تثير حالة الانقسامات الداخلية والصراعات المسلحة الدامية التي تشهدها العديد من البلدان العربية في المنطقة العديد من المخاوف المهددة لكيان الدولة القومية العربية لمصلحة مخططات التقسيم في المنطقة التي تقودها القوى الغربية، من خلال بث بذور الصراع المذهبي والطائفي لخلق حالة من الاقتتال الداخلي، خاصة في ظل تفشي ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، وتهديده للأمن القومي العربي تحت رايات دينية.
وانطلاقًا من هذه المخاطر التي تحيط بالمنطقة العربية، عقد اتحاد المحامين العرب في دورته رقم 23 مؤتمرًا بعنوان "نحو جبهة عربية لمواجهة الإرهاب والتبعية والتقسيم" تحت رعاية رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السياسي، وبرئاسة سامح عاشور، نقيب المحامين المصريين، رئيس الاتحاد، وعبد اللطيف بو عشرين، الأمين العام للاتحاد، وبمشاركة نقباء محاميّ الدول العربية، والأمناء المساعدين، والأعضاء.
الإرهاب ومشروعات التقسيم:
في افتتاح أعمال المؤتمر، أوضح سامح عاشور، رئيس الاتحاد، أن فكرة انعقاد هذا المؤتمر جاءت في توقيت خطير تتعرض فيه الأمة العربية لأكبر حملة تقطيع وتقسيم وتجزئة لم تتعرض لها في تاريخها، مؤكدًا أن الإرهاب جزء لا يتجزأ من مسلسل التقسيم والتبعية. فكل من يقرأ التاريخ يعرف أن مشروعات التقسيم ولدت بإرادة إرهابية، موضحًا أن العالم عرف الإرهاب منذ قديم الزمان. فباستخدام شريعة اليهود – بغير إرادة الشريعة - احتلت أكثر قطعة أرض غالية على قلوب العرب. وباسم الدين، يريدون إقامة دولة يهودية بمساعدة كل القوى الاستعمارية القديمة التى ضربت بكل القيم الإنسانية والاتفاقيات الدولية عرض الحائط. كما خرجت من المسيحية مدارس إرهابية تستغل سماحة الدين المسيحي لتنفيذ حملة صليبية لتقويض المنطقة. وباسم الإسلام، خرج من يرفع راياته، وهم ليسوا بمسلمين لتنفيذ مخططات تقسيم المنطقة.
واستكمل عاشور قائلًا إن ما جرى في المنطقة حدث باسم الاستعمار، فهم من نشروا مخططاتهم، ونحن قرأناها، لكن لم نعها، وتركناهم يعبثون بمقدراتنا، فدنسوا فلسطين، ودمروا العراق، وقسموا السودان، ويشعلون ليبيا، ويحيطون بالخليج، ومطلوب أن نتركهم الآن ليخطفوا سوريا، مشددًا على أن هذا لن يحدث.
وأكد عاشور أن الرهان الآن يجب أن يكون على اتحاد ووحدة الشعب العربي في الدفاع عن نفسه، لافتًا إلى أنه لا يمكن لأي أمة تحترم تارخها وحضارتها أن تقبل بتقسيم أراضيها بإرادة أجنبية، قائلًا: نحن نقبل أن يحاكم الشعب حكامه، ولا نقبل أن يحاكم المستعمر حكامنا. وأوضح أن ما فعله الأمريكان في العراق خير دليل على ذلك، فهم كانوا يتشدقون بحقوق المسيحيين في العراق، ولكن أين المجتمع الحر المتمدن مما يحدث من جرائم في حق المسيحيين الآن في العراق؟.
وأضاف نقيب المحامين أن ما يحدث حالياً من فتنة بين السنة والشيعة الهدف منه بث الفرقة بين المسلمين لإقامة صراع ديني مذهبي للاقتتال والتفرقة، لمصلحة إسرائيل تحت رايات دينية، لافتًا إلى أن ما جرى في فرنسا بالأمس القريب من هجمات إرهابية هو لمصلحة إسرائيل، واصفًا بأن من شارك في هذه الهجمات ليسوا مسلمين، ولا أبناء للعروبة، وإنما هم تابعون للصهيونية الإسرائيلية.
