نظمت مؤسسة "الأهرام" مساء الاثنين 7 مارس 2016 حفلا لتأبين الدكتور بطرس غالي بوصفه أحد رموزها التاريخية. وتضمن الحفل فيلمًا تسجيليًا، من إنتاج الأهرام، تناول سيرته الذاتية، وكذلك مشاهد من حياته، ولقاءاته التليفزيونية.
افتتح الأستاذ أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، الحفل، وقال إن الدكتور بطرس غالي لم يكن عميدًا للدبلوماسية العربية والمصرية فحسب، بل جمع بين كونه عالمًا كبيرًا، ومن لديه التجربة العملية في قيادة وتأسيس اثنتين من أهم المجلات، هما "السياسة الدولية"، و"الأهرام الاقتصادي"، على أساس أن الاقتصاد هو الذي تُبنى عليه كل أشكال القوى.
وأضاف النجار، خلال الحفل، أن "غالي" قامة كبيرة على الصعيدين الدبلوماسي والعلمي، نختلف معه، ولكننا لا يمكن سوى أن نحترم تاريخه، ومسيرته الحافلة، وتفخر مؤسسة الأهرام بانتمائه إليها، لقد كان رجلًا عظيمًا، امتلك مدرسة دبلوماسية مهمة، آمن بضرورة أن ترتقي جوانب البحث العلمي والبحثي والدبلوماسي".
من جانبه، قال الدكتور وحيد عبد المجيد، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، إن الدكتور بطرس غالي، الأستاذ والعالم والمعلم، أحد أبرز رواد القانون الدولي والتنظيم الدولي، وعلم السياسة على المستويين العربي والإفريقي، تتلمذ على يده كثيرون، أسس مجلتين كانتا باكورة الإصدارات المتخصصة في عالم الصحافة، ومجلة "السياسة الدولية" كانت مدرسة تعلمت فيها أجيال متتالية. ومن لم تتوافر لديه الفرصة ليتتلمذ على يديه، تعلم من المجلة التي ترأس تحريرها ربع قرن.
وأضاف عبدالمجيد أن "غالي" حقق نقلة نوعية فى دور الأمم المتحدة، وفتح آفاقا جديدة لهذا الدور، خاصة في قضايا البيئة، والمناخ العالمي، وحقوق الإنسان, والتنمية، وغيرها.وأوضح أنه كان قادرًا على هذا كله، لأنه جمع بين المعرفة العلمية والأكاديمية، مما أتاح له تقديم إسهامات بارزة فى الدبلوماسية العالمية، من أهمها نظرية الدبلوماسية الوقائية.
عميد الدبلوماسية العربية
ورأى الكاتب السيد يسن أن "غالي"، عميد الدبلوماسية العربية، ارتبط اسمه بأهم القضايا، في مقدمتها حقوق الإنسان، وشارك في تأسيس كلية الاقتصاد والعلوم السياسة، وترأس قسم العلوم السياسية، وأسس الأهرام الاقتصادي، والسياسة الدولية. وأشار إلى أنه أكاديمي رفيع المستوى، وحجة في القانون الدولي، وشخصية فريدة. في كل دور كان لامعًا، وأستاذا رفيع المستوى، ووزيرا متميزا قاد الدبلوماسية المصرية، لمع كشهاب في سماء العلاقات الدولية، اعتمدت شخصيته على الجهد المتصل، ومناقشة أدق التفاصيل.
فيما قال الدكتور منير فخري عبدالنور، وزير الصناعة السابق، إن "غالي" كان يعتز بتأسيس مجلة السياسة الدولية، واحتفاظه برئاسة تحرير المجلة، حتى حين تولى الوزارة، ونجح هو وزملاؤه في طرح قضايا السياسة الدولية على بساط النقاش العام، في حين كانت مقصورة على الخبراء المتخصصين، كما ترأس مركز الأهرام الدراسات الاستراتيجية. ورغم قصر هذه الفترة، فقد ترك بصمة واسعة.
