من جديد، عادت لعبة بيع نفط كردستان العراق للكيان الصهيوني إلى الواجهة، بعدما تحدثت تقارير مؤخراً، عن اعتماد السوق «الإسرائيلية» بنسبة 75% من احتياجاتها النفطية على النفط المُصدر من الإقليم الكردي عبر تركيا، لتضيف مشكلة جديدة إلى المشكلات المتفاقمة بين سلطات أربيل والحكومة المركزية في بغداد.
ومن دون الخوض في تفاصيل العلاقة القديمة المتجددة بين قيادات نافذة في كردستان العراق والكيان الصهيوني، منذ ستينات القرن الماضي، والدور الذي لعبته أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» عبر هذا الإقليم، من عمليات التخريب إلى اغتيال عشرات العلماء العراقيين في المجال النووي، فإن مشكلة بيع النفط للكيان تصبح شديدة الحساسية بالنسبة للدولة العراقية التي لا تعترف بهذا الكيان وتعتبره عدواً لها، فضلاً عن رفضها لمبدأ تمرد الإقليم الكردي وخروجه عن سلطتها المركزية.
وفي ظل الجدل القائم حول سعي الإقليم لإقامة كيانه الخاص والانفصال نهائياً عن بغداد، فإن الأمور تزداد تعقيداً مع الاتهامات المتبادلة وتحميل كل من بغداد وأربيل المسؤولية للطرف الآخر، في الإخلال بالاتفاقات المبرمة بين الطرفين، ومنها الاتفاق الذي وقعت عليه الأطراف السياسية العراقية في عام 2005، ويقضي بأن يأخذ إقليم كردستان 17% من الموازنة العراقية العامة شريطة إخضاع بيع نفط الإقليم لسلطة الحكومة المركزية.
تدعي سلطات أربيل أن بغداد هي من دفعتها لتصدير النفط بشكل مستقل بعد أن توقفت الأخيرة منذ بداية عام 2014 عن دفع مستحقات الإقليم من الموازنة العامة، ما أدخله في أزمة مالية، لكن الواقع يقول إن سلطات أربيل قامت قبل عامين بمد أنبوب عبر الأراضي التركية لربط آبار النفط في الإقليم بميناء جيهان التركي، وهي تصدر حالياً نحو 550 ألف برميل يومياً عبر هذا الميناء بشكل مستقل عن بغداد.
ومنذ ذلك الوقت ترددت أنباء قوية، أسهمت في كشفها وتأكيدها وسائل الإعلام الصهيونية، عن تحويل شحنات نفط كردستان عبر ذلك الميناء إلى موانئ الكيان الصهيوني، ومع أن مصادر كردية تؤكد أن برلمان الإقليم أجرى تحقيقاً بشأن هذا الموضوع، وطلب توضيحات من رئاسة حكومته، إلّا أن الرد جاء بأنهم يبيعون النفط إلى شركات، وهي تقوم ببيعه لجهات لا علاقة لهم بها، وبما أن الاتفاقات تتم عبر تركيا، ومن خلال شركات تعترف بها أنقرة، فإن الحكومة التركية حرة في إبرام اتفاقات مع أي دولة.
وفي معرض تبريرها، تجادل قيادات كردية بأنها لا تسعى إلى التطبيع أو إقامة علاقات اقتصادية مع الكيان، بذريعة أن مثل هذا التعاون يحتاج إلى دولة وعلاقات دبلوماسية، فيما تصر بغداد على أنها لن تقبل ببيع نفط الإقليم إلى أي شركة أو دولة في العالم إلّا من خلالها، وتؤكد أنها فتحت تحقيقاً بشأن مسألة تصدير نفط كردستان إلى الكيان، وبينما تستمر الخلافات بين الجانبين حول استخراج نفط الإقليم وبيعه، لا يبدو أن الظروف ملائمة لحسم مثل هذه المسائل في وقت يحتاج الطرفان بشدة إلى بعضهما البعض لمواجهة الخطر المشترك، الذي يتهددهما معاً، وتحرير مناطقهما من قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي.
---------------------------------
* نقلا عن السفير اللبنانية، الأحد، 7-9-2015.