كتب - كتب أجنبية

‮"‬الدولة الإسلامية في العراق والشام‮" .. ‬دولة الإرهاب

دولة-الإرهاب---داخلي
طباعة
عرض: هايدي عصمت كارس - مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسة،‮ ‬جامعة القاهرة
 
Jessica Stern and J.M. Berger,ISIS: The state of terror,(New York: Harper Collins Publishers, 2015) (New York: Harper Collins Publishers, 2015)
 
مع إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام‮ (‬داعش‮) ‬عن دولة الخلافة في صيف عام‮ ‬2014،‮ ‬وانتشار أخبار العنف المفرط الذي يمارسه، وإعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن شن‮ ‬غارات جوية،‮ ‬في إطار تحالف دولي، تعددت الكتابات الغربية الساعية لدراسة هذا التنظيم،‮ ‬من بينها كتاب جيسيكا ستيرن،‮ ‬المحاضر عن الإرهاب في جامعة هارفارد،‮ ‬عضو مجلس الأمن القومي بإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وج.م‮. ‬بيرجر، الزميل‮ ‬غير المقيم في معهد بروكينجر‮. ‬يتناول الكتاب نشأة التنظيم، واستراتيجيته للترويج لأفكاره،‮ ‬ولتجنيد أتباع جدد، وأخيرا كيفية مواجهة تلك الاستراتيجية بعدِّها السبيل الوحيد،‮ ‬وليس استخدام القوة العسكرية لاحتواء التنظيم،‮ ‬والقضاء عليه‮.‬
 
نشأة التنظيم‮:‬
 
اعتمد الكاتبان في دراسة نشأة التنظيم على تناول أهم قيادتين في تاريخه، أبو مصعب الزرقاوي،‮ ‬وأبو بكر البغدادي‮. ‬وقد أفردا فصلا لكل شخصية يتناول نشأتهما، وكيف أثرت الظروف المحيطة بهما في نشأة واستراتيجية التنظيم خلال مراحله المختلفة‮.‬
 
ينطلق الكاتبان من أطروحة أن الغزو الأمريكي لأفغانستان عام‮ ‬2001‮ ‬أدي إلي انتشار عناصر القاعدة بعد هروبهم من معقلهم هناك‮.‬ وقد مثل العراق بعد الغزو الأمريكي عام‮ ‬2003‮ ‬بيئة ملائمة لهم، وكان من بين هذه العناصر أبو مصعب الزرقاوي، الذي فر من أفغانستان عام‮ ‬2002‮ ‬إلي إيران،‮ ‬ومنها إلي كردستان العراق‮. ‬وعلى عكس الادعاء الأمريكي‮ -‬آنذاك‮- ‬بأن الزرقاوي يمثل حلقة الوصل بين صدام حسين،‮ ‬و"القاعدة‮"‬، لم يتعاون الزرقاوي مع نظام صدام حسين‮ "‬الكافر‮" ‬في رأيه، ولم يكن عضوا في‮ "‬القاعدة‮"‬، بل دفعه الغزو الأمريكي للعراق إلي التحالف مع بن لادن،‮ ‬وقيادة التحرك لبناء تنظيم‮ "‬القاعدة‮" ‬في العراق‮.‬
 
عقب مقتل الزرقاوي عام‮ ‬2006،‮ ‬وزيادة جهود الولايات المتحدة لمحاربة‮ "‬القاعدة‮" ‬في العراق، عاني التنظيم ضعفا‮.‬ لكن مثل تولي أبي بكر البغدادي القيادة عام‮ ‬2010‮ ‬نقطة تحول في تاريخ التنظيم‮. ‬فقد ساعدته الانقسامات الطائفية في العراق، فحصل على دعم عدد من القبائل السنية التي ضاقت ذرعا بسياسات المالكي، بينما وفرت له الحرب الأهلية في سوريا فرصة سانحة للتوسع‮.‬
 
ويشير الكتاب إلي أن اعتقال البغدادي في سجن معسكر بوكا الأمريكي بالبصرة في أواخر عام‮ ‬2003‮ ‬كان له تأثير مهم في التنظيم، حيث كان سجن بوكا بمنزلة معسكر لنشر الأفكار الراديكالية بين السجناء وللتجنيد، ففيه تعرف البغدادي على قيادات بعثية أصبحت فيما بعد على قمة التنظيم‮.‬
 
