تواجه الدول الأوروبية منذ شهور عدة أخطر أزمة مرت بها منذ عقود، وهي استقبال وتسهيل إقامة آلاف اللاجئين الفارين براً وبحراً من سعير الحرب في سوريا، ومناطق أخرى في العالم العربي والشرق الأوسط. وقد استقبلت إيطاليا واليونان منذ بداية العام الحالي ما يناهز خمسمائة وخمسين ألف لاجئ والتوقعات الرسمية تشير إلى تدفق عدة ملايين في الأعوام القليلة القادمة. واللافت للنظر أن بعض القادة الأوروبيين يسعون لتغيير بعض تشريعات الاتحاد الأوروبي وأبرزها، «نظام دبلن»، والذين يرونه نظاماً «عفا عليه الزمن»، ولا يناسب الأوضاع الأوروبية الحالية، ويدعون علانية الدول الرافضة دخول اللاجئين أراضيها بتغيير موقفها، والسماح بدخولهم، ومنحهم حق اللجوء، وتعارض المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك ورومانيا، أي قرارات من شأنها إرغامهم على قبول اللاجئين.
والجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي «فرنسوا هولاند»، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يقودان حركة قبول اللاجئين، وينظرون لأوضاعهم بإيجابية وإنسانية – حسب رأيهم –. ويرى هذان القائدان أن أوروبا ستقع في خطر كبير لو سمحت للحركات القومية بالسيطرة على صنع القرار، ونجحت في نشر أفكارها الرافضة استقبال اللاجئين بناء على أسس قومية وعرقية. ويشجع القائدان نظراءهم في الاتحاد الأوروبي لاعتبار اللاجئين بشر في حاجة للمساعدة. وبلغ الأمر بالرئيس الفرنسي للتلويح بالسماح للمملكة المتحدة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي أثناء مناقشة جمعته وزعيم الحزب البريطاني المستقل، مؤكداً أن موقف ذلك الحزب لا يعني فقط إمكانية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بل أيضاً الانسحاب من الديموقراطية. إضافة لذلك، يرى الرئيس الفرنسي أن رفض استقبال اللاجئين قد يعني «نهاية أوروبا» والحلم الأوروبي.
يأتي هذا وسط تجاهل المستشارة الألمانية نتائج استطلاع رأي جرى مؤخراً في ألمانيا، وأعلن أن 51 في المائة من الشعب الألماني يشعرون بالخوف من الأعداد المتزايدة للاجئين القادمين لبلادهم. أضف لذلك تجاهل استيعاب تصريحات أحد قادة تنظيم «داعش» مؤخراً، والتي أكد فيها تسلل أكثر من أربعة آلاف عنصر من التنظيم ضمن آلاف اللاجئين الذين وصلوا الدول الأوروبية بهدف الحصول على حق اللجوء. وقد ذكر ذلك القائد أن التنظيم لديه خطط طموحة وأهداف محددة في أوروبا، ومنها استهداف الحكومات الأوروبية بالأعمال الإرهابية، انتقاماً من دول التحالف التي تحارب التنظيم في سوريا والعراق.
كما يتجاهل زعيما فرنسا وألمانيا أيضاً المخطط، الذي تم وضعه منذ سنوات ويتم تنفيذه بدقة، ويرمي بسط سيطرة بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة على المساجد والمراكز الدينية المعتدلة في العديد من الدول الأوروبية. والنتيجة الحتمية لذلك المخطط – عند التقائه بمخططات العناصر الإرهابية التي تتسلل بين اللاجئين – واضحة للعيان، وهي نشر الأفكار المتطرفة والتشجيع على أعمال التخريب والتدمير وتجنيد الشباب الأوروبي، وإرساله للانضمام لـ«داعش» في سوريا والعراق، أو في الدول الأخرى التي يتمدد فيها.
وبالتالي في الوقت الذي تعمل فيه بعض الدول العربية على محاربة الأفكار المتطرفة والتنظيمات الإرهابية التي تستهدف أمنها واستقرار شعوبها نجد بعض الدول الأوروبية تفتح أبوابها لأعضاء تلك التنظيمات الإرهابية الذين يتسللون بين اللاجئين، كما تسمح بعض حكومات تلك الدول وبناء على تشريعاتها النيابية بسيطرة الجماعات المتطرفة على رسالة الإسلام المعتدل في المساجد والمراكز الدينية، والتي تقوم بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ببنائها. ويقودنا هذا بلا أدنى شك لنتيجة مفادها أن أوروبا تواجه مستقبلاً قاتماً بالسماح لعناصر إرهابية ضمن اللاجئين بالاستقرار فيها. والذي نخشاه أكثر من الأعمال الإرهابية داخل تلك الدول، هو نجاح تلك الجماعات المتطرفة في إنشاء جيل متطرف يتغذى على أفكار الإرهاب، إضافة لإمكانية استخدام تلك الدول كمراكز لتصدير التطرف والإرهاب للدول العربية ودول كبرى أخرى، كالولايات المتحدة الأميركية.
----------------------------------------
نقلا عن الاتحاد الإماتية، 12-10-2015.