شكلت الغارات الجوية المصرية في درنة شرقي ليبيا في السادس عشر من فبراير 2015- بعد ساعات من بث تنظيم "داعش" تسجيل فيديو يُظهر ذبح 21 عاملا مصريّا مسيحيّا- تطورا نوعيا في نمط المواجهة المصرية للتهديدات المتصاعدة من الجوار الليبي. إذ انتقلت القاهرة بهذا الرد إلى مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة للتهديدات الليبية، في سابقة تعد الثانيةَ في تاريخ العلاقات بين الدولتين، منذ استقلالهما، حيث كانت المرة الأولى في عام 1977، عندما تدخلت مصر عسكريا بشكل محدود شرقي ليبيا، على خلفية محاولات نظام القذافي آنذاك اقتحام الحدود الغربية المصرية.
ورغم تباين السياقات الداخلية والخارجية في حالتي اللجوء للخيار العسكري المباشر في العلاقات المصرية-الليبية، فإن استخدامه ارتبط بفترات التأزم الشديد في توجهات النظامين الحاكمين، وتصاعد التهديدات للأمن القومي. ففي الحالة الأولى، جاء الرد العسكري المصري لنظام السادات، بعد قصف القذافي مناطق حدودية في غرب مصر في سياق الاستقطابات الإقليمية والدولية، إبان الحرب الباردة، بينما الأخيرة، وبرغم أن الحادث تعلق باستهداف مصريين داخل ليبيا، فإن طبيعته الطائفية، وما أثاره من غضب داخلي يتعلق بالنسيج الوطني، دفعا القاهرة للنظر له كـ"تهديد حاد" لأمنها القومي يستوجب ردا عسكريا فوريا.
بيد أن الرد العسكري المصري الأخير اختلف من حيث فحواه وحدوده، بل وردود الفعل حوله، فلقد اقتصر على هجمات جوية مصرية -بالتنسيق مع القوات الجوية الليبية الموالية لحكومة طبرق- على مدينة درنة التي تعد معقلا للجماعات الدينية المسلحة في شرقي ليبيا، مع التلويح بعدها بحق مصر في "التصدي بكل حسم لأي محاولات تستهدف أمنها القومي".
تبع ذلك تحرك مصري على صعيد مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة الأربعاء 18 فبراير 2015 لطلب رفع حظر السلاح عن حكومة طبرق، ومساعدتها في بناء جيشها، حتى تتمكن من التعامل مع الجماعات المتطرفة، بخلاف طلب آخر يتعلق بتشديد الرقابة البحرية والجوية على منع وصول السلاح إلى كافة الميليشيات غير الحكومية، والأطراف غير المنتمية للدولة الليبية.
ولوحظ أن الطلبين المصريين -اللذين عبر عنهما وزير خارجية مصر، سامح شكري، في مجلس الأمن- لم يتضمنا ما طرحه الرئيس السيسي مع بداية الأزمة، عندما دعا بعد القصف الجوي، في مقابلة بثتها إذاعة أوروبا 1 الفرنسية، الثلاثاء 17 فبراير 2015، إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة يمنح تفويضًا بتشكيل تحالف دولي للتدخل في ليبيا.
ورغم الإدانات الإقليمية والدولية لمقتل المصريين في ليبيا، فإن الطلبات المصرية لم تلقَ استجابة القوى الكبرى، والأمم المتحدة التي اتخذت اتجاهًا مغايرا يفضل الحوار السياسي على الحل العسكري، كمدخل لمعالجة الأزمة الليبية، وهو ما يضع تحديات أمام السياسة المصرية تجاه ليبيا في المرحلة المقبلة.
- الرد العسكري وما بعده.. دلالات وأهداف:
للوهلة الأولى، انطوى الرد العسكري المصري تجاه مقتل المصريين في ليبيا على دلالتين أساسيتين، أولاهما أن القاهرة لا تستبعد خيار القوة العسكرية للدفاع عن أمنها القومي حتى خارج أراضيها، سواء أكانت التهديدات قادمة من ليبيا، أم غيرها، حال بلوغها حدا يهدد أمنها. وربما تكمن أهمية هذه الدلالة في طبيعة البيئة الإقليمية التهديدية المحاصرة لمصر، سواء من الشرق، أو الغرب، أو الجنوب، برغم اختلاف نمط ومستوى حدة التهديد من كل جهة على حدة.
