تسعى مصر لتوطيد علاقاتها بكافة دول العالم، خاصة الصاعدة منها، وتأتي الصين فى مقدمة هذه الدول بما يعود بالفائدة علي الدولتين، وللحصول على دعم الصين لمصر وقضاياها إقليميا ودوليا.
فى هذا السياق، انطلقت فاعليات المؤتمر الدولي الأول، الذي نظمه معهد كونفوشيوس، وقسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، وكان عنوانه "العلاقات المصرية- الصينية في الإطار الدولي"، خلال الفترة من 26 إلى 28 نوفمبر 2014 ، والذى أقيم تحت رعاية الأستاذ الدكتور ممدوح غراب، رئيس جامعة قناة السويس. وقد حضر المؤتمر نخبة من الباحثين المصريين من جامعات قناة السويس، والقاهرة، وحلوان، وبورسعيد، وبني سويف، وأسيوط، ومن الصين، والبحرين.
ألقى الكلمة الافتتاحية للمؤتمر الأستاذ الدكتور علي الدين هلال، الوزير الأسبق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وذكر فيها أن تاريخ العلاقات الصينية- المصرية يعود للعصر الفاطمي، عندما أرسل أحد ولاة مصر بعثة إلى الصين للمشاركة في احتفال ديني. وعقب استقلال مصر عام 1928 ، تم التبادل القنصلي بينها وبين الصين.
وأكد هلال أن الصين قد حققت النهضة بالاعتماد على أربعة أعمدة أساسية، أولها: اعتماد النموذج الصيني للتنمية، ورفض الروشتات الجاهزة من المؤسسات الدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين، وتأكيد أن التنمية الاقتصادية هي التي تحقق الديمقراطية، ورفض المفهوم الغربي لحقوق الإنسان. ثانيها: الثقافة الصينية التي تقوم على الثقة بالذات، والافتخار بالأمة والتاريخ. ثالثها: تنمية رأس المال البشري من خلال قرار بحق الأسرة فى الإنجاب، ولكن تولى الدولة الرعاية الكاملة لطفل واحد فقط، وتطوير نظام تعليمي يرفع كفاءة الخريج الصيني، ويجعله ينافس دوليا. رابعها وأخيرا: أخلاقيات أو قيم التقدم، وأهمها الجرأة والصراحة في مواجهة المشاكل.
وفى ختام كلمته، أوضح هلال أن الصين هي أعظم قصة نجاح في القرن العشرين، إذ استطاعت أن تنتقل من كونها على أطراف النظام الاقتصادي العالمي إلى قاطرته ومحركته، وأن مصر يمكن أن تستفيد من تجربتها من خلال تبني بعض عناصر النهضة الصينية: تبني مفهوم للتنمية الاقتصادية نابع من الداخل، وليس مفروضا من خلال روشتة دولية، والافتخار بالذات كباعث للتقدم، والاعتماد على الذات كمنهج للتفكير، والمثابرة والإصرار والاستمرار، والتأني وعدم استعجال النتائج، وعدم التباهي بما تحقق، والتركيز على ما لم يتحقق.
العلاقات العربية- الصينية:
طرحت الدكتورة شروق الزيات فى ورقتها المعنونة بـ"الديمقراطية من منظور صيني" أن الديمقراطية في الصين مستمدة من مفاهيم وقيم صينية، وتختلف عن القيم والمفاهيم الغربية. وخلصت فى دراستها إلى أن الصين نجحت في تحقيق نموذج ناجح لديمقراطيتها، ولم تخضع للنموذج الغربي.
توصل الدكتور عادل زعلوك بجامعة الإسكندرية فى دراسته المعنونة بـ" السياسة الخارجية الصينية تجاه المنطقة العربية في القرن الحادي والعشرين" إلى اعتماد السياسة الخارجية الصينية تجاه المنطقة العربية في تحقيق مصالحها على البرجماتية، وعدم اشتراط الصين في مساعداتها الاقتصادية للدول العربية تأسيس نظام ديمقراطي معين كما تشترط الدول الغربية.
وذكرت الدكتورة صفاء خليفة، الباحثة بمكتبة الإسكندرية في بحثها المعنون بـ" الولايات المتحدة الأمريكية والعلاقات العربية- الصينية.. دراسة لأثر المحددات الدولية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة" أن الصين اتجهت لانتهاج سياسة نشطة وفعالة في المنطقة العربية لتأمين مصادر الطاقة، وأن ذلك لا يعنى تصادم السياسات الصينية- الأمريكية في المنطقة.
وأضافت خليفة أن الصين هى الدولة الوحيدة فى العالم التي تؤيد الوحدة العربية، وضرورة حل المشاكل فى المنطقة العربية داخليا، والإصلاح الداخلي العربي، ورفض محاولات فرض الإصلاح من الخارج.
