فرضت التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تعتصر المنطقة والعالم منذ سنوات واقعاً جديداً علي روسيا وغيرها من القوي الكبري، يتعين التعامل معه. فقد أربكت التطورت المتلاحقة، التي بدأت بالثورات العربية، السياسة الروسية، ودفعت موسكو لاتخاذ قرارات "صعبة" في كثير من الأحيان، في محاولة منها لضمان أمنها القومي، وحماية مصالحها، وإنقاذ شراكتها مع العديد من دول المنطقة، والتي بذلت موسكو جهداً كبيراً لتطويرها علي مدي عقود، وكأنها ربان سفينة وسط عاصفة مدمرة يحاول أن ينجو بأقل الخسائر الممكنة. ورغم أن العاصفة لم تهدأ بعد، ولا تزال المنطقة تتقاذفها الأمواج، فإنه يمكن تلمس مجموعة من التوجهات العامة للسياسة الروسية تجاه المنطقة، خاصة في ضوء الضربات العسكرية التي بدأتها روسيا في 30 سبتمبر ضد مواقع التنظيمات الإرهابية بسوريا، وهي:
أولوية البعد الأمني ومكافحة الإرهاب:
أوضحت التطورات التي أعقبت ظهور تنظيم "داعش" وإعلان "الدولة الإسلامية" ارتباط الأمن القومي الروسي بأمن واستقرار المنطقة، وأن مكافحة روسيا للإرهاب يتعين أن تبدأ من المناطق الحاضنة له في المنطقة، لا سيما سوريا. فقد أزعج روسيا كثيراً تزايد أعداد المنضمين إلي صفوف داعش من روسيا ودول آسيا الوسطي المجاورة لها، والذين يقدرون في مجملهم بأكثر من 7000 شخص، وفقاً لبيانات منظمة الأمن الجماعي، وهيئة الأمن الفيدرالية الروسية، من بينهم 2714 من الروس. ومن ثم، فإن خطر "داعش" لا يهدد سوريا والمنطقة فحسب، ولكن روسيا أيضاً، خاصة أن التنظيم أعلن روسيا عدواً له، وأعلن الجهاد ضدها، وهدد باحتلال الكرملين، وأخذ الروسيات سبايا.
كما رصدت الأجهزة الأمنية الروسية تزايدا ملحوظا في مراكز تجنيد الشباب والأماكن التي يجري فيها تجنيد مواطنين روس وأجانب للمشاركة في العمليات الإرهابية تحت دعوي "الجهاد". وأشار أمين عام منظمة الأمن الجماعي التي تضم (روسيا، وبيلاروسيا، وأرمينيا، وكازاخستان، وطاجكستان، وقرغيزستان)، إلي النمو المتزايد في عدد مواقع الإنترنت ذات التوجه المتطرف، خاصة في منطقة آسيا الوسطي، موضحا أن أجهزة المنظمة رصدت 57 ألف موقع إنترنت تعمل علي تجنيد مقاتلين للمنظمات المتطرفة، منها تنظيم "داعش"، وأنها قامت بحجب أكثر من 50 ألفا منها، هذا إلي جانب الأعداد الكبيرة من عناصر "داعش" التي تتدفق وتستقر في الأراضي الأفغانية القريبة من روسيا وفضائها الأمني.