شكل التقدم الميداني للجماعات المسلحة في شمال سوريا مناسبة لدى بعض الكتاب والمحللين، ممن يدورون في فلك محور المقاومة، للحديث عن تراجع إيراني في دعم النظام السوري، وصولاً إلى الإيحاء ضمناً بإمكان أن تكون إيران قد دخلت في صفقات تلتزم بموجبها التخلي عن الرئيس بشار الأسد، مقابل حصولها على مكتسبات في ملفات أخرى. خطورة ما قيل أنه يتقاطع مع حرب نفسية يخوضها الداعمون للمعارضة السورية، بوتيرة إعلامية منسقة ومدروسة، ترويجاً لمقولة اقتراب الحسم وسقوط النظام.
في الأساس، تتخذ الأزمة السورية في سياسات إيران الإقليمية موقع الأولوية، برغم ارتباط طهران وانشغالها بالعديد من أزمات المنطقة وملفاتها. العلاقة مع سوريا، في الحسابات الإيرانية، تتخطى حالة التحالف المعهودة بين الدول إلى كونها شراكة ضرورية في مشروع إقليمي متعدد الأبعاد، لكنه يتمحور على العداء لإسرائيل ودعم القضية الفلسطينية. فدعم إيران لسوريا تحكمه معايير الوجوب وليس الاستحسان، وهو يتم على قاعدة «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».
ففي سوريا تتقاطع كل العناصر المكونة لقوة محور المقاومة الذي تقوده طهران: نظام حليف رفض الانخراط في مشاريع التسوية مع إسرائيل، وجبهة خلفية داعمة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وتواجد يتيح لإيران التموضع بين العراق وتركيا ولبنان وفلسطين المحتلة، وصولاً إلى مشاطأة ممكنة للمتوسط.
من هنا، لم تشهد العلاقة بين طهران ودمشق يوماً تباعداً أو قطيعة. يمكن تصور التموضع الإيراني في الإقليم خارج التحالف أو التقارب مع أي دولة أخرى ما عدا الحليف السوري. قبل الآن، لم تكن إيران حاضرة في العراق حيث تَعاقبَ على حكمه خصمها اللدود صدام حسين، وعدوها الأول أميركا. في أفغانستان أيضاً، ليست إيران هي اللاعب الأول. أما اليمن، فلم يصبح جزءاً من خريطة إيران الإستراتيجية إلا قبل سنوات قليلة. مقابل ذلك كله، لم تخرج سوريا قط عن كونها في الإستراتيجيات الإيرانية حليفاً واجب الوجود. فإيران التي تتدخل في بعض ملفات المنطقة من أجل الدفاع عن الحلفاء أو حفاظاً على مصالحها، تتدخل في المسألة السورية دفاعاً عن مشروعها برمته وحفاظاً على وجودها الإقليمي.
على هذا، لا يبدو منطقياً الربط بين سقوط إدلب وتفاهم لوزان تحت عنوان أن إيران تخلت عن سوريا من أجل ملفها النووي. إذ لا معنى أن تتخلى الجمهورية الإسلامية عن مشروعها الإقليمي مقابل الطاقة النووية. كما لا يبدو متسقاً الحديث عن استعداد الإيرانيين للتصعيد مع السعودية في اليمن، مقابل صمتهم إزاء التصعيد التركي في شمال سوريا من أجل مصالحهم الاقتصادية مع أنقرة. فلا مكاسب اقتصادية يمكن أن تعوض لإيران خسارتها في مواجهة شبه مصيرية كالتي تخوضها هي وحلفاؤها في سوريا. الصوت الإيراني المرتفع في الأزمة اليمنية يتطلع أولاً الى رسم خطوط حمراء تمنع من انفلات الوضع باتجاه حرب إقليمية لا تريدها طهران. فيما يتعامل الموقف الإيراني مع الدور التركي في سوريا بصرامة هادئة في ظل طمأنينة لعدم سقوط النظام، والتزام أنقرة بالخطوط الإيرانية الحمراء.
يرى دبلوماسي إيراني أنه لو تسنى سقوط النظام في سوريا، لاستبدلت أميركا التفاهم النووي بالحرب على بلاده، على غرار ما فعلته في العراق وأفغانستان، ولخرجت إسرائيل من حالة ضبط النفس إلى حرب بلا هوادة على لبنان.
في المحصلة، ليس الحصان السوري وحيداً، حتى لو بدا متعباً.
---------------------------------
* نقلا عن السفير اللبنانية، 9-5-2015.