العلاقات المصرية- الصينية:
قدم الدكتور علاء عبد الحفيظ، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط، فى بحثه المعنون بـ "واقع ومستقبل العلاقات المصرية الصينية"، مقترحات خاصة بتطوير العلاقت المستقبلية بين البلدين، أهمها: وضع خطة أو آلية نحو مزيد من التعاون بين البلدين في كافة المجالات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والعلمية، والاجتماعية، والثقافية، والإعلامية. ومن الأمثلة على ذلك: إقامة عدد من المشروعات الكبرى والاستراتيجية، مثل مبادرة طريق الحرير الجديد التي طرحتها الصين، على أن يتم تمويل تلك المشروعات باستثمار مشترك، وإنشاء منطقة تجارة حرة بين مصر والصين، وإنشاء غرفة تجارية مصرية، حتى يتسنى زيادة التبادل التجاري المصري- الصيني، وزيادة الاستثمارات الصينية في مصر، من خلال فتح مصانع صينية في مصر، ونقل صناعة التكنولوجيا، وتطوير البنية التحتية، من خلال تعزيز شبكة الطرق، ومشاركة مصر في التنظيمات الجديدة والقائمة في آسيا، ولو من خلال مقعد مراقب، وتفعيل مشاركة مصر في أنشطة المنتدى العربي- الصيني، والمنتدى الإفريقي- الصيني، وزيادة التبادل الدبلوماسي والسياسي بين مصر والصين، والتعاون بين البلدين في القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، ومن بينها: حوار وتعاون الحضارات في مواجهة توجهات صدام الحضارات، والتصدي لظاهرة الإرهاب، وتمييزها عن المقاومة المشروعة ضد الاحتلال.
وخلصت الدكتورة ريمان أحمد، مدرس العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، فى دراستها المعنونة بــ" السياسة الصينية إزاء ثورات الربيع العربي: دراسة حالة مصر"، إلى أن أبلغ تعبير عن تميز العلاقات الصينية- المصرية هو تلاقي القيادتين المصرية والصينية فيما بعد ثورة 30 يونيو في العديد من النقاط المتمثلة في حرصهما على الانطلاق في مشاريع عملاقة ذات أبعاد استراتيجية. فالرئيس الصيني أطلق منذ سبتمبر 2013 مبادرة إحياء طريق الحرير، وهذا يتشابه مع مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي بإطلاق أول مشروع قومي عملاق، وهو حفر قناة السويس الجديدة التي يكون من شأنها توسيع وتعميق الممر المائي ذى الأهمية الاستراتيجية العالمية، وإقامة مناطق ومشروعات صناعية وتجارية على جانبي القناة، مما يفتح مجالا للاستثمار في سيناء، ويعزز التبادل التجاري. وهذا التلاقي فى الأهداف يعيد إلى الأذهان مرحلة الخمسينيات، ويعزز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين.
وأوصت الدكتورة وئام السيد، مدرس العلوم السياسية والإدارة العامة بجامعة بورسعيد، في دراستها " استراتيجية إدارة العلاقات المصرية- الصينية فيما بين الفرص والتحديات"، بضرورة تشكيل مجموعات عمل استراتيجية لفحص وتنقيح الاتفاقيات المشتركة بين الدولتين وتفعيلها، وقيام الجانب المصري بسد الفجوة في الميزان التجاري بين البلدين، وتنظيم عمل الدبلوماسية الشعبية بين البلدين.
وطرح مدبولي عتمان، نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية، فى ورقته "التواجد المصري- الصيني في إفريقيا: تكامل أم تنافس؟" أسباب التراجع المصري والتقدم الصيني في إفريقيا، وكان أهمها: التباهي المصري، والتواضع الصيني، والانقطاع المصري، والتواصل المتزايد من الجانب الصيني بإفريقيا، والإطار الذي شكله كلا الجانبين، فمصر أبقت على الجانب الرسمي والفردي فى علاقاتها مع افريقيا، بينما استندت الصين إلى الجوانب الرسمية، والشعبية، والفردية.
وخلص عتمان إلى أن الوجود المصري- الصيني فى إفريقيا يؤدي للتكامل وليس التنافس، فمصر بامكانياتها الحالية لا تستطيع أن تنافس، والصين لا ترغب فى منافسة مصر في إفريقيا. وهذه الحالة تفرض على الدولة المصرية ضرورة استثمارها، وتفعيل الحوارات والاتفاقيات الاستراتيجية بين الطرفين، بما يحقق مصالحهما.
الصين وفرص الاستثمار:
رسم الدكتور مسعد الغايش، مدرس الاقتصاد بجامعة بني سويف، في دراسته "دور الاستثمارات الصينية في تمويل مشاريع التنمية الاقتصادية في مصر"، خريطة للمجالات المصرية التي يمكن أن تستثمر فيها الصين، من أهمها: البيئة، والثروة التعدينية، والطاقة، والزراعة.
وطرح الدكتور سيد عطية، المدير العام بوزارة التجارة الخارجية والصناعة، فى ورقته "استراتيجية دعم التصدير في مصر والدروس المستفادة من الخبرة الصينية"، ضرورة دعم ثلاث بيئات: المؤسسية (لجان وزارية، ومراكز تنمية الصادرات وغيرها)، وقانونية (تشريعات وقرارات ولوائح تحفز الاستثمار)، ومالية (دعم أكبر للمصدرين، ودعم سياسة رفع الجودة الصناعية للمنتجات المصرية).