في السياق نفسه، قال محمد فائق، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن الراحل الدكتور بطرس غالي ترك بصمات قوية واضحة في كل موقع شغله أو مر به، هنا في "الأهرام"، والجامعة، ووزارة الخارجية، والأمم المتحدة، عندما كان أمينها العام، وفي مؤسسة الفرانكفونية، واليونسكو، وهيئات دولية كثيرة، كانت له فيها إسهامات عديدة، سوف تخلد اسمه على مر الزمن كعميد للدبلوماسية الدولية بدون منازع.
وأضاف فائق أنه ملأ الدنيا بفكره ونشاطه الواسع، وصداقاته للعديد من رموز العمل السياسي، ورؤساء الدول والحكومات، وارتبط اسمه بأهم القضايا الإنسانية، وفي مقدمتها حقوق الإنسان، خصوصًا بعد دعوته لعقد المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في فيينا 1993 الذي ربط بين حقوق الإنسان، والتنمية، والديمقراطية.
وأوضح فائق أن "غالي" اقترن اسمه بكل هذا التطور التاريخي في مجال حقوق الإنسان، وأصبح أحد الرموز العالمية التي أثرت في مسيرة حقوق الإنسان، لذلك اختير رئيسًا للمجلس القومي لحقوق الإنسان عند إنشائه، واكتسب المجلس مصداقية كبيرة، خاصة في المجال الدولي، ووجه "غالي" لبناء علاقات قوية مع المؤسسات الوطنية في كل أنحاء العالم، خاصًة العربية والإفريقية، ولا يزال المجلس يسير بقوة الدفع في هذا الاتجاه.
وأشار فائق إلى أنه عرف "غالي" مناضلًا سياسيًا فذا من الطراز الأول، ولكننا نكتشف أيضًا أنه مناضل قوى ضد المرض، حيث قاومه في إصرار وشجاعة، وتمسك شديد التمسك بالحياة، والاستمرار في العمل، وتتبع ما يجري في الوطن وهمومه، وفي العالم وتطوره، ولم يفقد خفة الظل التي عرف بها حتى في لحظاته الأخيرة.
شخصية وطنية
تحدث في الحفل السيد عمرو موسى عن الدكتور بطرس غالي، ناعيًا شخصية مصرية وطنية، بحسبانه صاحب إسهامات كبيرة في العمل السياسي المصري، وقام بذلك بكل كفاءة، وجدية، واقتدار، من خلال أمانته للأمم المتحدة، قاد فيها الدبلوماسية المصرية في فترة من أدق فتراتها، وكان مفاوضًا صلبًا.
وأضاف موسى أن "غالي" شخصية كفء ووطنية، كان أستاذًا لأجيال متتابعة في وزارة الخارجية، تعلم على يديه الكثيرون، وجعل من الدبلوماسية عملًا ذهنيًا فيه من الإبداع والاطلاع الكثير.
ورأى موسى أن مصر فقدت شخصية وطنية عظيمة، كان يعلم مقدار أهمية مصر في العالم، ويقدر الأبعاد العربية والإفريقية في السياسة المصرية بخبراته الدقيقة. لذلك، ليس من السهل تكرار شخصيته، لكنه ترك آثارا لا تمحى في ذهنية وعقلية وضمير الكثير من الدبلوماسيين المصريين.
حضر حفل التأبين عدد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية، منهم وزير الاستثمار أشرف سالمان، وفريدة الشوباشي، وجورج إسحق، ومنير نعمة الله، وعائشة عبد الغفار، ويوسف وهبة، ورجائي عطية، ومحمد فائق، ود.هالة السعيد، وأحمد أبو زيد، وأحمد القشيري، والسيد يسن، ود. مصطفى الفقي، وغيرهم.
يُذكر أن الدكتور بطرس غالي أسس مجلة السياسة الدولية التي تصدرها مؤسسة الأهرام، ورأس تحريرها من عام 1965 حتى عام 1991، وكان نموذجا للمفكر والعالم الذي أسس مدرسة للدراسات السياسية، تنهض على الحقائق، والعلم، والواقعية.
(*) المصدر: بوابة الأهرام الإلكترونية.