د. نبيل شكري (مؤلف) ود. إبراهيم نصر الدين (تقديم)
(القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015)
أطلق مصطلح "السلفية الجهادية" منذ نهاية ثمانينيات القرن المنصرم على جماعات الإسلام السياسي التي تتبني الجهاد منهجا للتغيير. وقد أدت هشاشة النظم الحاكمة إلي بروز هذه الجماعات بشكل أصبحت معه قادرة على مواجهة مؤسسات الدولة الوطنية. وفي محاولة لدراسة تنامي ظاهرة السلفية الجهادية في القارة الإفريقية، يبحث الكاتب دور حركة "بوكو حرام" الناشئة من عباءة السلفية الجهادية في الأزمة النيجيرية. وتكمن استثنائية الحالة النيجيرية في كونها أول حالة إفريقية تواجه جماعة بحجم وإمكانيات "بوكو حرام" التي أصبحت تشكل تهديدا وجوديا لنيجيريا، والدول المجاورة لها، وتنذر بتغيير الخريطة السياسية لمنطقة غرب إفريقيا.
نشأة "بوكو حرام" وسمات خطابها:
هناك الكثير من اللغط حول الوقت الذي تكونت فيه "بوكو حرام"، هكذا بدأ المؤلف رصده لظروف نشأة الحركة، وبرر ذلك اللغط بتغير اسم الحركة في كل مرحلة من مراحل نشأتها وتطورها، منذ أن ظهرت في عام 1995 تحت مسمي "أهل السنة وجماعة الهجرة" بقيادة "أبي بكر لوان" حتي وصلت إلي اسمها الحالي عام 2005 بقيادة محمد يوسف، الذي كان متأثرا بمبدأ الحاكمية.
وقد كان لخطاب الحركة دور كبير في تأطير فكرها وأهدافها، حيث تعد التصريحات الصادرة عن الحركة، عبر زعمائها، من أهم مكونات خطاب الحركة. وقد طرأ على هذا الخطاب العديد من التغيرات، خاصة بعد مقتل زعيمها السابق محمد يوسف، حيث تحول من "الدعوية" إلي خطاب أكثر راديكالية يشتمل على التحريض على العنف. وبعد إعلان الحركة قيام الخلافة الإسلامية في 2014، أصبح معظم خطاباتها يصب في اتجاه عدم وجود ما يسمي بالدولة النيجيرية بحسبانها صنيعة الغرب. واتسمت بيانات الحركة بالكثافة بشكل طردي مع وتيرة الوضع المتفاقم في الدولة، وهو ما يعكس حرص الحركة على التعليق على الأحداث، وكأن لها سياسة إعلامية واضحة تسعي من خلالها لصياغة الصراع، طبقا لرؤيتها وأهدافها.
التفاوض بين الحكومة النيجيرية والحركة:
يشير المؤلف في كتابه إلي أن ديناميكية التفاوض التي فرضتها "بوكو حرام" تسببت في فرض سقف تصاعدي للمطالب، علاوة على أن تدخل الأطراف الخارجية لتسوية الصراع قد أسهم في تقوية موقف الحركة بشكل كبير. ويضيف الكاتب أن كل المساعي المحلية والدولية لبدء حوار بين الجانبين فشلت، ولاسيما مع انسحاب "بوكو حرام" من المفاوضات عدة مرات لعدم تلبية شروطها بما يدل على تفضيل الحركة استعمال القوة في مواجهة الدولة عوضا عن الحوار. كما اتسمت استراتيجية الدولة في الحوار العشوائية نفسها التي اتصفت بها استراتيجيتها الأمنية تجاه الوضع المتأزم في البلاد.
واعتمد سلوك "بوكو حرام" التفاوضي على مواصلة الحركة للعمليات الإرهابية بالتوازي مع سير المفاوضات بهدف تسويف الحوار، ومد أجل الصراع لأطول فترة ممكنة لتمكينها من السيطرة على مناطق جديدة بما يعزز موقفها في أية مفاوضات مستقبلية للتسوية. ويشير المؤلف إلي أن التصنيف المتأخر للحركة كمنظمة إرهابية أدي إلي تغير استراتيجيتها لتمكنها من الحصول على الدعم المادي والتسليح الكافيين لاستكمال المواجهات مع الدولة، فأصبح الصراع النيجيري أقرب إلي المعادلة الصفرية، وهو ما يصعّب وجود تسوية قريبة للصراع.
نشاطات "بوكو حرام" وانتشارها الإقليمي:
عن الانتشار الإقليمي لـ "بوكو حرام"، أشار المؤلف إلي أن لها أنشطة مباشرة في دول جوار، وأخرى غير مباشرة في دول بالقارة الإفريقية. وقد شملت دول الأنشطة المباشرة للحركة كلا من الصومال، والكاميرون، والنيجر، وتشاد، وليبيا، ومالي. وقد تركز نشاط الحركة في هذه الدول على التدريب للقيام بأعمال إرهابية، بينما شملت الدول التي تشهد أنشطة غير مباشرة للحركة كلا من الجزائر، والسنغال، والسودان، وإفريقيا الوسطي، وموريتانيا. واستهدفت تحركات الحركة في هذه الدول ضمان الدعم اللوجيستي والمادي عبر توفير الأموال والأسلحة، وعمليات تجنيد تستهدف خلق قواعد جماهيرية بين الشباب لنشر الفكر التكفيري في البلدان الإفريقية.