أما الدلالة الثانية والأخيرة، فتتعلق بمحاولة ترميم معنويات الرأي العام المصري تجاه الإرهاب المتصاعد، سواء في شبه جزيرة سيناء، أو داخل الوادي، بخلاف منع الاستغلال السياسي الداخلي للحادث طائفيا ضد النظام والدولة التي تواجه في المرحلة المقبلة استحقاقي الانتخابات التشريعية، والمؤتمر الاقتصادي، بما تحتاج معه إلى إحداث حالة من الاصطفاف الوطني، لا سيما أن الخبرة التاريخية المصرية تشير إلى أن المجتمع عادة ما تتراجع خلافاته الداخلية عند بروز خطر خارجي.
على أن تحرك مصر في مجلس الأمن، وانخفاض سقف المطالب من الدعوة للتدخل الدولي إلى رفع حظر السلاح عن حكومة طبرق، أبرزا هدفا آخر في مرحلة ما بعد الغارات الجوية، يتعلق بسعي مصر إلى الانتقال إلى دور أكثر فعالية -عبر استجلاب دعم دولي- في حسم موازين الصراع الداخلي في ليبيا، ولو على الأقل في منطقة الشرق، وبالتالي خلق نطاقين دفاعيين في مواجهة التهديدات الليبية، أحدهما داخل الحدود المصرية، والآخر في شرق ليبيا.
وعلى ما يبدو، فإن المسعى المصري في مجلس الأمن، بعد الغارات الجوية مباشرة، انطلق من عدة حسابات، منها ما يتعلق بصعوبة استمرار الغارات الجوية المصرية دون ظهير دولي وإقليمي مساند، وبالتالي فقد لوحظ أن الغارات لم تتكرر على الأقل منذ الإعلان عنها يوم الاثنين (16 فبراير). كما أن ثمة إدراكا بأن الضربات الجوية لا تستطيع إنهاء قدرات تنظيمات مسلحة، هي بالأساس متحركة على الأرض، وتلتحم بالمدنيين الذين يشكلون "البيئة الحاضنة". وبالتالي، فالمعارك البرية هي وحدها الكفيلة بمواجهة التنظيمات الجهادية، وإن كان ذلك يحتاج إلى قوات عسكرية مدربة ومجهزة، لا تتوافر في حالة الجيش النظامي الليبي وحلفائه في الشرق الليبي.
على أن الأمر الأبرز هو استمرار حالة اللا حسم العسكري، فلا نصر، ولا هزيمة كاملة في ميادين القتال في ليبيا، فلم تستطع عملية "الكرامة" وحلفاؤها بمجلس نواب وحكومة طبرق، والقوات النظامية التابعة لها، التطهير الكامل لبنغازي من الجماعات الجهادية المسلحة، كما لم ينجح أيضًا معسكر "فجر ليبيا" وحلفاؤه من الإسلاميين، ومصراتة، والزاوية، وبعض مجموعة الأمازيغ في حسم القتال في غربي ليبيا ضد ميليشيات القبائل من الزنتان، وورشفانة المتحالفة مع عملية الكرامة.
وبالمثل، سادت حالة من الجمود في معارك الهلال النفطي، إذ لم تستطع عملية "شروق ليبيا" المنبثقة عن فجر ليبيا السيطرة على المنطقة في مواجهة ميليشيات حرس المنشآت النفطية المتحالفة أيضًا مع حكومة طبرق. ويرجع البعض حالة اللا حسم تلك إلى تفتت القوة بمفرداتها الشاملة بين قوى ميليشياوية، وسياسية، ومناطقية على الأرض الليبية الشاسعة، بخلاف ضعف جاهزية وتسليح الجيش الليبي التابع لحكومة طبرق. وعلى ذلك، فإذا كانت معركة بنغازي لم تنته، فإن الموقف سيكون أعقد وأكثر ضراوة عند الانتقال إلى معارك أخرى منتظرة، خاصة في درنة مع الجماعات الجهادية المسلحة.
