24 مايو 2015
دخلت قضية الصحراء الغربية محطة جديدة في مسلسل المفاوضات، وذلك إبان صدور قرار مجلس الأمن رقم 2218 بتاريخ 28 أبريل 2015 بتمديد مهام بعثة المينورسو إلى 30 أبريل 2016، والذي كرس من جديد حالة من الجمود بالنظر لعدم إحراز أي تقدم ملحوظ.
وانبرى الطرفان المتنازعان، كل على حدة، لتقييم القرار، وجرد المكتسبات، والمحاولة قدر المستطاع إدراجه في خانة الانتصار الدبلوماسي، على الرغم من كونه أدخل مسار المفاوضات في حالة توازن تراعي موقعهما التفاوضي معا.
أولا- مدخلات القرار:
يعد التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، السيد "بان كي مون"، لمجلس الأمن بتاريخ 10 أبريل 2015 مدخلا للقرار 2218، حيث شدد على ضرورة تشجيع الطرفين والدول المجاورة على مواصلة التعاون بجدية مع مبعوثه الشخصي كريستوفر روس لإيجاد "حل سياسي مقبول للطرفين"، قصد الخروج من حالة الجمود، المتمثلة في عدم إحراز أي تقدم في حل النزاع.
وغلبت الهواجس الأمنية، وتأثير النزاع فى استقرار وأمن منطقة الساحل والصحراء على التقرير، في ظل اتساع النطاق الجغرافي لشبكات الجريمة والإرهاب، واستغلالها للفراغ الأمني في المنطقة، وتزايد الشعور بالإحباط في صفوف أبناء الصحراء الغربية.
وأشاد التقرير بالمجهودات المغربية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، والمتمثلة في اعتماد قانون القضاء العسكري الجديد، والتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة.
وكان من أهم توصيات التقرير أن طالب مجلس الأمن بتبني قرار يدعو لضرورة اعتراف المغرب "بالمبدأ القاضي بأن مصالح أهل الأقاليم الصحراوية لها المقام الأول"، وفقا للمادة 73 من الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة، مع التشديد على ضرورة إحصاء اللاجئين بمخيمات تندوف للاجئين.
وجاء هذا التقرير أكثر توازنا ومراعاة لمصالح الطرفين، عكس التقرير الذي قدمه الأمين العام في 10 أبريل 2014، والذي غلبت عليه المقاربة الحقوقية، حيث عرف وضع شروط تخل بالمساواة بين المتنازعين، حينما أوصى بـ :
- وضع آليات لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.
- وضع آليات للإشراف على الثروات بالصحراء الغربية.
- إدراج الملف على جدول أعمال اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
وبعد صدور القرار 2152 في أبريل 2014، انبرت كل الأطراف إلى الادعاء بأنه جاء في مصلحتها. لكن وبكل موضوعية، فإنه وإن خدم نوعا ما البوليساريو بالإشارة إلى تقرير المصير، مع الدعوة إلى إدراج الملف على جدول أعمال اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فإنه لم يحقق كل مبتغاها، حينما أشاد بالجهود المغربية المبذولة، وقرر عدم وضع حقوق الإنسان تحت مراقبة المينورسو، وهو ما كان ليشكل انتقاصا من سيادة المغرب، إضافة إلى عدم تبني آليات للإشراف على ثروات الصحراء.
ثانيا- حيثيات القرار:
لقد جاء القرار 2218 الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 7435 المعقودة في 28 أبريل 2015، ليؤكد مساعيه لإيجاد حل سياسي مقبول للطرفين، يتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، حيث أشار إلى جدية مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب للأمين العام في 11 أبريل 2007 ، مع الإحاطة في الوقت نفسه بمقترح البوليساريو المقدم للأمين العام في 10 أبريل 2007، مع دعوة الطرفين للتعاون الجدي والبناء لإيجاد حل لنزاع دام أكثر من 40 عاما.
وأشاد القرار بتفاعل المغرب مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمتمثلة في اعتماد قانون القضاء العسكري الجديد، والتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة ، ودعا لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في الصحراء الغربية، ومخيمات تندوف للاجئين، مع تأكيد ضرورة النظر في تسجيل اللاجئين في مخيمات تندوف للاجئين.