بعد تناول نشأة التنظيم، حاول الكاتبان التمييز بين تنظيمي‮ "‬القاعدة‮" ‬و"داعش‮". ‬فبينما تعد‮ "‬القاعدة‮" ‬حركة الطليعة المكونة من النخبة الفكرية الساعية لنشر أفكارها لتحريك جماهير الأمة للانتفاض، يمثل تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬نموذجا أكثر شعبوية، حيث استطاع جمع آلاف المؤيدين من القادرين على توظيف وسائل التواصل الحديثة،‮ ‬أي‮ "‬الحشود الذكية‮"‬، وهو المفهوم الذي صكه هاورد رينجولد عام‮ ‬2002‭.‬
 
استراتيجية التنظيم للترويج لأفكاره‮:‬
 

دول-الإرهاب---داخلي-داخلي
أفرد الكاتبان عدة فصول لتناول مختلف جوانب دعاية تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬انطلاقا من أهميتها في حركة التنظيمات الإرهابية، فقد عبر عن تلك الأهمية من قبل أيمن الظواهري، زعيم تنظيم‮ "‬القاعدة‮"‬، بتصريحه بأن نصف المعركة مع الغرب‮ ‬يتم على ساحة الإعلام، وأيضا أبو بكر ناجي في كتابه‮ "‬إدارة التوحش‮"‬، والذي يعد الأساس الذي يستند إليه تنظيم الدولة الإسلامية‮.‬
 
أولا‮- ‬محتوي الرسالة‮: ‬وصف الكاتبان محتوي دعاية تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬بجمعها بين ثنائية العنف الشديد والتنظيم المدني‮. ‬فمن ناحية، سعي تنظيم‮ "‬القاعدة‮" ‬في العراق، وما جاء بعده وصولا إلي تنظيم‮ "‬داعش‮"‬، إلي إظهار العنف الشديد في التعامل مع الأعداء‮. ‬يعكس ذلك أفكار ناجي الذي أكد ضرورة استخدام التوحش خلال مراحل الجهاد الثلاث،‮ ‬وصولا لإنشاء دولة الخلافة، وأن تقوم الاستراتيجية الإعلامية بإظهار ذلك العنف الشديد ليكون رسالة للحلفاء والأعداء، بهدف تجنيد الشباب الغاضب‮ ‬غير المندمج،‮ ‬وإرباك الأعداء‮.‬
 
من ناحية أخرى، تسعي الدعاية إلي إظهار التنظيم المدني بداخل الأقاليم التي يسيطر عليها، حيث يقوم الهيكل التنظيمي للدولة الإسلامية على‮ "‬ولايات‮"‬،‮ ‬لكل منها حاكم،‮ ‬وحكومة محلية،‮ ‬والعديد من الوحدات الإدارية كأنها بيروقراطية حكومية، مع وجود مكاتب لحماية المستهلك، وإسعاف، وشرطة،‮ ‬وغيره‮. ‬يعكس ذلك أيضا أفكار ناجي بضرورة قيام الدعاية على جذب الناس للعيش في الأقاليم تحت سيطرة الجهاديين‮. ‬ففي يوليو‮ ‬2014،‮ ‬أعلن البغدادي،‮ ‬في أول خطاب له بعد إعلانه خليفة،‮ ‬أن الهجرة لأرض الإسلام إجبارية، وأن هذه الدعوة ليست فقط للمحاربين،‮ ‬وإنما للمهن المختلفة كالأطباء،‮ ‬والمهندسين،‮ ‬وغيرهم في مختلف التخصصات‮.‬
 
من ناحية ثالثة، خرج التنظيم عن أساس دعاية‮ "‬القاعدة‮" ‬القائمة على الحاجة إلي الدفاع عن النفس لمواجهة معاناة ومأزق الأمة الإسلامية، حيث سعي إلي إظهار قوته،‮ ‬وأن النصر له في النهاية في الوقت الذي يصف فيه العدو بالضعف والهشاشة‮.‬
 