وبالتوازي مع اللا حسم العسكري، فإن ثمة نزاعا حول الشرعية السياسية. ففي مواجهة حكومة طبرق، سعى المعسكر المضاد (الإسلاميون– مصراتة) لامتلاك حكومة موازية، ومؤتمر وطني عام، ورئاسة أركان، بل والضغط تارة على تحالف طبرق، عبر قرار المحكمة العليا بحل مجلس نواب طبرق في الـ6 من نوفمبر 2014، وتارة أخرى عبر التنسيق مع مجلس شورى ثوار بنغازي الذي يضم أنصار الشريعة، فضلا عن إحدى أبرز ميليشيات "درع ليبيا-1"، التي يقودها وسام الحميد في مواجهة عملية الكرامة، وتارة ثالثة عبر علاقات إقليمية خاصة مع تركيا وقطر. بل إن ميليشيات "فجر ليبيا" ضغطت على مصر بعد هجومها الجوي، عبر إمهال العمالة المصرية 48 ساعة لمغادرة طرابلس.
اتجاهات إقليمية ودولية مضادة:
واجه المسعى المصري لرفع حظر السلاح عن حكومة طبرق -المعترف بها دوليا- ومنعه عن منافسيها، سواء من الحكومة، أو الميليشيات الموازية، اتجاها دوليا وإقليميا مضادا يرفض التدخل العسكري، ويفضل الحل السياسي، عبر دعم الحوار الوطني الذي يقود جولاته منذ سبتمبر 201 مبعوث الأمم المتحدة، برناندينو ليون، بغية التوصل إلى حكومة توافق وطني.
فبعد يوم واحد من الهجوم الجوي المصري ضد "داعش" في ليبيا، أصدرت قوى كبرى (الولايات المتحدة، وفرنسا، وإسبانيا، وبريطانيا، وإيطاليا، وألمانيا) بيانًا مشتركًا يُشير إلى إدانتها مقتلَ مصريين في ليبيا، وتأكيدها ضرورة الحل السياسي، وتشكيل حكومة توافق وطني، في إشارة ذات مغزي إلى رفضها التدخل العسكري في ليبيا، وإن كان البيان قد تجنب التعليق على الضربات المصرية لحسابات يتعلق بعضها بطبيعة التحالف الدولي التي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش" في سوريا والعراق، و يتعلق البعض الآخر بالمسار التنسيقي بين مصر وفرنسا بخصوص الأزمة الليبية.
وعلى النهج ذاته، رفض ليون في جلسة مجلس الأمن الأربعاء (18 فبراير 2015) الحديث عن الحل العسكري، وأيد الحل السياسي، قائلا: "لا يمكن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات المتشددة في ليبيا إلا من خلال وجود حكومة موحدة تحظى بدعم دولي قوي".
وهذه ليست المرة الأولى التي ترفض فيها القوى الكبرى التدخل العسكري في ليبيا، فلم تلقَ مطالبات مجلس نواب طبرق للأمم المتحدة بالتدخل الدولي في أغسطس 2014 أي استجابة، خاصة أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدركان أن التورط في الحالة الليبية، بشكلها الميليشياوي، وجغرافيتها المترامية، يشكل ثمنا لا أحد في الغرب مستعد لدفعه على الأقل في الوقت الراهن، خاصة أن تغيير موازين القتال في ليبيا يستلزم قوات برية ستواجه بعدو غير واضح، وتشظٍّ للميليشيات في جغرافيا معقدة، وغياب ظهير سياسي حكومي متفق عليه على الأقل، كما توافر في حالتي شمال مالي والعراق، بل وحالة ليبيا عندما تدخل الناتو في 2011 لمساندة المعارضة المسلحة التي كانت مصطفة آنذاك في مواجهة استبداد نظام القذافي.
إضافة إلى ذلك، فإن ثمة محاولة للتوازن الدولي بين فرقاء الصراع في ليبيا، وإيجاد مساحات بين تحالفات "فجر ليبيا"، ومصراتة من جهة، والتنظيمات الإرهابية كـ "داعش"، وأنصار الشريعة من جهة أخرى. بدا ذلك واضحا، عندما أعلن مجلس الأمن "أنصار الشريعة" كجماعة إرهابية في الـ20 من نوفمبر 2014، دون مد ذلك إلى "فجر ليبيا" التي صنفها مجلس نواب طبرق على أنها جماعة إرهابية في سبتمبر 2014.
وعلى غرار المواقف الدولية المساندة للحل السياسي، اتجهت مواقف القوى الإقليمية، خاصة الجزائر وتونس، اللتين تنسقان مع مصر بخصوص الأزمة الليبية، وإن كانتا لم تعلقا على الضربات المصرية، لا سيما أنه من غير المستبعد أن تُقدِمَا على تكرار السيناريو ذاته، إن تعرضت مصالحهما في ليبيا لتهديد حاد.