القرار جاء مفاجئا للبوليساريو، كونه لم يأت في مصلحتها التامة، عكس سابقه، حيث إنه لم يتبن آليات للإشراف على حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، ولم يدع لوضع آليات لمراقبة ثرواتها، وإنما اكتفى بالدعوة إلى تطبيق القرارات السابقة، بما فيها القرار 2152 مع الإشادة بالمجهودات المغربية المبذولة، وهو ما أعاد مسار المفاوضات لحالة التوازن.
وعليه، فإن الصيغة الحالية للقرار 2218 ما هي إلا انعكاس لمطالب المغرب التي جسدها الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء في 6 نوفمبر 2014، حيث أكد الملك محمد السادس أن "أي مقترح لتوسيع مهام بعثة المينورسو في الصحراء المغربية لتشمل حقوق الإنسان، ومراقبة ثروات الجنوب المغربي، وأي توصية صادرة في هذا المجال غير مقبولة، لأن نزاع الصحراء قضية وجود، وليست مسألة حدود"، وهي رسالة واضحة المعالم موجهة للأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، ومبعوثه كريستوفر روس للتحلي بمبدأ حسن النية في القيام بالمساعي الحميدة، وإلى باقي الأطراف الدولية لإيجاد صيغة ملائمة تأخذ فى الحسبان مصالح المغرب، أثناء تجديد مهام المينورسو.
هنا، لابد من الإشارة إلى أن النزاع يندرج ضمن الباب السادس من الميثاق الأممي المتعلق بحل النزاعات بالطرق السلمية، مما يفرض على كل دولة ليست عضوا في الأمم المتحدة، طبقا للفقرة الثانية من المادة 35 من الميثاق، أن "تنبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى نزاع تكون طرفا فيه، إذا كانت تقبل مقدما في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في هذا الميثاق". كما يحق لمجلس الأمن، طبقا للمادة 36 من الميثاق، "في أي مرحلة من مراحل النزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 ، أو موقف شبيه به، أن يوصي بما يراه ملائما من الإجراءات وطرق التسوية". وهنا، نجد أن ما يصدر عن مجلس الأمن في هذه الحالة توصية وليس قرارا، مع العلم بأنه يمكنه في بعض الحالات إصدار قرارات.
هذه التوصية عبارة عن اقتراح بغرض القيام به، أو الامتناع عنه، وهنا الدول الأطراف في النزاع حرة في قبولها أو رفضها. كما أن القرار الصادر عن مجلس الأمن، طبقا للباب السادس، ليس ملزما قانونيا، وإن كانت المادة 25 من الميثاق أقرت بأن "جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة لكل الأطراف". لكن الحقيقة الماثلة أمامنا هي أن كل الإجراءات المتخذة، وفقا للفصل السادس، تفتقر لآليات التنفيذ المتاحة للمجلس، طبقا للفصل السابع، فتستطيع الدول تجاهل قرارات مجلس الأمن، طبقا للفصل السادس، مما يعني أن جميع التوصيات والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، طبقا للفصل نفسه، وكذا توصيات الجمعية العامة، غير ملزمة قانونيا.
ثالثا- انعكاسات القرار على السياسة الخارجية المغربية:
كان للقرار 2218 وقبله 2152 انعكاس عميق على مخرجات السياسة الخارجية المغربية، وعلى وزن الرباط في محيطها الإقليمي وتحالفاتها.
التوجه لإفريقيا جنوب الصحراء
يسعى المغرب في سياسته الخارجية تجاه إفريقيا جنوب الصحراء إلى استغلال العامل التاريخي والديني، ويعلم صناع القرار في الرباط أن دعم الاستقرار السياسي، مع خلق شراكات اقتصادية في المنطقة، من شأنه أن يقف حاجزا في وجه المخططات الانفصالية التي تهدف إلى شد أوصال الدولة المغربية، وتقطيعها في إطار مخطط شامل بهدف الإحاطة بالوطن العربي لتفتيت المفتت، وتقسيم المقسم.