وأوصى عاشور المحامين العرب قائلًا: على المحامين العرب رفع رايات الوحدة، والتشبث بها، وعلينا إعادة النظر في كل خطايانا السياسية، ولن يُقبل من العرب التحدث عن دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيلية من الآن، ولتكن وجهتنا فلسطين موحدة من البحر إلى النهر، وأجندتنا فلسطين عربية وستظل.
واستكمل عاشور قائلًا: إن مصر تتعرض الآن لهجمة إرهابية منظمة من أجل إقصاء وإجهاض الثورة، والتقهقر إلى الخلف. ونقول للرئيس السيسى أنت الآن المسئول عن قيادة القاطرة العربية، والدفاع عن الأمة العربية، وأي تهديد للخليج أو أي دولة عربية يجب أن نعده تهديدًا للأمن القومي المصري.
وأوصى رئيس اتحاد المحامين بضرورة عودة مقعد سوريا في الجامعة العربية الذي اختُطف، وعدم السماح بسقوط سوريا لتسليمها إلى إسرائيل مرة أخرى. وفيما يتعلق بأوضاع الاتحاد، قال سامح عاشور إن الاتحاد لم يكن يومًا من الأيام دعاية لحاكم أو حكومة أو نظام، وإنما هو عميل للشعب العربي الذي يمثل وحده سيد الإرادة في الاتحاد، ونتطلع إلى الخروج من هذا المؤتمر بأطروحات جديدة لوطن جديد.
مشروعات التقسيم استراتيجية صهيو- أمريكية:
وفي بداية كلمته، وصف عبد اللطيف بوعشرين، الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، أن ما جاء في كلمة رئيس الاتحاد بمنزلة تشريح مختبري وواقعي لصورة بائسة وباكية ومدمية في كل الأوطان العربية لما تمر به من أوضاع حرجة يعلمها الجميع. ويرى بوعشرين أنه لابد من مواجهة هذا الوضع من خلال انتقاد الذات أولًا، وتشخيص الأسباب، وفي مقدمتها التبعية السياسية والاقتصادية، واصفًا من يريد طمس هذه الحقيقة بالمجنون. وأكد أن أغلب الحكام العرب تحت تبعية صهيونية – أمريكية، شئنا أم أبينا، وأن التقسيم استراتيجية صهيونية تتسرب إلى الجسد العربي، وأننا شاركنا في هذا الاختراق من خلال حكام عرب مساهمين فيما يحدث من صراعات في دول عربية، ويدعمونه.
وأضاف البوعشرين أنه لابد أن نجلس على كرسي الاعتراف. فبسبب الفرقة، ضاع العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن. وفلسطين المكلومة التي تمثل بؤرة النار، وفضاء اليُتم والأرامل أصبحت الموضوع الروتيني الكلاسيكي الذي طال أمده منذ 1969، وأعيتها الوعود والشعارات والشجب، مؤكدًا قوة الأمة العربية، وواصفًا من يراها ضعيفة بالجاهل.
وتعهد البوعشرين بأنه لن تنتهي ولايته دون تحقيق طفرة في القضية الفلسطينية، لافتًا إلى عزمه تغيير استراتيجية العمل بالكامل، واستدراك الاختلالات من خلال السعي لتحقيق توافقات ومصالحات بين كل الدول العربية. وأوضح أن نزيف التفرقة قد دب في الجسد العربي، ويحتاج إلى وجود رجل التوازنات والاتفاقات والمصالحات لكسر مقولة الغرب الشائعة "اتفق العرب على ألا يتفقوا" لتحل محلها مقولة "اتفق العرب وتلك نهاية الصهيونية، وبداية القومية العربية".
رؤى عربية لقضايا المنطقة:
أوضح محمد العنيزى، نائب اللجنة السعودية للمحاماة، أن شلالات الدم التي تشهدها المنطقة العربية في لبنان، وسوريا، وليبيا، والعراق، واليمن، وغيرها يعود لسلبية العرب، وعدم تصديهم بالحزم الواجب للأيادي الأجنبية التي تعيث في الأرض العربية فسادًا. وأضاف أن ما تمر به دول المنطقة من نكبات يرجع لعدم التصدي للعدو الصهيوني الذي يمثل السرطان الذي ينخر في الجسد العربي، ويفرز كل هذه الصراعات الدموية، إلي جانب عدم توظيف إمكانياتنا النفطية والمالية لمواجهة ما يُخطط لنا.