ويكمن الخلاف مع القوى الإقليمية -خاصة الجزائر- في عدم الاتفاق على موقف واحد تجاه أطراف الأزمة الليبية. فبينما تضع مصر جماعات، مثل أنصار الشريعة، و"داعش" مع "فجر ليبيا" في سلة التنظيمات الإرهابية، كانعكاس لطبيعة المواجهة الداخلية التي تخوضها السلطة المصرية مع الإخوان المسلمين منذ يونيو 2013، فإن الجزائر تجد أنه من مصلحتها التعامل مع الإسلاميين وحلفائهم من مصراتة الذين يسيطرون على طرابلس.
وبالتالي، تطرح الجزائر نفسها كوسيط في ليبيا، ليس فقط لأنها تدرك صعوبة الحسم العسكري، وتكلفته العالية في الحالة الليبية، بل لخشيتها من أن يؤدي الحل العسكري إلى زيادة نشاط الجماعات الإرهابية على حدودها من جانب غرب ليبيا. ويظهر هذا الموقف جليا في تصريحات وزير خارجية الجزائر، رمضان بلعمامرة، الذي أكد- بعد يومين من الغارات المصرية على ليبيا، عند لقائه مع وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند- تفضيل بلاده للحوار الوطني كحل للأزمة الليبية.
بل إن اللافت هو انفتاح الجزائر -على خلاف مصر- على الحوار الإقليمي مع المعسكر المساند لتحالف مصراتة والإسلاميين، خاصة قطر التي زار أحد مسئوليها الجزائر للتباحث حول أزمة ليبيا في فبراير 2015، وكذا تركيا التي زار رئيسها أردوغان الجزائر في نوفمبر 2014.ولا تختلف تونس عن موقف الجزائر في تأييدها للحل السياسي، وهو ما برز في تصريحات رئيس الوزراء التونسي، الحبيب الصيد، في الـ18 من فبراير 2015، إضافة إلى المغرب التي من المحتمل أن تستضيف الجولة القادمة من الحوار الوطني الليبي.
على صعيد إقليمي مواز، أعاد الرد العسكري المصري إلى الواجهة الخلافات المصرية- القطرية، على خلفية تحفظ الأخيرة (قطر) على بيان الجامعة العربية الذي أبدى تفهمه لمبررات الهجمات العسكرية المصرية على ليبيا. واستتبع ذلك اتهاما صريحا من مندوب مصر في الجامعة لقطر بدعم الإرهاب، وهو ما حدا بقطر إلى سحب سفيرها للتشاور، علاوة على الجدل حول تصريحات منسوبة لعبد اللطيف الزياني، أمين مجلس التعاون الخليجي، برفض الاتهام المصري لقطر، ثم نفي الزياني ذلك لاحقًا بتأكيده تأييد مجلس التعاون للضربات العسكرية المصرية ضد ليبيا.
حوار وطني دون نتائج ملموسة
لم تسفر جولات الحوار الوطني من غدامس في سبتمبر 2014، إلى جنيف في يناير 2015، ثم العودة مرة أخرى إلى غدامس في فبراير الجاري، عن نتائج ملموسة بسبب التعددية الواسعة لأطراف الصراع، وتضارب مصالحهم، والخلاف على شرعية مجلس نواب طبرق، علاوة على مدى الشكوك حول قدرة الأطراف السياسية على إجبار ظهيرها الميليشياوي على الرضوخ لأي اتفاقات محتملة.
على أن تبني قوى دولية وإقليمية للحوار السياسي في ليبيا ليس فقط مرده تعقيدات التدخل العسكري، ولكن لبروز مؤشرات يرى البعض أنه يمكن توظيفها للدفع بحكومة توافق وطني في ليبيا، ومنها بروز تصدعات داخل معسكر "فجر ليبيا"، الذي تباينت مواقفه حول حوار جنيف خاصة. فبينما شارك المجلس البلدي لمصراتة في الحوار، عارضه في البداية المؤتمر الوطني العام (البرلمان الموازي)، ثم تراجع ليؤيده، شرط نقله إلى داخل البلاد. والأهم هو بروز اتجاه لدى رجال الأعمال ذوي الاتجاه الإسلامي في مصراتة، وكذا حزب العدالة والبناء الإخواني، لتفضيل الحوار على المعارك غير الحاسمة، لا سيما مع الخسائر التي تجنيها المدينة، ذات القوة التجارية والصناعية، جراء الضربات الجوية التي تلقتها من طائرات الجيش الوطني الليبي الموالي لحكومة الثني.