وانقسم نشاط الحركة الإقليمي إلي نوعين، أولهما: علاقات تعاونية من خلال تفعيل الحركة روابط تعاون مع شبيهاتها من الحركات التي تتبني الأيديولوجية نفسها الساعية لأسلمة إفريقيا، والحرب ضد ما سمَّوه "الصليبيين". وأبرز هذه الحركات حركة "الشباب الصومالية"، و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لتشكل بذلك ما اتفق على تسميته بمثلث التطرف الإفريقي. فقد تلقت "بوكو حرام" دعما مباشرا من هذه الحركات في صورة أموال وأسلحة وتدريب، مما رفع المستوى القتالي للحركة بشكل كبير، كما تلقت تسهيلات للحصول على تبرعات غير مباشرة، من خلال شبكات المنظمات الخيرية الموجودة في بعض الدول.
ثانيهما: علاقات عدائية، حيث رصد المؤلف وجود أنشطة معادية للحركة ضد حكومات دول مجاورة، على رأسها الكاميرون، حيث تشهد الحدود المشتركة بينها وبين نيجيريا أعلى مستويات للصراع. كما ثارت الشكوك حول تورط الحركة في الهجوم على القنصلية الجزائرية في مالي، والذي جعل من الجزائر أول حالة من شمال إفريقيا تدخل مواجهة مع الحركة. كما تشير التقارير الأمنية إلي وجود معسكرات تدريب تابعة للحركة داخل الأراضي السودانية، علاوة على رصد تحركات لعناصرها في عدة مدن ليبية.
القوي الدولية والصراع النيجيري:
يتناول الكاتب دور القوي الدولية والإقليمية لحل الصراع بين الدولة النيجيرية وحركة "بوكو حرام"، ومنع امتداده للدول المجاورة. وقد كان لهذا الدور تداعياته على مجريات الصراع بنسب متفاوتة. وانقسمت القوي الخارجية التي تلعب دورا في الصراع النيجيري إلي قسمين:
أولهما: القوي الإقليمية الساعية لأن يكون لها تأثير كبير داخل القارة الإفريقية، عبر محاولات لفرض هيمنة وتبعية عقائدية، أو لاستثمار الصراع بغية احتلال مكانة داخل القارة. وغالبا ما تأتي أدوار هذه القوي في غير مصلحة الأزمة، خاصة أنها متورطة بشكل مباشر وغير مباشر في الأحداث. ويري الكاتب أن مصر هي القوة الإفريقية الوحيدة التي يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا، وتكون جزءا من المعادلة النيجيرية الصعبة في الوقت الحالي، لا سيما مع وجود دور تاريخي لمصر في توحيد الأراضي النيجيرية أثناء الحرب الأهلية.
ثانيهما: القوي الدولية، حيث تعد كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين من أبرز اللاعبين الدوليين في الصراع النيجيري، مع اختلاف الأدوار فيما بينها، وفقا لاختلاف مصالح هذه الدول في المنطقة، وحالة الصراع الجيوسياسي بين بعضها بعضا.
تأثير انتشار الحركة في مصر:
يري المؤلف أن احتمالية تزايد الخطر الإقليمي لحركة "بوكو حرام" أكبر من احتمالية احتوائها، وتحييد خطرها، وهو ما يعني أن هناك بعض السيناريوهات التي يمكن أن تشكل من خلالها "بوكو حرام" خطرا مباشرا على الدولة المصرية. وبدأت ملامح الخطورة من خلال الوجود المباشر لعناصر الحركة في ليبيا، بما يعد مؤشرا على تطلعها للنشاط بشمال إفريقيا، خاصة في ليبيا، إحدي دول الجوار لمصر.
وفي كتابه، يشير المؤلف إلي أن زعزعة استقرار الجزء الغربي من إفريقيا ستساعد بقية الجماعات المتشددة المنتشرة في إفريقيا في أن تشكل تهديدا على الدول الإفريقية جميعا، ومنها دول حوض نهر النيل، وهو ما يعد تهديدا مباشرا للمصالح المصرية في إفريقيا.
ويوصي الكاتب بضرورة أن يكون هناك دور مصري في غرب إفريقيا، على أن يكون داعما لوحدة نيجيريا، فالاستقرار في غرب إفريقيا قد يكون مهما للحفاظ على استقرار دول حوض النيل. ومن هنا، باتت استعادة مصر لمكانتها الريادية في إفريقيا هدفا استراتيجيا للدولة في المرحلة المقبلة.