ومن جانبه، حذر المحامي اليمني طه حسن من وجود مساع خفية لإزاحة القضية الفلسطينية من وعي ووجدان المواطن العربي، خاصة الجيل الجديد، بل وتزييف هذا الوعي، واعتبار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني نوعًا من الإرهاب، واعتبار إسرائيل كيانا صديقا ونموذجا للديموقراطية، رغم جرائم الحرب التي ترتكبها يوميًا في حق الشعب الفلسطيني.
بينما نادى صفاء الموصلي، عضو اللجنة العراقية لدعم الثورة العراقية، بإنقاذ العراقيين من الهجمة الطائفية الشرسة التي تشنها الحكومة العراقية الحالية، وميليشياتها المسلحة والمدعومة بالرجال والسلاح من دولة الملالي الإيرانية في طهران. واتهم كلا من إيران والولايات المتحدة بالتعاون معًا للسيطرة على العراق، ونهب ثرواته، وإفقار شعبه، واستباحة دماء وأعراض السنة العراقيين، مؤكدًا أن سنة العراق تتعرض حاليًا لعملية تجريف طائفي وعرقي لم يشهد العراق طوال تاريخه مثيلًا لها.
كيفية الخروج من الأزمات الحالية:
طرح المشاركون في المؤتمر رؤى تسهم في حل الوضع المتأزم في أغلب الدول العربية من خلال عدد من التوصيات، أهمها:
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية: دعا الاتحاد إلى ضرورة دعم الجهود الفلسطينية الرامية إلى محاكمة ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وضرورة فتح المعابر مع قطاع غزة، ورفع الحصار المفروض عليه، وتقديم كافة أشكال الدعم للشعب الفلسطيني، ومقاومته المسلحة لمواصلة كفاحه ضد الاحتلال الصهيوني.
فيما يتعلق بالأزمة اللبنانية: دعا اتحاد المحامين العرب مجلس النواب اللبناني إلى ضرورة ملء شغور المقعد الرئاسي بصورة عاجلة، ورعاية اللاجئين السوريين في لبنان، وتقديم الدعم المادي للأردن لتشجيعه على اسستقبال ورعاية اللاجئين السوريين الفارين من سوريا بسبب الأوضاع المتفجرة هناك.
فيما تعلق بالشأن العراقي: دعا الاتحاد إلى تأكيد وحدة العراق، أرضًا وشعبًا، والوقوف في وجه محاولات تقسيمه، وتجريم ممارسات الميليشيات الطائفية المهددة لوحدة العراق.
وبخصوص الأزمة اليمنية: لابد من اعتماد المصالحة الوطنية في اليمن، باعتبارها الطريق الوحيد للاستقرار، والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة والشراكة بين المتخاصمين، مع رفض التدخل الأجنبي، والوجود العسكري الأمريكي وغيره، والحث علي سرعة إجراء الانتخابات البرلمانية، وتسليم أسلحة الميليشيات للجيش اليمني.
فيما يتعلق بالوضع الليبي: دعم الأجهزة الشرعية في ليبيا، وتأمين الحدود، والعودة لطاولة الحوار لكافة القوى السياسية المتنازعة، إضافة إلى عدم اللجوء للسلاح لحل الخلافات السياسية .
تشكيل وفد من اتحاد المحامين العرب لحل مشكلة الصحراء بين المغرب والجزائر.
وفي ختام المؤتمر، شدد سامح عاشور على ضرورة أن تتجاوز الدول العربية خصوماتها، وتقبل الاختلاف، مؤكدًا أن مصر هي أكبر دولة عربية استطاعت أن تضع الإرهاب في مكانه الصحيح. وأبدى اهتمامه بالملف السوري قائلًا: إنه لم يسبق للاتحاد الاهتمام بالشأن السوري مثلما يفعل حاليًا، واصفًا القضية السورية بقضية ضمير وطني وقومي لكل عربي. ولفت إلى أن الإرهاب نجح في الخلط بين صانع الإرهاب والمطالب بالحرية، لكن الصورة تجلت الآن، ويجب ألا نعود للوراء. كما أوصى الاتحاد بضرورة تقديم توصيف وتعريف عربي للإرهاب من أجل الدفاع عن أوطاننا بحق، وليس من خلال تصنيفات غربية مستوردة لا تخدم إلا مصالح واضعيها.