ثانيا‮- ‬نشر الرسالة‮: ‬تطورت وسائل نشر الجماعات المتطرفة لرسالتها مع التطور التكنولوجي‮.‬ وفي هذا الشأن،‮ ‬أشار الكاتبان إلي قيام تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬بالاستفادة على نحو‮ ‬غير مسبوق من وسائل التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار، حيث يعمل‮ "‬الجيش الإلكتروني للدولة الإسلامية‮" ‬على وسائل عديدة لنشر رسائل التنظيم من بيانات رسمية،‮ ‬وفيديوهات،‮ ‬بالإضافة إلي التجنيد‮. ‬ويركز التنظيم بالأساس على‮ "‬تويتر‮" ‬لسهولة استخدامه،‮ ‬في ظل ضعف الوصول للإنترنت،‮ ‬وبطء موقع‮ "‬تويتر‮" ‬في تعليق الحسابات، مما يسمح بالحشد،‮ ‬وبناء شبكات بشكل أسرع من موقع الفيسبوك‮.‬
 
كيفية مواجهة التنظيم‮:‬
 
ينتهي الكتاب بطرح حول كيفية مواجهة هذا التنظيم استنادا إلي أنه لا يمثل تهديدا مباشرا للغرب، وأن هناك صعوبة في تدميره‮. ‬لذا،‮ ‬لابد أن يقتصر التعامل معه على احتوائه وتقييده‮.‬
 
في هذا الإطار، رفض الكاتبان الدعوات داخل الولايات المتحدة المطالبة بتدخل عسكري بري لمواجهة التنظيم، وذلك بناء على عدة أسباب‮. ‬أولها‮: ‬إن استخدام القوة العسكرية في مواجهة القاعدة نتج عنه تشرذمها لفروع أكثر عنفا‮. ‬ثانيها‮: ‬أدي التدخل العسكري الأمريكي في العراق عام‮ ‬2003،‮ ‬وليبيا عام‮ ‬2011،‮ ‬إلي‮ "‬حالة اللادولة‮" ‬التي مهدت الطريق أمام الجهاديين‮. ‬فيؤكد الكاتبان في أكثر من موضع أن نشأة التنظيم كانت إلي حد ما إحدي النتائج‮ ‬غير المقصودة للغزو الأمريكي للعراق‮. ‬ثالثها‮: ‬لا يمكن القيام بتدخل عسكري واسع النطاق لمواجهة التنظيم،‮ ‬في ظل بقاء نظام الأسد‮.‬ وفي الوقت نفسه، لا يوفر التدخل العسكري لإسقاط الأسد بديلا للفراغ‮ ‬السياسي،‮ ‬في ضوء التجربتين العراقية والليبية اللتين تلوحان في الأفق‮.‬
 
وفي هذا السياق، ركز الكاتبان على طرح رؤيتهما لكيفية مواجهة دعاية التنظيم،‮ ‬بحسبانها وسيلته لمد نفوذه خارج منطقة وجوده الفعلى، وزيادة الدعم له‮. ‬فيرفضان ما يروجه البعض من وجود معضلة بين حرية التعبير،‮ ‬وغلق الحسابات ذات المحتوي الإرهابي علي وسائل التواصل الاجتماعي، فأكدا ضرورة وضع قيود علي نشاط التنظيم على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يتم مع الانتهاكات الأخرى كالإساءة للأطفال،‮ ‬أو التهديد بالقتل أو العنف‮. ‬وعما إذا كان‮ ‬غلق الحسابات التابعة للتنظيم يمثل الوسيلة المثلي، يرى الكاتبان أنه على الرغم من الحاجة إلي دراسة متعمقة لذلك، فإن البيانات الأولية توضح فاعلية الاستمرار في إغلاق الحسابات التي رفعت من تكلفة استخدام التنظيم لوسائل التواصل الاجتماعي،‮ ‬وقللت من فاعليته‮.‬
 
تقوم دعاية التنظيم على إظهار قوته في مواجهة أعدائه، وعلى تصوير المعارك الدائرة بحسبانها حربا أيديولوجية بين الخير والشر‮. ‬لذا،‮ ‬يقترح الكاتبان ضرورة إظهار عدم اتساق هذه الدعاية،‮ ‬من خلال توضيح مظاهر ضعف التنظيم، وجرائمه ضد المسلمين السنة، والأزمة الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها كأزمة اللاجئين‮.‬
طباعة