تحدث البيان السعودي الذي ألقاه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إعلاناً للتحالف الإسلامي عن الجوانب الدينية والفكرية للمشروع، وهذا أمر شديد الأهمية له ثلاث شُعَب: الشعبة المتعلقة بالمؤسسات الدينية، والشعبة المتعلقة بالأجواء الثقافية العامة، والشعبة المتعلقة بمخاطبة العالم. وكانت دولة الإمارات العربية قد اهتمت في السنتين الأخيرتين بهذه الشُعَب كُلّها، حين أطلقت مع العلاّمة الشيخ عبدالله بن بيَّه مبادرةَ منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية، ومع شيخ الأزهر مبادرة مجلس الحكماء، إضافةً إلى مبادرات أُخرى من الأوقاف، مع الجهات العربية والإسلامية أو بالاشتراك مع المؤسسة الدينية المغربية خاصةً. وقد ضمّت هذه المبادرات جميعاً عشرات الشخصيات والهيئات العربية والإسلامية والعالمية. ومع ظهور التحالُف الإسلامي، تتحول مبادرات دولة الإمارات إلى خط فكري مُوازٍ يرعى الأفكار والنشاطات الإصلاحية وذات الاعتدال والنهوض، سواء ما كان منها رسمياً أو جاء من جهات ثقافية ودينية واجتماعية بعيدة عن التحزب ويحدوها الهمُّ لتعزيز السلم في المجتمعات، والالتفات إلى صورة الإسلام في العالم، أكان ذلك مع أُمم آسيا وأفريقيا أو أوروبا والأميركيتين.
ولنبدأْ بالمؤسسات الدينية، والبارزة والفاعلة منها ثلاث في الإسلام العربي هي: المؤسسة الأزهرية، والمؤسسة المغربية، والمؤسسة السعودية. وكانت تلك المؤسسات قبل انفجار الانشقاقات في الإسلام السنّي تمارس أربع مهام: رعاية العبادات ووحدتها، والتعليم الديني، والفتوى، والإرشاد العام. وقد حصل قصور في أداء سائر تلك المهام. إذ أعرض عنها كثير من الشبان انضموا إلى المتطرفين الحركيين، ووصلوا إلى الإرهاب بالداخل والخارج. وبالطبع ليست المؤسسات الدينية مسؤولة وحدها عن ذلك. وإذا كنتُ أقرر هذا اليوم، فليس للمحاسبة، بل لمراجعة الأفكار والإدراكات والمهام، ولاستكشاف سُبُل ووسائل مكافحة التطرف من جهة، ومنع تكون أجيال جديدة من المتطرفين، وصنع صورة جديدة للدين ووظائفه. والذي أراه أنه لابد أن تتعاون هذه المؤسسات تعاوُناً وثيقاً فيما بينها، خاصة أنّ الدول المعنية متقاربة في سياساتها تجاه التطرف وسياساتها العامة. وهي مهتمة بأداء تلك المؤسسات، وبتطوير قدراتها وإمكانياتها وآفاقها، والصيرورة بعد المراجعة إلى سلوك سياسات أو تدبيرات للدين في علائقه بالسلطات المحلية وبالعالم المعاصر.
ولأن المشكلات خطيرة وشاملة، ذكرتُ الجهات الفكرية والثقافية العامة. إذ لابُدَّ أن يدخل المثقفون العرب والمسلمون وأهل الرأي، ويتحملوا المسؤولية في التأمل والترشيد وصنع الأفق. فقد اقتصرت اهتماماتهم في العقود الماضية على نقد الموروث أو نقضه بحجة أنه حائلٌ دون الدخول في الحداثة. ثم تبين أن الإحيائيات والأصوليات ثائرة أيضاً على التقليدي والموروث. ولا شك أن ذوي الفكر الفلسفي والسوسيولوجي يستطيعون إفادتنا في فهم ما حصل في الإسلام وعليه، وكيف يمكن استعادة الجمهور بالتعاون مع المؤسسات الدينية وليس في مواجهتها كما حصل من قبل.
وتُقبلُ الجهات الدينية العربية والإسلامية حالياً على تجديد العلاقات بنظيراتها الإقليمية والدولية. بيد أن الذهول لا يزال يحكم أكثر التصرفات بعد الأحداث الإرهابية المتوالية. لكن الأُفق ليس مسدوداً. فقد كنتُ قبل أسبوع أُلقي محاضرةً بالمعهد الأوروبي العربي بمدينة غرناطة، واستمع إليّ وإلى زملائي جمهور شاب ومنفتح يفهم ما كان من دون تشنج، وهو قابل للنقد والمراجعة. وما أقصده أننا محتاجون إلى أكثر من المحاضرات في أوروبا وآسيا. نحن محتاجون كمثقفين عرب ملتزمين بقضايا أمتنا إلى شراكات مع المعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث ومواطن التأثير، تُساعِدُنا فيها الدول العربية المهتمة، والجهات الناهضة الآن مثل منتدى تعزيز السلم. فقد كان لنشاط العلاّمة الشيخ بن بيّه على المسرح الدولي والإقليمي أثر إيجابي وبارز. ومثلُهُ من قبل مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لحوار الأديان والثقافات. إن الجهات الأوروبية والأميركية تريد الآن هذه الشراكات بإلحاح. وقد قال لي غربيون من رجال الدين والمدنيين إنهم يتوقون إلى هذه الشراكات، ليس من أجل اتقاء الشر فقط، بل ومن أجل تطوير إمكانيات العيش والاندماج لملايين المسلمين بالغرب.
التحالف الإسلامي يسعى إلى شراكات سياسية وعسكرية لمواجهة الإرهاب. وعلينا نحن العلماء والمثقفون أن نسعى لشراكات وتحالفات بالداخل ومع العالم: لتسكين الثوران الديني من جهة، وللتمكن من العيش مع العالم وفيه.
-----------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 27-12-2015.