وبتوجهه إلى الجنوب، يرسل المغرب للقوى العظمى رسالتين واضحتي المعالم، الأولى مفادها أن أي تهديد لاستقرار المغرب، أو شد لأوصاله- مع ما له من تأثير ديني فى دول المنطقة- من شأنه أن يهدد استقرار المنطقة ككل، ومصالح القوى العظمى فيها. أما الرسالة الثانية والأخيرة، فهى أن أي تقسيم للخريطة الجيوسياسية بالمنطقة يجب أن يتم دون تحييد لاستمرارية النظام المغربي، وتأثيراته فيها.
وعليه، قامت الرباط بتوقيع العديد من الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية والاستراتيجية مع دول إفريقيا جنوب الصحراء لدعم تعاون الجنوب الجنوب، متبنية مبدأي "الشراكة الاستراتيجية"، و"رابح ـ رابح"، في سعي منها لخلق نسيج اقتصادي خاص بإفريقيا يهدف للحفاظ على الأمن الغذائي للمنطقة، وتدعيم البنيات التحتية، وخلق العديد من المشاريع التنموية، حيث أبرمت، خلال مارس 2014، 17 اتفاقية مع مالي تهدف في مجملها إلى تشجيع القطاع الخاص، و26 اتفاقية مع كوت ديفوار تهتم بالتعاون في مجال الملاحة البحرية، والصيد البحري، والمجال البنكي، مع تمويل مشاريع بقيمة 110 ملايين دولار، وإنشاء 600 وحدة سكنية، و21 اتفاقية تعاون وشراكة مع غينيا كوناكري مع إنشاء "مطاحن إفريقيا" للحبوب في البلد نفسه بقيمة 30 مليون دولار، إضافة إلى توقيع شراكة استراتيجية نوعية في تاريخ العلاقات الثنائية المغربية- الجابونية في مجال الأسمدة، وذلك بإطلاق مشروع مشترك بقيمة ملياري دولار.
الانفتاح على روسيا والصين
يرتبط المغرب بحليفين استراتيجيين اثنين: الولايات المتحدة الأمريكية، كحليف استراتيجي في المجال الأمني، فرضه الموقع الجغرافي المؤثر للمغرب، وفرنسا، كشريك اقتصادي فرضه التاريخ الاستعماري. إلا أن التوجه الأمريكي في العقدين الأخيرين نحو محاربة الوحدة الترابية للمغرب، وهو ما ترجمه المقترح الأمريكي سنة 2013 لتوسيع مهام بعثة المينورسو بالصحراء لتشمل حقوق الإنسان، مع التخاذل الفرنسي بزعامة أولاند اتجاه المغرب في بعض المحطات، جعل الرباط تراجع توجهاتها الحالية.
كل هذه المعطيات عجلت من تغيير المغرب لنهجه التقليدي المعتمد على اللعب على الحبلين الأمريكي والفرنسي نحو التوجه لإفريقيا جنوب الصحراء، قصد ربح عمق استراتيجي، وتثبيت حبل ثالث لتعزيز الخيارات. وعليه، فإن مطالبة العاهل المغربي- خلال خطاب المسيرة في نوفمبر 2014 - الولايات المتحدة بتوضيح موقفها من قضية الصحراء هى نقطة تحول مهمة في توجهات السياسة الخارجية المغربية، ورسالة واضحة المعالم لواشنطن باحترام المصالح الحيوية للمغرب، وعدم الإضرار بالوضع التفاوضي للرباط، وذلك عن طريق تجنب أي مقترح لتوسيع مهام المينورسو.
خطاب المسيرة يؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن الدولة المغربية تفكر مليا فى القطع مع الاستراتيجية التي اتبعتها منذ الحرب الباردة، والتي كان "التكيف" عنوانها الرئيسي، والذهاب نحو بلورة رؤية استراتيجية جديدة تتماشى والمتغيرات الدولية، عن طريق التعديل في التحالفات التقليدية (فرنسا، والولايات المتحدة) بالانفتاح على باقي القوى الدولية، كالصين وروسيا.
