ظل الوصول للمياه الدافئة هدفا ثابتا في السياسة الروسية منذ زمن بعيد. عزز من هذا الهدف ودعمه أخيرا الأزمة الأوكرانية تجنبا للعزلة الأوروبية، والعقوبات الأمريكية. لكن الدور الروسي في الشرق الأوسط مرهون بالاصطدام بالمصالح الأمريكية، فإما الصراع، وإما التوافق. وقد ساعدت الأزمة الأوكرانية في إحداث تباعد وتأزم في الموقف الأمريكي تجاه روسيا، سرعان ما تبدد هذا التباعد نسبيا بسبب التعاون الروسي في الصفقة النووية الإيرانية - الغربية. لكن إلي مدي، سيسهم هذا الإنجاز في حدوث انفراجة أمريكية تجاه الدور الروسي في الشرق الأوسط؟.
أولا- بين التباعد والتقارب:
مثلت الأزمة الأوكرانية علامة فارقة في التاريخ السياسي الأوروبي، حيث دشنت لمرحلة جديدة في علاقات روسيا بكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. والأزمة في ذاتها ليست سوي عرض لمشكلة أكبر مع روسيا، وتحديداً رفض هذه الأخيرة الاندماج في الهياكل الأوروأطلنطية - الاتحاد الأوروبي والناتو - التي قام الغرب بالتسويق لها منذ انتهاء الحرب الباردة. إذ ينظر الغرب إلي السلوك الروسي تجاه أوكرانيا – لاسيما بعد ضم القرم – علي أنه تحد للنظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، التي تسعي جاهدة إلي الإبقاء عليه. ومن جانبها، لا يبدو أن موسكو ستتخلي عن تحدي هذه الهيمنة والتصرف وفق مصالحها الذاتية، وفي إطار منظومة القيم الخاصة بها، وذلك في إطار استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية تقوم علي التوجه شرقاً، عبر السعي لإدماج جمهوريات الفضاء السوفيتي السابق في اتحاد أوروآسيوي، أو تحالف اقتصادي – سياسي – أمني، يكون مركزه موسكو.
وتأتي الصين علي رأس القائمة بالنسبة لهذا التوجه الروسي الجديد ، وهي القوة العالمية الوحيدة التي انتقدت دعوات واشنطن لفرض جزاءات علي روسيا في بدايات عام 2014. وكان للتباعد الأمريكي – الروسي، بعد ضم القرم، والتطورات في الشرق الأوكراني، انعكاسات سلبية علي الأغلبية الساحقة من القضايا الإقليمية والدولية التي كانت محل تنسيق وتعاون بين الجانبين. ويصدق ذلك بصفة خاصة، ليس فقط علي التعاون الثنائي– حيث توقفت الاتصالات اليومية بشأن التعاون الاقتصادي والمبادلات التجارية، فضلا عن التحركات الأمريكية - الأوروبية الدءوب لمنع البنوك الروسية المملوكة للدولة من النفاذ لأسواق المال الغربية، والقيود الجديدة علي وارادت روسيا من السلع ذات الاستخدام المزدوج والتكنولوجيا الحديثة المستخدمة في التنقيب عن واستخراج النفط والغاز - بل وأيضاً علي قضايا دولية ذات أهمية خاصة، مثل الحوار حول الرقابة علي التسلح والاستقرار الاستراتيجي. كما تبددت آمال إدارة أوباما في إمكانية التوصل إلي اتفاق تاريخي حول خفض عدد القوات الاستراتيجية قبل نهاية ولايته الثانية .