجنوب السودان عن السودان عام2011،وغيرها.
أما عن هشاشة التوجه الآسيوي لروسيا، كما يشير الكاتب، فهو أمر ينقصه الدقة أيضا،وذلك في ضوء تطور مجموعة "بريكس"،ومنظمة شنغهاي للتعاون الأمني. فهناك ما يشبه ثورة عالمية من أجل عالم أكثر عدالة اقتصاديا وسياسيا،انعكست في تأسيس بنك "بريكس للتنمية" لتمويل المشاريع التنموية في الدول الأعضاء،وصندوق الاحتياطي النقدي لمواجهة آثار التقلبات في أسواق المال، برأس مال200مليار دولار للمؤسستين. وتهدف دول "بريكس" إلي تطوير مؤسسات بديلة للبنك الدولي،وصندوق النقد الدولي، لا تتدخل في الشأن الداخلي للدول الأعضاء، ولا تفرض إصلاحات اقتصادية،أو شروطا سياسية. ولا شك في أن مثل هذه المؤسسات الاقتصادية،إلي جانب التعامل بالعملات الوطنية بين دول "بريكس" تمثل تحديا وتقويضا لنظام "بريتون وودز" الاقتصادي الدولي الذي وضعته الولايات المتحدة لدعم هيمنتها على أوروبا والعالم،عقب الحرب العالمية الثانية بجناحيه،البنك الدولي وصندوق النقد الدولي،خاصة مع تصاعد الشكوك في النموذج الغربي عقب الأزمة المالية الطاحنة التي اجتاحت العالم منذ عام2008،والتي تزامنت مع اتساع حركة "احتلوا وول استريت" المنددة بالنظام الاقتصادي الغربي،والليبرالية المتوحشة التي لا تراعي الأبعاد الاجتماعية،وتشجع الاحتكارات على حساب البسطاء. وبرزت مجموعة "بريكس" وقتذاك كقوة تدرك ضرورة البحث عن الآليات التي تمكن بلدانها من تجنب الأزمة الاقتصادية المالية التي تهدد الاقتصاد الأمريكي والأوروبي. كما تعمل مجموعة "بريكس" على إطلاق آلية مشتركة لمواجهة المنافسة التجارية،ومكافحة الاحتكار المنظم،وجميع أشكال الحمائية والقيود المخفية في التجارة،حيث تلزم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الدول الأخري بحرية التجارة،في حين أنها لا تتعامل وفق المعايير نفسها وتفرض قيوداغير مباشرة على التجارة إليها. من ناحية أخري،اتسعت عضوية منظمة شنغهاي للتعاون الأمني لتشمل -إلي جانب روسيا،والصين،ودول آسيا الوسطي الأربع- كلا من الهند وباكستان في تطور مهم. هذا فضلا عن القفزات التي حققتها موسكو وبكين على صعيد العلاقات الثنائية بينالبلدين.
سيناريوهات مستقبل الدور الروسي:
تضمن الكتاب سيناريوهات لمستقبل روسيا،في ضوء تطور نظامها الداخلي. ويطرح المؤلف أربعة سيناريوهات محتملة لروسيا2030،وهي: نظام سلطوي يؤدي إلي جمود في السياسة الروسية، ونظام شديد السلطوية يدفع باتجاه توازن "غير مريح" مع الغرب،من وجهة نظر الكاتب، وانقسام داخل النظام السياسي الروسي. أما السيناريو الرابع والأخير،والذي يفضله الكاتب أو يتمناه،فهو موجه ثانية من الليبرالية داخل روسيا تؤدي إلي تقارب مع الغرب.
يبدو الكاتب في هذه السيناريوهات متأثرا بالنظرة الاستعلائية للغرب على ما عداهم من أمم وشعوب، فإما أن تنصاع الدول لإرادة الغرب،وتصبح تابعا خانعا أو توصم بالسلطوية والديكتاتورية. إن كل دولة لها الحق في اختيار طريقها في التنمية،وكذلك النظام السياسي الذي يحقق الأمن والاستقرار لمواطنيها. كما أن للدول الغربية،وفي مقدمتها الولايات المتحدة،ممارسات في الداخل والخارج تتنافي وكل شعارات الديمقراطية،وحقوق الانسان التي تطلقها. ويبقي معتقل جونتانامو، وأحداث سجن أبوغريب في العراق، وثورة السود في الولايات المتحدة أبلغدليل على أنه لا توجد ديمقراطية كاملة،أو مثالية، وأن القوة هي التي تحكم السياسة الخارجية للدول،وليست المثل والقوانين.