إضافة إلى ذلك، تنامت اختراقات وتوظيفات تنظيمات تحمل مسمى "داعش" في طرابلس، وكذلك سرت قرب الموارد النفطية، بما يهدد جبهة الإسلاميين ومصراتة، ويدفعها إلى حلول وسط. فالهجوم الانتحاري في الـ28 من يناير 2015 على فندق كورنثيا في وسط العاصمة، والذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا (داعش)، يشير إلى أن ثمة صراعا إسلاميا-إسلاميا داخل معسكر "فجر ليبيا". سبق ذلك صدامات بين ميليشيات مصراتة، والتي تشكل غالبية قوام "فجر ليبيا" مع مجموعات جهادية في منطقة الكفرة جنوبي ليبيا، بعد اختطاف عدد من مقاتليها، بخلاف هجمات تبنتها "داعش" على مسرح وإذاعة في طرابلس.
بل إن تنظيما أطلق على نفسه (الدولة الإسلامية) في برقة أعلن الجمعة 20 فبراير 2015 مسئوليته عن تفجيرات انتحارية استهدفت منطقة القبة التي لا تبعد سوى 40 كم عن مقر حكومة عبد الله الثني في البيضا، شرقي ليبيا، كرد على الغارات المصرية على درنة.
مسارات محتملة:
في ضوء البيئة الإقليمية والدولية غير المتفقة مع مصر على مسألة الحل العسكري، أو رفع حظر السلاح عن حكومة طبرق، علاوة على بروز تداعيات للهجوم الجوي على استهداف العمالة المصرية، التي تتفاوت تقديراتها بين مليون ومليون ونصف مليون شخص، ربما لا تستمر مصر في اعتماد الخيار العسكري المنفرد ضد ليبيا، وإن كان لا يمكن استبعاد تكراره، بل واحتمال تطويره لعمليات خاطفة تجاه بعض الجماعات الجهادية في شرق ليبيا، إذا ما تصاعد استهداف العمالة المصرية التي تمثل قيدا على التحركات المصرية المقبلة .
ولذا، فإن المسارات المحتملة للسياسة المصرية تجاه ليبيا بعد الهجوم الجوي ربما تتجه إلى مجموعة مسارات متزامنة:
- زيادة التفاعلات الأمنية والتنموية مع المناطق الحدودية الغربية لتأمين خط الدفاع الأول، مع تأكيد أنها لا تستبعد تكرار الضربات، إن تعرضت مصالحها لخطر جديد.
- تخفيض أعداد المصريين في ليبيا، عبر إجلائهم، خاصة أنها تجد صعوبات اقتصادية في توفير بدائل تقنع بعضهم بالعودة، لا سيما وأن بعض التقديرات تُشير إلى أنهم من مناطق الفقر في صعيد مصر، ويعملون في مهن متوسطة، خاصة في الشرق الليبي.
- الاستمرار في دعم حكومة ومجلس نواب طبرق، ومحاولة توظيف التصدعات البازغة داخل معسكر "فجر ليبيا"، بما قد يسمح- حال نجاح الحوار الوطني- بأن تميل مخرجاته لمصلحة الفريق الذي تدعمه مصر.
- سعي مصر لتقليص الفجوة بينها وبين القوى الإقليمية المجاورة لليبيا، خاصة الجزائر، التي تشكل رقما إقليميا رئيسيا في الأزمة الليبية، بما لها من علاقات متغلغلة مع القبائل في غرب وجنوب ليبيا.
- استثمار مصر لتوقيع صفقة طائرات "الرافال" مع فرنسا أخيرا لتوطيد شراكة ثنائية حول الأزمة الليبية، تأخذ في الحسبان طبيعة التغيرات العسكرية والسياسية للدور الفرنسي في محيط ليبيا، خاصة الساحل والصحراء، عبر عملية برخان التي أطلقتها في أغسطس 2013 لملاحقة الجماعات المتطرفة في المنطقة، بعد عمليتها العسكرية في شمال مالي.