ظل الإبقاء علي أسعار النفط عند معدلات مرتفعة واحدا من محددات السياسة النفطية للدول المنتجة، خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا مستوي سعري يدور حول المئة دولار للبرميل - مع قبول تراجع في أضيق حدود - المعيار الأهم لهذه الدول، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، للحفاظ علي وضعها السياسي والاقتصادي.

 

 بيد أن هذا المسار تعرض لإشكالية جوهرية منذ شهر يونيو 2014، حينما حدث هبوط حاد لأسعار النفط من 115 دولارا للبرميل، وصولا إلي معدلات تتراوح تقريبا بين 30 و40 دولارا، خلال الفترة الزمنية الممتدة منذ يونيو 2014 حتي مارس .2016 فقد استصحب هذا التراجع الحاد في أسعار النفط تساؤلات مركزية، هي محور اهتمام الورقة البحثية، حول الكيفية التي ستؤثر من خلالها أزمة النفط الراهنة في مقومات النفوذ، ومكانة الدول المنتجة للنفط علي الساحة الدولية، لاسيما أن تلك الدول تستند بصورة أساسية إلي إنتاجها النفطي في تعزيز نفوذها، وآليات تأثيرها. وبالتالي، فإن تراجع أسعار النفط يمكن أن يقيد نفوذ تلك الدول، وهو ما قد يحمل معه انعكاسات علي أهمية منطقة، مثل الشرق الأوسط، في سياق توازنات القوي العالمية.

 

أولا- نفوذ الدول المنتجة:

 

يفترض الكثير من منظري مقاربة الدولة الريعية أن هذا النمط من الدول -التي يشكل النفط وغيره من الموارد الطبيعية الجزء الأكبر من عوائدها الاقتصادية- يعتمد علي ثروته النفطية كمحرك لسياسته الخارجية، وتعزيز النفوذ الإقليمي والدولي(1). وتقدم هذه المقاربة مدخلا أساسيا لتفسير درجة التأثير الذي تحظي به دول الشرق الأوسط المنتجة للبترول. فالمنطقة، خلال العقود الماضية، حافظت علي وضعها كمصدر تقليدي للطاقة عالميا، فهي تمتلك 60 من احتياطيات النفط الخام، وتستحوذ علي 30 من إمدادات النفط الخام عالميا(2). وتتصدر المملكة السعودية قائمة المنتجين بالمنطقة (وعالميا) وفقا لإحصاءات شهر ديسمبر 2015 بمعدل إنتاج 10.144 مليون برميل يوميا. كما يأتي العراق في المرتبة الثانية إقليميا بمعدل إنتاج 4.130 مليون برميل يوميا. ووفقا للإحصاءات ذاتها، أنتجت الإمارات 2.993 مليون برميل يوميا، وإيران 3.350 برميل يوميا، والكويت 2.930 برميل يوميا، والجزائر 1.185 مليون برميل، فيما جاء إنتاج كل من قطر وليبيا 632 و394 مليون برميل يوميا علي التوالي.