وهنا، يمكن القول إن تعديل المغرب لتحالفاته الاستراتيجية، وتوسيع خياراته لضمان دعم سياسي داخل مجلس الأمن للحفاظ على وحدته الترابية، مرتبط بما سيقدمه للحلفاء الجدد على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي، وكذا بإدراكه لطبيعة المواجهة القائمة، وحجم التناقضات التي تحرك باقي الأطراف، وتسهم في صناعة قراراتها.
رابعا- مخرجات النزاع:
يبقى نزاع الصحراء الغربية رهين أربعة سيناريوهات محتملة. غير أن الحل القانوني يعد بمنزلة المخرج الأخير.
السيناريو الأول: فشل المفاوضات، والعودة للحرب من جديد، وبالتالي خرق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل له في قرار مجلس الأمن 690 في أبريل 1991، وما لذلك من انعكاسات على منطقة الساحل والصحراء، في ظل الفراغ الأمني الذي تشهده المنطقة، وانتشار شبكات للجريمة والارهاب.
السيناريو الثاني: تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية لتقرير المصير، وهو ما يلاقى معارضة شديدة من المغرب مرتبطة بطبيعة اللوائح المبنية على إحصاء تم من قبل الإدارة الإسبانية سنة 1974.
السيناريو الثالث: استبعاد خطة الاستفتاء من المسار التفاوضي، وفقا لمقترح "جيمس بيكر"، المبعوث الشخصي السابق للأمين العام، والذي تقدم به سنة 2000، وتطبيق الحكم الذاتي لخمس سنوات تحت السيادة المغربية، ومن ثم اجراء الاستفتاء، وهو ما يلاقي معارضة من الجانبين.
السيناريو الرابع: اتخاذ الحكم الذاتي، وفقا للمقترح المغربي بما يضمن للأقاليم الصحراوية حرية في التسيير تحت لواء السيادة المغربية التي لها حق الانفراد باتخاذ القرارات الخارجية، وتدبير المجال الأمني، ويبقى الحل القابل للتحقق على أساس حجم التعاون الكبير الذي أبداه المغرب، والإصلاحات الكبيرة التي قام بها في الشقين السياسي والحقوقي.
وعليه، فإن التوصل لحل سياسي متفق عليه في هذا الملف الشائك مرتبط بقبول الطرفين للمفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية، وهو ما يدعونا للقول إن هذه المفاوضات، بصيغتها الحالية والمبنية على محادثات ترعاها الأمم المتحدة، لن تحرز أي تقدم، حتى ولو استمرت لسنوات قادمة، على أساس أن عملية التفاوض لن تكون ناجعة إلا إذا ارتبطت بصدام عسكري على الأرض، يفرض على الطرفين التنازل، وفق المعطيات الميدانية، وهو ما حدث مع القرار 690 وما يغيب حاليا عن مجريات النزاع.
وبما أن محكمة العدل الدولية لم تستثن في نظامها الأساسي أي دولة طرف أو غير طرف من اللجوء إليها، شريطة احترام ما جاء في نظامها من بنود، فيمكن للبوليساريو كذلك أن تلجأ لها بموجب اتفاق خاص بينها وبين المغرب، أو بموجب إعلان انفرادي، شريطة أن تكون دولة طرفا في النظام الأساسي، وهو- في نظرنا- الحل الأخير أمام الطرفين لاستصدار حكم قضائي ملزم، بدل التشبث بالرأي الاستشاري لسنة 1975 (غير ملزم)، على أساس أن الامتناع عن القرار يفعّل تلقائيا المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تتيح لمجلس الأمن اتخاذ جميع التدابير التي يراها صالحة لتطبيق قرار المحكمة.
إن فشل المسار التفاوضي في تدبير هذا الملف الشائك واقع موضوعي، كما أن استمرار النزاع وسط تصلب في المواقف من الطرفين سينعكس على محيطه الإقليمي، مما يفرض على الجميع إيجاد صيغة جديدة للتفاوض للحد من تفاقمه، أو العدول عن الحل السياسي، وتبني الحل القانوني.