لم تستطع جهود الوساطة الأممية، التي قادها المبعوث الدولي السابق برناندينو ليون في الصراع الليبي، إقناع الفرقاء المتنازعين في هذا البلد، لا باتفاق سلام تعددت مسوداته المعدلة، ولا بحكومة توافق وطني، بعد عام من جولات الحوار السياسي.
إذ بدت المعضلة الجوهرية لهذه الوساطة في كيفية التوصل إلي اتفاق سلام "مقبول" و"متوازن"، و"قابل للتنفيذ" يلبي الاحتياجات المتنافسة للفواعل المتصارعة، في ضوء قيود مطروحة، كتعددية أطراف الصراع وانقساماتهم الداخلية، وامتلاك كل منهم لظهير إقليمي، وتردد القوي الكبري في التدخل العسكري لحسم الصراع الليبي.
لا يعني "إخفاق" وساطة ليون العودة للمربع صفر في الحوار الليبي، لاسيما وأن المبعوث الألماني الجديد مارتن كوبلر، الذي عينته الأمم المتحدة في 17 من نوفمبر 2015، بدأ مهمته بتأكيد أهمية "البناء علي ما تم إنجازه للمضي قدما. ذلك أن قبول الفرقاء الليبيين للحوارالسياسي، تحت مظلة وساطة الأمم المتحدة، يشير في حد ذاته علي رغبتهم في تسوية الصراع. والأهم من ذلك أن جولات الحوار المتتالية أبرزت معضلات يفترض أن يتلافاها كوبلر، إن ابتغي النجاح في مهمته.
بيان تلك المعضلات وأسباب نشوئها يقتضي النظر للوساطة الأممية في ليبيا كعملية متكاملة العناصر. فالوساطة تعني تدخل طرف ثالث بين طرفين أو أكثر لمساعدتهم علي تسوية نزاع ما. وكي تؤتي أي وساطة أكلها، أو تصبح فعالة، كما يشير أحد أدلة التوجيه الصادرة عن الأمم المتحد، فذلك يستلزم شروطا عديدة، منها مدي ملاءمة الحلول المطروحة لطبيعة الصراع، وهل يملك الوسيط قبول وثقة الأطراف المتنازعة عبر التزامه بمعايير النزاهة، والاستقلالية، والحياد في إدارة قضايا الصراع أم لا، وما إذا كانت الوساطة تدرك طبيعة السياق الداخلي والخارجي أم لا، وما يطرحه من فرص وقيود.